المقالات و التقارير > الخوف من الإخوان يوحد مؤسسات الدولة

الخوف من الإخوان يوحد مؤسسات الدولة

رأى الكاتب والباحث المتخصص في الشأن المصري، إريك تراجر، أنه على الرغم من أن العاميين الماضيين هم الأكثر عنفاً وتدهور في الوضع الأمني في تاريخ مصر المعاصر، إلا أن ذلك لا يعني أن هذا التدهور يعكس حاله من عدم الاستقرار السياسي، بل رأى أنه على العكس؛ أن النظام الحالي يعتبر الأكثر استقراراً وتماسكاً منذ 2011.

واستعرض تراجر في مقاله المنشورة بمجلة فورين أفيرز الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية بوزارة الخارجية الأمريكية، الموقف الأمني في مصر وما شهده خلال العاميين الماضيين منذ الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين وحتى حادثة اغتيال النائب العام السابق، هشام بركات، والتطور النوعي والكمي للعمليات الإرهابية، وحزم القوانين المتتابعة التي أصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأخرها ما يخص تعجيل تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد قيادات الجماعة الإرهابية، كذلك دخول داعش على مسرح الهجمات الإرهابية التي وصلت إلى قلب القاهرة، بتفجير مبنى تابع للسفارة الإيطالية في وسط العاصمة، مضيفاً “على الرغم من هذه النظرة القاتمة من الناحية الأمنية، تُعتبر مصر مستقرة من الناحية السياسية أكثر مما كانت عليه منذ سنوات. فعلى عكس الأنظمة المنقسمة التي انهارت حيال الاحتجاجات الواسعة في يناير 2011 /يونيو 2013، فإن نظام السيسي متماسك داخلياً. ومن المرجح أن تبقى مختلف مؤسسات الدولة والجماعات المدنية التي تشكل النظام، متراصة بإحكام لسبب أساسي واحد وهو: أنها تنظر إلى جماعة الإخوان كونها تشكل تهديداً كبيراً على مصالحها الخاصة، وبالتالي ترى أن حملة النظام ضد لإخوان ضرورية من أجل بقائها. بالإضافة إلى ذلك، إن الوحدة الداخلية لنظام السيسي، كما يراها الكثير من المصريين وربما معظمهم، هي الأمر الوحيد الذي يمنع البلاد من الانزلاق نحو دوامة الفوضى التي قد تنتج عن انعدام الولاية – تلك التي اجتاحت بلدان “الربيع العربي” الأخرى، وحتى هم يفضلون بشدة نظاماً قمعياً وغير كفؤ بدرجة ما على ما يعتبرونه بديلاً أسوأ منه بكثير. وحتى في الوقت الذي يصبح فيه الأمن الداخلي في مصر أكثر ضعفاً، إلا أنه يمكن الحفاظ على الوضع القائم، لأن تغييراً للنظام يبدو بعيداً جداً على المدى القريب”.

وأوضح الباحث أن استقرار النظام السياسي يرتبط بالكامل بشخص السيسي وبقاءه، وذلك بموازاة خطر الاغتيال الدائم، مشيراً إلى أن عموم المصريين يدركوا هذا الأمر بقوله ” المصريين يتحدثون عن الموضوع بكل صراحة لدرجة أنه توجب على السيسي التطرق إلى المسألة خلال مقابلة أجراها قبل انتخابه في العام الماضي، حيث اعترف باكتشاف محاولتين لاغتياله في الأشهر التي تلت الإطاحة بمرسي. وهذا التهديد لم يتبدد، فالإخوان المسلمون يدعون صراحة إلى موت السيسي، كما وأن الجماعة الجهادية زرعت قنابل خارج القصر الرئاسي في يونيو الماضي، بعد أسابيع فقط من تولي السيسي السلطة. وبالتالي، يقيم الرئيس المصري في مكان سري، وهو تحول حاد من النهج الذي اتُبع في البروتوكول الذي سار عليه الذين سبقوه في الرئاسة، والذين كانت أماكن إقامتهم محمية بشكل جيد إلا أنها لم تكن من أسرار الدولة”.

