بات واضحا للعيان أن الأحزاب السياسية
تعاني من ضعف حقيقي وتفتقد التواجد الفعلي على الساحة، وهذا أمر طبيعي بسبب انسداد
مسارات العمل السياسي لعقود طويلة مضت، حيث لم يكن النظام الحاكم طوال عهد مبارك
يسمح بوجود فعال للأحزاب، فضلا عن أنه عمل على إعاقة ظهور سياسيين حقيقيين يتمتعون
بدعم شعبي.
ورغم التعدد الحزبي بمصر، فإنها ظلت لفترة طويلة لا تعرف سوى التنظيم الواحدالذي
بدأ بالاتحاد الاشتراكي الذي كان تنظيما ترعاه الدولة ويمثل رؤيتها ويضم قياداتها،
ويبدو أن الحزب الوطني الذي أسسه الرئيس الأسبق أنور السادات، وترأسه من بعده
الرئيس مبارك، مارس العمل كحزب للسلطة ووريث للاتحاد الاشتراكي أكثر من كونه حزبا
ضمن أحزاب أخرى تتنافس على أصوات الناخبين.
وبعد ثورتين قام بهما الشعب المصري طلبا للحرية والتعددية، يبدو أن البعض يريد
العودة لنظام الحزب الواحد، حتى إن عددا من السياسيين صرح بأنه ”لا غنى للرئيس
السيسي، عن تشكيل حزب ليكون ظهيرا سياسيا له في مجلس النواب”، وهو ما يعني في
النهاية عودة مرة أخرى لسياسات الحزب الوطني المنحل.
كانت بداية الحزب الوطني مع ظهور الأحزاب السياسية في مصر خلال القرن الـ19، حيث
تأسس عام 1907 على يد الزعيم مصطفى كامل، ثم ظهر حزب الوفد في أعقاب الحرب العالمية
الأولى كحركة شعبية في بادئ الأمر تهدف إلى تأييد سعد زغلول، وزملائه في تمثيل
الشعب المصري للتفاوض مع الإنجليز من أجل تحقيق الجلاء.
لكن الوضع تغير تمامًا بعد ثورة يوليو 1952، حيث اتجه النظام الجديد إلى توطيد
أركانه عن طريق القضاء على المعارضة، وفي 16 يناير 1953 صدر قانون حل الأحزاب
السياسية، واتجهت السلطة إلى التنظيم السياسي الواحد، الذي يحكم البلاد باسم هيئة
التحرير ثم الاتحاد القومي الذي تغير بعد ذلك إلى الاتحاد الاشتراكي.
وعلى الرغم من السماح بالتعددية الحزبية منذ 1977، فإن التنظيم الذي شكله الرئيس
السادات، باسم الحزب الوطني الديمقراطي، في أغسطس 1987، ظل رقيبًا على من يسمح له
بتشكيل الأحزاب، كما اعتبر نفسه الحزب الوحيد الذي يحق له حكم البلاد، رافضًا فكرة
انتقال السلطة الذي يقوم عليه النظام الديمقراطي، ليكمل بعدها المخلوع حسني مبارك
المسيرة.
وشكل الحزب الوطني في عهد الرئيس الأسبق مبارك، حالة من الهيمنة السياسية على مجلس
الشعب وعلى الحياة السياسية بشكل عام، فكان الحزب المسيطر الذي يمارس الكثير من
الخبايا والصفقات تحت مسمى الحزب الحاكم، وعلى الرغم من استمراره طويلًا، إلا أن
الوضع الخاطئ لم يكن ليستمر إلى ما لا نهاية، فخرج الشعب وأسقط الحزب في يناير
2011.
ويبدو أن الحزب الوطني يريد العودة إلى الحياة السياسية وبث الفساد السياسي مرة
أخرى عن طريق التسلل إلى البرلمان من جديد، وخلق قائمة موحدة تكون تابعة للنظام
الحالي وتكون بديلا عن الحزب الوطني.
