تعيش تونس، هذه الأيام، على وقع تجاذبات سياسية وتراجع اقتصادي هو الأسوأ منذ انتخابات العام الماضي التي وضعت حزب نداء تونس، الذي أسسه الرئيس الباجي قائد السبسي، في الصدارة تتبعه حركة النهضة بفارق صغير.. الأزمة المتفاقمة داخل حزب نداء تونس تنبئ بإعادة تشكيل للمشهد السياسي، وربما بإعادة توزيع لـ"الحصص" الحكومية، وقد تصل، في حال تعقدها، إلى انتخابات مبكرة.. فيما ينذر "الجمود" الاقتصادي بأيام صعبة قادمة تكون سمتها الأبرز التحركات الاجتماعية في الدواخل وأحزمة الهامش بالمدن الكبرى.
نداء تونس.. هل حان موعد الطلاق بالثلاث؟
يعيش نداء تونس منذ تصدره نتائج انتخابات العام الماضي صراعات متصاعدة بين أجنحته، وصلت مداها منذ أيام بتبادل العنف والضرب بالهراوات بين المحسوبين على الأمين العام محسن مرزوق والمحسوبين على نائب رئيس الحزب حافظ السبسي، خلال اجتماع لمكتبه التنفيذي بمدينة الحمامات.. عقب هذه الواقعة بدأ التفكك الأكبر من خلال انشقاق 32 نائبا عن كتلة الحزب بمجلس النواب.. أنصار مرزوق اتهموا الرئيس السبسي وبعض مستشاريه بالانحياز إلى نجله حافظ، فيما ردت الرئاسة، في بيان رسمي نشر على صفحتها بشبكة فيسبوك، أنها "ليست طرفا في التجاذبات الجارية في نداء تونس".. الرئيس الباجي قائد السبسي صرح للصحفيين أثناء عودته من زيارة السويد أنه اجتمع بالنواب "المهمين" في النداء أما الآخرين "فلم يعد يعنيه أمرهم".. الأكثر إثارة في الصراع الحالي أن الرئيس أسر لبعض الجهات المقربة منه، بحسب ما نشرت وسائل إعلام تونسية، بأن غضبه على مرزوق تصاعد إثر زيارة الأخير إلى الولايات المتحدة واتصاله بجهات من صانعي القرار وحثهم على عدم إعطاء ضمانات قروض للحكومة التونسية.
من غير المتوقع إعادة الأمور إلى سالف نصابها في الحزب مع تمسك كل طرف بمواقفه، ومن المنتظر، أيضا، أن يكون يوم الخميس القادم حاسما في إعلان حكم الطلاق بالثلاث. إذ من المنتظر عقد اجتماع لتقريب وجهات النظر بمبادرة من رئيس الحزب محمد الناصر الذي يتولى، أيضا، رئاسة مجلس النواب.. النائب مصطفى بن أحمد المستقيل من كتلة نداء تونس والمكلف بالعلاقة مع وسائل الإعلام ضمن مجموعة النواب الذين أعلنوا عن استقالتهم أكد، اليوم الاثنين، أن الخطوة التالية ستكون تشكيل كتلة جديدة بالبرلمان، مضيفا أن نواب آخرين سيلتحقون بهم الأيام القادمة، فيما أكد النائب عبادة الكافي أن المستقيلين سيواصلون دعم حكومة الحبيب الصيد.
اقتصاد مترنح.. والحكومة "ترهن" المرافق العامة
لم يصمد التفاؤل الذي أعقب الانتخابات كثيرا، فبعد وعود بتحقيق الازدهار والتحكم في الأسعار، وجد التونسي نفسه في صراع يومي من أجل توفير متطلبات حياته التي تزداد كلفتها كل يوم.. الخبراء الاقتصاديون، وحتى وزراء الحكومة بمن فيهم وزير التجارة ووزير الاقتصاد ووزير الشؤون الاجتماعية، أكدوا في مناسبات متعددة أن نسبة النمو التي وعد بها في الانتخابات والتي حددت بين 3 و4 بالمائة ستنزل إلى ما يقارب الصفر بنهاية العام الحالي، وهو ما يعني، عمليا، عدم القدرة على تحقيق مواطن شغل جديدة وإنما فقدان مواطن شغل حالية.
لم تكن الأرقام المؤشر الوحيد عن حالة الانكماش الاقتصادي والتنموي، فقد تصدرت نشرات الأخبار، في الأيام الأخيرة، إعلانات عن إجراءات غير مسبوقة في تونس. إذ لجأت حكومة الصيد إلى رهن منشآت ومرافق عمومية لصالح شركات خليجية بغرض توفير السيولة اللازمة لميزانية سنة 2016. ومن بين المرافق التي تم رهنها الملعب الرياضي برادس، أكبر ملاعب كرة القدم بالبلاد، إضافة إلى التفكير في رهن الطريق السريعة ومرافق أخرى.