وعطفاً على النقطة السابقة، بَيّن الكاتب أن بقاء النظام الحالي على عكس استقراره، لا يعتمد على طول مدة بقاء السيسي في الحكم، قائلاً “على الرغم من أن النظام غالباً ما يقدم السيسي باعتباره رجلاً قوياً يشبه الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، إلا أنه وعلى نحو أكثر دقة بمثابة مدير تنفيذي لتحالف غير مترابط من المؤسسات وأصحاب المصالح الذين دعموا الإطاحة بمرسي عام 2013، وأيدوا ترشيح السيسي للانتخابات الرئاسية عام 2014، ويشكلون الآن نظامه، ويضم هذا التحالف عدداً من مؤسسات الدولة مثل الجيش والاستخبارات والشرطة والقضاء، وكذلك كيانات غير حكومية تشكل ملحقات الدولة في الريف، مثل العشائر القوية في دلتا النيل والقبائل في صعيد مصر. كما يلقى النظام دعماً حاسماً من قطاع رجال الأعمال ووسائل الإعلام الخاصة، والذين أدوا دوراً بارزاً في حشد الجماهير ضد مرسي قبل عامين. وعلى الرغم من حالة عدم اليقين السياسي والعنف الشديد الذي أعقب الإطاحة بمرسي، فإن مراكز القوة موضع البحث ظلت موحدة لأكثر من عامين وحتى يومنا هذا لسبب رئيسي واحد: أنها تشترك في مصلحة تدمير الإخوان المسلمين الذين كانوا يهددون مصالحها بشكل كبير، أثناء حكم مرسي الذي دام 369 يوماً”.

وفي مقارنة بين جوهر سياسات النظام الحالي والسابق، خرج تراجر بنتيجة مفادها أن إجراءات النظامين الترهيبية والترغيبية تجاه مختلف مؤسسات الدولة المصرية لم تختلف في جوهر أنها نابعة من تقريب ما يحقق أهداف كل منهما، وبالتالي فأن الاختلاف بينهما أتى من طبيعة كل من النظامين، قائلاً “يرى المدافعين عن الإخوان المسلمين أنهم يعتنقون فكرة التدرج في تحقيق أهدافهم، أي تسعى إلى تطبيق أجندتها الإسلامية من خلال السياسة الرسمية، على عكس الجماعات الإرهابية مثل تنظيمي «داعش» و«القاعدة». إلا أنه لم يظهر “تدرج” في محاولة الإخوان محاربة مراكز القوة موضع البحث، باستثناء العمل معها أو التعاون معها بعد فوز مرسي في الانتخابات الرئاسية عام 2012. فقد سعى مرسي إلى تقويض السلطة القضائية من خلال المرسوم الذي أصدره في نوفمبر 2012 والذي وضع المراسيم التي تصدر من قبله فوق التدقيق القضائي، كما أن مجلس الشعب الذي هيمن عليه لإخوان حاول إحالة أكثر من 3000 قاضٍ للتقاعد من خلال تشريع جديد. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت الجماعة نفوذها في عملية صياغة الدستور في أواخر عام 2012 لمنع جميع أعضاء البرلمان الذين ينتمون إلى حزب الرئيس السابق حسني مبارك من المشاركة في الانتخابات لمدة عشرة أعوام، الأمر الذي استبعد فعلياً العشائر والقبائل الريفية التي تشكل مراكز السلطة الرئيسية في الريف، والتي غالباً ما أصبح قادتها أعضاء في البرلمان في عهد مبارك. وبشكل مماثل، حاول الإخوان تهميش قطاع رجال الأعمال من خلال إنشاء منظمة أعمالهم الخاصة، التي كان قادتها يرافقون مرسي في رحلاته الخارجية”.