ولعل إعلان عدد من السياسين عن إنشاء تكتل حزبي جديد تحت رعاية الرئيس قد بدأ في
يناير 2015 حين قرر الرئيس السيسي، دعوة الأحزاب والقوى السياسية، إلى التوحد؛ من
أجل خوض الانتخابات البرلمانية عبر قائمة وطنية جامعة تضم كل الأحزاب والقوى، كما
أوضح الرئيس أنه لن يدعم أي قائمة في الانتخابات المقبلة إلا في حالة اتفاق الأحزاب
على قائمة واحدة.
وتمت تلبية الدعوة على الفور من السيد عمرو موسي، حين دعا مراد موافي، إلى تشكيل
تحالف جديد يضم أغلبية الأحزاب التي أعلنت تأييدها لمبادرة السيسي، والإعلان عن
تكتل حزبي كبير، ولكن لم يحقق التكتل الذي أعلن عنه أهدافه ودب الخلاف فيما بينهم،
وحتى وقتنا الحالي تتصاعد الأصوات التي تؤكد أنها تمثل القائمة الحقيقية للرئيس،
ولا يزال الغموض يحيط بتلك القائمة التي لن تتضح حقيقتها لحين اكتمال القوائم
الأخرى، ليظل السؤال العالق في الأذهان: هل يعني إنشاء تكتل جزبي تحت رعاية الرئيس
عودة لسياسات المنحل مرة أخرى؟.
يقول الدكتور يسري العزباوي، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية
والاستراتيجية، إن دعوة السيسي لتكتل حزبي يخوض انتخابات البرلمان ويكون هو الراعي
له هو بمثابة ظهير سياسي داعم للرئيس في مجلس النواب القادم، لافتًا إلى أن
البرلمان لم تتحدد ملامحه حتى الآن لأن التحالفات التي شكلتها الأحزاب في الفترة
الأخيرة لم تثبت نجاحا ملحوظا أو تحظ برضا عام.
وأكد العزباوي، أن دعوة الرئيس لتكتل حزبي ليست هدفها بالتأكيد عودة سيطرة الحزب
الوطني من جديد، بقدر ما تهدف إلى تحريك الأحزاب بشكل حقيقي، فلم يعد مقبولا أن يظل
المشهد السياسي يعج بأحزاب كرتونية ليس لديها القدرة على التأثير في الشارع.
فيما قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن دعوة
السيسي، لإنشاء تكتل حزبي يدعمه لخوض البرلمان هي دعوة يكررها الرئيس منذ بداية
العام، وحتى الآن لم تثبت أي من التحالفات الانتخابية جدارتها لخوض تلك المعركة،
مؤكدا أن الوقت الحالي يحتاج إلى وعى حقيقي من الأحزاب من أجل إنشاء قوائم تنافس
بعضها البعض لا قوائم كرتونية.
وأكد نافعة، أن تجربة برلمان 2010 واضحة أمام الجميع ولابد من تلافي الأخطاء بها
والعمل على انتخاب برلمان يمثل كل المصريين، ولن يكون هناك عودة لسياسيات المنحل
مرة أخرى.
من الناحية القانونية، أكد المستشار مجدي الجوهري، الخبير القانوني، أن الاتفاق على
قائمة موحدة لخوض الانتخابات البرلمانية من رئاسة الجمهورية، أمر طبيعي وليس به
عوار قانوني، فالالتفاف حول فكرة واحدة من أجل مصلحة مصر في صالح الجميع.
ولفت الجوهري، إلى أن الشعب قادر على تحديد مطالبه، وليس هناك خوف من عودة الحزب
الوطني من جديد طالما أن الشعب واع بالمرشحين الذين سيدعمهم ليحققوا له مطالب
الثورة بشكل حقيقي وليس الهيمنة السياسية التى كان يفرضها الحزب الوطني.
البديل
Navigate through the articles | |
هجوم “الكرنك” ضربة موجعة للاقتصاد المصري | عام على حكم السيسي |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|