في رد فعل على العملية الإرهابية
التي أدت لاغتيال النائب العام المصري هشام بركات طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي
أمس بتشديد العقوبات وبتنفيذ أحكام الإعدام والمؤبد بشكل أسرع.
ربط الرئيس المصري بين اغتيال هشام بركات وبين بطء المحاكم المصرية وذلك، حسب
تعبيره، لأن يدها «مغلولة بالقوانين»، ولكي يضمن أن هذه القوانين لن تغل يد المحاكم
فإن الرئيس سيعمل على تعديلها بحيث تنفذ العدالة «بأسرع وقت ممكن» موضحاً: «لن نأخذ
خمس أو عشر سنوات لنحاكم الناس التي تقتلنا!»، وفي إشارة إلى نوع الأحكام التي
يتوقع السيسي من المحاكم إصدارها بعد «تعديل القوانين»: «تصدر (أي المحاكم) حكما
بالإعدام سيُنفذ حكم الإعدام. ستصدر حكما بالمؤبد سيُنفذ حكم المؤبد. القانون!
القانون!»
تعتبر هذه التصريحات الرئاسية ردّ فعل واضحاً على اغتيال أرفع شخصية سياسية مصرية
منذ عقود، ويتناسب الغضب الشديد الظاهر فيها مع حجم الأهداف التي سعت إليها
العملية، وأولها هو توقيتها مع الذكرى الثانية لتظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، التي
مهّدت لاستلام السيسي للسلطة، بحيث أنها صبغت هذه الذكرى بلون الدم ومشاعر الغضب
ومشاهد التفجير والخراب، وثانيها هو استهداف التحالف القائم بين النظام السياسي
ومؤسسات النيابة والقضاء المصريين، واعتبارهما جسماً واحداً.
الرسالة التي تحملها لغة وخطاب وإشارات السيسي تحيل بكافة تفاصيلها إلى أن الغضب
والرغبة في الانتقام يتصدّران المشهد المصري ويتميز الخطاب بلغة قمعية تعتبر
القوانين معيقة للعدالة وتستسهل إعادة صياغتها لتتناسب مع متطلبات الرغبة العاجلة
في الانتقام.
الإشكالية الأخرى في هذا الخطاب هي التسرّع في أحكامه وتوجيهه سياسياً نحو خصومه
المفضلين (جماعة «الإخوان المسلمين»)، وهو بذلك يتهم سجناء موجودين وراء القضبان
تحت رحمته بتنفيذ عمليات إرهابية وهو أمر لا يستقيم قانوناً أو شرعاً أو منطقاً.
وكما يضيق هذا المنطق ببطء العدالة فهو يضيق ايضاً بمقتضيات التثبت من الحقيقة مما
يكشف تهلهله وبؤس مآلاته.
وإذا كان خطاب الرئيس المصري كذلك فلا غرابة أن يخرج وزير «العدل» أحمد الزند
ليطالب القضاء بالثأر لدم بركات قائلا: «إثأروا للشهيد الصائم بالقانون. القانون
الذي لا يأخذ خمس سنوات»، وهو أمر مضاد بالكلية لمعاني القضاء والقانون والعدالة بل
يشكل فضيحة مهنية بكل المعايير.
وما لبث بعض الإعلاميين أن تلقفوا هذه الدعوات الثأرية فطالب أحدهم بإعدام «مرسي
و999 إرهابيا».
حجم الجريمة الكبير كان يفترض برأس السلطة التنفيذية المصرية أن يقرأ المشهد بعين
العقل والحكمة والتبصر فإذا كان هو الذي يستعجل أحكام الإعدام والمؤبد ويحرّض ضد
القوانين ويستنكر بطء العدالة والمحاكم، فما الذي يتوقع من وزير عدله وإعلامييه
ورجال أمنه وجنوده؟
في خطابه استخدم السيسي مفردات القانون والعدالة ليدعو للتخلص منهما، وهي دعوة لرفع
سيف الإنتقام مما سيهيل التراب على مصداقية القضاء والدولة المصريين.
حين تتحكم مشاعر الغضب والانتقام والرغبة في الثأر ويقال ما قيل على المنابر وعلى
رؤوس الأشهاد دون اعتبار لقيم شرعية أو قانونية أو إنسانية فهذا يعني أن هناك خللا
كبيراً مستفحلاً ومخيفاً وأن المقبل على مصر خطير.
القدس العربي
Navigate through the articles | |
«الأزهر» فى عيده 1043 | مســتـقـبـل ليـبـــيا... بحســاب البنـدقــية |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|