وأضح تراجر أن تدعيم حكم مرسي الاستبدادي وغير الكفء بالإجراءات السابقة كان يقابله ترغيب لمؤسسات الجيش والشرطة، إلا أن المؤسستين ونتيجة للتهديد بهيكلة الداخلية، والعدائية في سياسات مرسي الخارجية الخاصة بالموقف من سوريا التي يعتبرها الجيش من مسئولياته كونها تقع تحت بند الأمن القومي، فأضاف ” ومع زيادة النقد لِحُكم مرسي الاستبدادي وغير الكفء من قبل وسائل الإعلام في أوائل عام 2013، حمل الإخوان في تجمعاتهم ملصقات لمذيعي التلفزيون – والمشانق تلف رؤوسهم – متعهدين بـ “تطهير” وسائل الإعلام. وعلى نفس المنوال، فإن دعوة قادة الإخوان إلى “إعادة هيكلة وإصلاح” وزارة الداخلية قد أثارت قلق الشرطة المصرية ودفعت بالعديد من الضباط إلى المشاركة في الانتفاضة ضد مرسي وهم يرتدون زيهم الرسمي. وعلى الرغم من أن مرسي حاول التقرب من الجيش من خلال الحفاظ على استقلاليته في مسائل الأمن القومي والشؤون الداخلية الخاصة به، إلا أنه قوّض هذا الترتيب من خلال تصريحاته العدائية المتعلقة بالسياسة الخارجية خلال الشهر الأخير من فترة حكمه. وفي الواقع، من وجهة نظر كبار قادة الجيش، استولى مرسي على مسؤوليات الجيش في مجال الأمن القومي عندما أعلن أن “جميع الخيارات مفتوحة” ضد بناء إثيوبيا لسد على النيل ثم أيّد الجهاد السوري في اجتماع حاشد في إستاد القاهرة إلى جانب مجموعة من رجال الدين السلفيين المتطرفين في منتصف يونيو عام 2013″.

وأشار الباحث إلى أن تقارب مؤسسات الدولة المصرية كان فريداً من نوعه، مدلالاً على ذلك بعلاقة مؤسسات الجيش والشرطة والإعلام بعضهما البعض منذ عهد مبارك، وأن التلاقي بينهم بدأ بعد توترات من قبل 2011 على أرضية التعاون للإطاحة بجماعة الإخوان ومواجهة خطرهم، مفنداً ذلك بقوله” إن تقارب هذه المؤسسات وأصحاب المصالح ليس بالجديد، بل يعود إلى عهد مبارك. ولكنهم لم يكنوا يوماً بهذا القرب. ففي عهد مبارك، على سبيل المثال، نظر الجيش إلى وزارة الداخلية كونها منافساً له، وهو السبب الذي دعا كبار الضباط إلى الوقوف جانباً عندما انهارت قوات الشرطة خلال الأيام الأولى من الانتفاضة عام 2011. وبالمثل، فإن بعض وسائل الإعلام الخاصة الأكثر شعبية نشرت الانتهاكات التي مارستها الشرطة في عهد مبارك وكانت من أشد منتقدي النظام العسكري الذي حكم مصر لمدة 16 شهراً بعد الإطاحة بمبارك. كما وبرزت أيضاً انقسامات داخل مراكز القوة موضع البحث، مثل الخلاف بين القيادة العسكرية المتقادمة في السن والضباط الأصغر سناً، ذلك الخلاف الذي قام مرسي بإصلاحه في أغسطس 2012، عندما طرد كبار قادة الجيش وعيّن السيسي وزيراً للدفاع. لكن التوترات في صفوف النظام لم تتلاشى تماماً (..) وقد ظهر ذلك من خلال التسريبات الهاتفية الأخيرة للمكالمات التي أجراها كبار المسئولين العسكريين، والانتقادات الناشئة لوسائل الإعلام ضد وزارة الداخلية، والكراهية المطلقة للمؤسسة الأمنية تجاه قائد القوات الجوية السابق والمرشح الرئاسي أحمد شفيق، وكلها إشارات تُظهر انقساماً داخل النخبة الحاكمة. ولكن في كل حالة من الحالات حتى الآن، تبددت التوترات بسرعة، ذلك لأن مكونات النظام المختلفة أصبحت في النهاية أكثر توحداً في هدفها تدمير الإخوان المسلمين، من انقسامها بسبب أي عامل آخر، فإذا لم يُقضى على الجماعة، فهم يخشون أن يعاود الإخوان الظهور وسينتقموا لمئات من الذين قتلوا خلال العامين الماضيين، وهو ما تعهدت أن تفعله الجماعة في الحقيقة، وفي الواقع، وكما أخبرني العديد من قادة الإخوان، تسعى الجماعة إلى التدقيق حول الذين شاركوا في حملة القمع الحالية التي شنها النظام ضد الإخوان ومحاكمتهم وربما إعدامهم، لذا فبالنسبة لمؤسسات النظام ومراكز القوة، فإن نجاح حملة القمع ضد الإخوان هو مسألة حياة أو موت”.