لم تكن حسابات الطرف المتصدر لانتخابات العام الماضي دقيقة عندما عول على تمويلات من دول الخليج، وتحديدا من السعودية والإمارات، فقد سارت رياح الأحداث في المنطقة بغير ما جرت به الوعود.. أسعار النفط المتهاوية دفعت الدول الخليجية للسعي للحفاظ على توازنات اقتصادية دنيا داخلها.. وحرب اليمن تصدرت أولويات السعودية، فيما بدت "شروط" الإمارات أصعب من أن تتحملها دولة مثل تونس، بحسب ما صرح به إعلاميون مقربون من دوائر القرار.. أما الشركاء الأروبيون، وألمانيا خصوصا، فقد ربطوا مساعداتهم المالية بحزمة من الإصلاحات الضامنة للشفافية ومكافحة الفساد.
معارضة سياسية ضعيفة وشارع غير مؤطر
في مقابل التجاذبات التي تعصف بحزب نداء تونس، تبدو المعارضة السياسية، والبرلمانية تحديدا، في غاية الضعف وغير قادرة على تغيير مسار الأحداث لصالحها. فمن ناحية العدد لا تمتلك المعارضة النصاب الكافي لسحب الثقة من الحكومة، كما أن العداء الذي يحكم علاقات أغلب مكوناتها يمنعها من تنسيق أي عمل مشترك، وهو الأمر الذي تجلى في قيامها بمظاهرات، كل على حده، احتجاجا على مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، وهي المظاهرات التي تميزت بمشاركة شعبية ضعيفة.. ضعف المعارضة السياسية والبرلمانية فتح الباب أمام التنظيمات الجهادية المتشددة لتقديم نفسها بديلا مغريا للشباب، خاصة في المناطق الداخلية وأحزمة الهامش بالمدن الكبرى.. الإعلانات اليومية التي تصدرها وزارة الداخلية بالقبض على متشددين وتفكيك خلايا، ينبئ أن المعركة مع المجموعات المتشددة ستكون أطول مما يتوقعه البعض، خاصة مع تعقد المشهد الليبي وغيره من البؤر الجاذبة للشباب.. تردي الوضع الاقتصادي هو الآخر قد يدفع إلى احتجاجات اجتماعية وقطاعية "غير مؤطرة" خاصة مع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل والتوتر الذي تعرفه عدة قطاعات مهنية.. في هذا السياق، هدد الاتحاد العام التونسي للشغل، اليوم، بتنفيذ سلسلة من الاضرابات في صورة عدم التوصل إلى اتفاق مع اتحاد الصناعة والتجارة بخصوص الزيادات في أجور القطاع الخاص.
رشيد عمار.. لماذا خرج الجنرال الآن؟
حادثة جديدة شدت انتباه متابعي المشهد السياسي التونسي المتحرك هذه الأيام.. الجنرال رشيد عمار رئيس أركان الجيش التونسي أثناء الثورة وبعدها بسنتين يتصل بإحدى القنوات الفضائية ليفجر قنبلة جديدة.. بحسب تصريحات رشيد عمار، فإن اجتماعا عقد بين وزير داخلية بن علي أحمد فريعة ووزير الدفاع رضا قريرة والوزير الأول محمد الغنوشي مساء 14 جانفي 2011 بعد سويعات قليلة من هروب بن علي.. الاجتماع أفضى إلى الطلب من الجنرال أن يتولى الجيش السلطة لـ"قطع الطريق على حركة النهضة"، غير أن الجنرال رفض، مخيرا "الدخول في مسار ديمقراطي وإجراء انتخابات".. النفي الصادر عن وزراء بن علي لما أدلى بها الجنرال عمار لم يخفف من تواتر الأسئلة حول هذا الظهور المفاجئ للجنرال المتقاعد.. ما الرسالة التي يريد عمار إبلاغها؟ ولمن يتوجه بها؟ وهل مازال الجنرال يرغب في دخول الحياة العامة؟ وهل في تصريحات الجنرال دعم للنهضة في حصولها على "نصيب" أكبر في قادم الأيام؟ وهل البلاد تشرف على مرحلة جديدة بفاعلين جدد؟.. أسئلة طرحت ولا من مجيب، غير أن أغلب المتابعين يرجحون أن حديث الجنرال بعد سنتين من الصمت "ليس مجانيا".
ليبيا المستقبل
Navigate through the articles | |
بعد «الخصخصة».. ماذا لو خاضت مصر حربا؟ | «راجعين الميدان» دعوة لعودة الروح |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|