أثار المشروع الذي اقترحه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ووافقت عليه الحكومة، بشأن “المصالحة” مع رجال الأعمال المتهمين بالفساد في فترة حكم بن علي، انتقادات واسعة بوصفه قانونا “غير دستوري”، وتمهيدا لإنهاء مسار العدالة الانتقالية الذي انطلق منذ أشهر.
شهدت الساحة السياسية والحقوقية التونسية خلال الأسبوع الماضي حركية كبيرة من أجل الضغط على مجلس نواب الشعب الذي سيكون أمام فرضيتي إسقاطه أو تمريره، ووجدت أحزاب المعارضة، في هذا المشروع، فرصة للعودة للمشهد السياسي والإعلامي من جديد، من خلال تداعيها للاحتجاج على مشروع المصالحة، وتقديمه على أنه “تبييض” للفساد، وبوابة لإعادة إحياء النظام القديم الذي قامت عليه الثورة.
وقام البعض منها – الجبهة الشعبية – بتنظيم وقفات احتجاجية حضرها مئات من “مناضليها” في العاصمة وبعض المدن الداخلية، مثل قفصة، كما شهدنا بروز بداية نقاشات هدفها تجميع المعارضة ورصف صفوفها، من أجل إسقاط مشروع المصالحة، في خطوة لتأسيس “تنسيقية” دائمة للأحزاب المعارضة للتحالف الحكومي الحالي.
وتعرف البلاد محاولات لحشد معارضين لمشروع القانون للنزول إلى الشارع ، إلا أن قوى الأمن التونسي منعت متظاهرين من التعبير عن رفضهم لهذا القانون بشارع الحبيب بورقيبة بقلب العاصمة الذي له رمزيته باعتباره المكان الذي شهد آخر تظاهرات الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، وقد بررت أطراف محسوبة على الفريق الحاكم منع المتظاهرين المحتجين على قانون المصالحة من التعبير عن رأيهم، بحالة الطوارئ والظروف الإستثنائية التي تمر بها البلاد، وأصر هؤلاء على أنه لا يجوز أن تشهد البلاد اضطرابات قد تسبب ثغرات أمنية يمكن أن يستغلها بعض المخربين من المتورطين مع الجماعات الإرهابية التي تتحين الفرص للانقضاض على البلاد واستهداف أمنها واستقرارها.
فيما يرى آخرون أن حق التظاهر يجب أن تكفله الدولة حتى في الظروف الإستثنائية إذا كان سلميا ولا وجود فيه لأعمال عنف على غرار المظاهرات الإحتجاجية الأخيرة على مشروع قانون المصالحة، وأن حق الاختلاف حول مشروع القانون هذا مع الفريق الحاكم لا يجب أن يكون مبررا للاعتداء على المتظاهرين السلميين الرافضين للتطبيع مع الفساد، على حد تعبيرهم، والرافضين لأن تذهب أموال المجموعة الوطنية إلى جيوب الفاسدين.
ويعتبر مراقبون أن توقيت قانون المصالحة خاطئا، وكان يجب أن يأتي بعد كشف الحقائق والاعتذار للمجموعة الوطنية عن نهب المال العام، على أن يتم ذلك من خلال مسار عدالة انتقالية حقيقي مختلف عن المسار الذي انتهجته تونس من خلال قانون مثير للجدل، ويرى أصحاب هذا الرأي أن البنوك الوطنية التونسية تعاني من صعوبات مالية بسبب النهب الذي تعرضت له من قبل رجال أعمال يمتنعون عن إرجاع ما منح لهم من قبل هذه البنوك في شكل قروض سواء قبل ما تسمى «الثورة» أو بعدها مطالبين، بإرجاع ما تم نهبه من أموال المجموعة الوطنية لينتعش الإقتصاد التونسي الذي يعاني من ركود تحدث عنه مؤخرا محافظ البنك المركزي.
ودعت منظمة الشفافية الدولية البرلمان التونسي لعدم المصادقة عليه، وحذرت من الفساد واختلاس المال العام في حال تمريره، على عفو بحق من كان لهم أفعال تتعلق بالفساد المالي والاعتداء على المال العام، وإمكانية الصلح مع رجال الأعمال الذين تورطوا في قضايا فساد مالي، وتشكيل لجنة مصالحة برئاسة الحكومة للنظر في مطالب الصلح.
واعتبرت منظمتي “الشفافية الدولية” و”أنا يقظ” التونسية لمكافحة الفساد، أنه يجب على البرلمان التونسي رفض مشروع هذا القانون بصيغته الحالية، حيث يشكل تدخلا صارخا في عمل السلطة القضائية وانتهاكا جسيما لقيم المساءلة والشفافية المكرسة في الدستور التونسي، وسيشجع كل من تسول له نفسه على اختلاس المال العام في المستقبل.