وختم الباحث مقاله بخلاصة مفادها أن السلطة الحالية مستمرة في تعزيز قوتها بشرعية مواجهة جماعة الإخوان، وفي سبيل ذلك أصدرت قوانين تمنح رئيس الجمهورية سلطات واسعة حتى على الهيئات المستقلة، وأنه في حين أن محاولات مرسي في نفس السياق قوبلت بثورة انتهت بالإطاحة به، فأن السيسي نجح في نفس الأمر دون أي معارضة تذكر، خاصة وأنه يستمد ذلك من قوة مواجهة الإرهاب وجماعة الإخوان، ولكنه في الوقت نفسه ألمح إلى عوامل تقلقل من هذا الاستقرار، فأضاف قائلاً “لا يزال عزم النظام على مكافحة الإخوان عاملاً سياسياً رابحاً، ومن المرجح أن يبقى كذلك لبعض الوقت. فعلى الصعيد الداخلي، لا يزال العديد من المصريين، وربما معظمهم، ينظرون إلى الجماعة باعتبارها قوة مزعزعة للاستقرار، نظراً إلى عدم اليقين السياسي الكبير من العام المضطرب الذي أمضاه مرسي في السلطة وتبنّي الإخوان المسلمين للهجمات التي وقعت على البنية التحتية. وقد لا يكون هؤلاء المصريون متحمسين للسيسي، لكنهم يرون تماسك نظامه الداخلي باعتباره العامل الوحيد الذي يمنع البلاد من الانزلاق إلى فوضى انعدام الدولة التي تعيشها العراق وليبيا وسوريا، وهو ما يشعر به نشطاء الثورة، الذين يروا أن معظم المصريين يفضلوا الاستقرار أولاً ويقولون إنهم توقفوا عن الاحتجاج لأنهم يخشون من ردة الفعل الشعبية، بقدر ما يخشون تقريباً من إلقاء القبض عليهم. وقد قال لي ناشط في بورسعيد خلال رحلة قمت بها مؤخراً: “إذا سار خمسة أشخاص في مسيرة وهتفوا حول قضية سياسية، سيطلق الناس النار عليهم”. إلى جانب ذلك، فإن موقف نظام السيسي المضاد للإخوان قد قرّب مصر من دول الخليج العربي الغنية، التي ساعدت مصر على الوقوف على قدميها من خلال التبرع بأكثر من 20 مليار دولار منذ الإطاحة بمرسي، ومع ذلك، وجدير بالذكر أن سياسة النخبة التي يقوم عليها استقرار النظام غالباً ما تكون مبهمة، فعدد قليل من المراقبين الخارجيين، إن وُجدوا، كانوا على علم بالانقسامات داخل الجيش المصري التي بلغت ذروتها من خلال تعيين السيسي وزيراً للدفاع في أغسطس 2012، ولا أحد يستطيع أن يعرف على وجه التأكيد عما إذا كانت تظهر الآن انقسامات مشابهة تحت السطح والتي قد تغيّر قواعد اللعبة، فلا أحد يفهم هذه المخاطر أفضل من المؤسسات والمصالح المكونة للنظام. وبما أنهم جميعاً يخشون من أن قيام جولة أخرى تسفر عن تغيير النظام قد تعني موتهم، فإنهم على الأرجح سيستمرون في التركيز على حملة مكافحة الإخوان التي توحدهم، بدلاً من السماح للخلافات الداخلية بالتصاعد إلى حد كبير. وبعبارة أخرى، يمكن الحفاظ على الوضع القائم في مصر. ولكن إذا ما انهار فجأة، فعليكم أن تنتبهوا لذلك: سيكون عبارة عن حمام من الدم”.

البديل


Navigate through the articles
Previous article المخطط الغربي يعزز العنف في دارفور قوة أفريقيا في وحدتها وليس عبر الاستقواء بالغرب Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع