المقالات و التقارير > انتشار الجماعات الإرهابية وتضخم أزمة سد النهضة

انتشار الجماعات الإرهابية وتضخم أزمة سد النهضة

يعتبر تنامي نشاط الجماعات الإرهابية السمة الأبرز لعام 2015، في إفريقيا بعدما شنت عدة عمليات إرهابية طالت دول القارة السمراء، خاصة في ظل تزايد الخلافات الداخلية بهذه الدول، وعدم نجاح اتفاقات السلام في تحقيق الهدوء والاستقرار.

جنوب السودان.. الصراع والعنف والجوع

على الرغم من أن جنوب السودان من البلاد الغنبية بالنفط وتمتلك تربة خصبة، تعتبر جزءًا من الثروات غير المستغلة، إلَّا أن الحرب اندلعت فيها على السلطة السياسية قبل عامين، ووصل الوضع إلى ذروته عام 2015، وقد سهل معه سرقة الأموال، لتتحول فيه العائدات إلى منفعة شخصية، مما دفع الشباب إلى صراع لمدة عامين قاتلين بالبلاد، خاصة بعد انتشار طرق الفساد وتعددها لكسب المال.

تؤكد منظمات مكافحة الفساد أن من أفضل الطرق لوضع حد للفساد بجنوب السودان، التنفيذ الكامل لاتفاق السلام الذي وُقِّع في أغسطس الماضي، خاصة أن اتفاق السلام يعترف بأن يكون هناك سلام دائم في البلاد، وأن يتم تشكيل حكومة انتقالية، مشددة على وجوب أن تكون هناك هيكلة جذرية في الطريقة التي تدار بها الدولة، خاصة أن اتفاق السلام هو برنامج الإصلاح لمدة 30 شهرًا، الذي يسعى إلى خلق شفافية.

الإرهـاب يتنامى

لم تنل الحركات الإرهابية من الدول التي ترعاها، بل نالت من دول الجوار، وألقت بظلالها على القارة بالكامل، لتبقى حركة بوكو حرام الصوت الأعلى داخل إفريقيا، فكل من تعاون مع نيجيريا للقضاء على تلك الحركة دفع ثمن محاربته لتلك الجماعة الإرهابية، فدفعت تشاد ثمن ذلك منذ أعلن رئيس تشاد في الاحتفال بالذكرى الـ55 للاستقلال أن التحدي حاليً هو «تحاشي حصول أعمال إرهابية» بمنطقة بحيرة تشاد، وأكد أن «بوكو حرام اقترب ميعاد قطع رأسها، فغيرت خطتها وكثفتها للانتقام من تشاد وتلقينها درسًا قاسيًّا» ورغم أن الجماعة استطاعت تنفيذ ثلاثة انفجارات في السوق ومخيم للاجئين على ضفاف بحيرة تشاد، وتسبب في مقتل العشرات، وأن دول مثل نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر عانت من الإرهاب، إلَّا أنه يبقى أشد هذه التنظيمات الإرهابية في القارة جماعة بوكو حرام، التي أسفر نشاطها عن سقوط آلاف الضحايا مع التفجيرات الانتحارية والهجمات على المدنيين.

لم يركز الإرهاب في إفريقيا على المدنيين فقط، بل نال من السياح مؤخرًا في تونس، عبر تنفيذ داعش هجمات على متحف ومنتجع الشاطئ، وفي مالي بعد وقت قصير من هجمات باريس، اقتحم مجموعة من العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة فندق راديسون بلو بالعاصمة بامكو، مما أسفر عن مقتل 22 شخصًا، فعلى ما يبدو أصبح الإرهاب جزءًا طبيعيًّا من الحياة الجديدة في إفريقيا.

هذه الهجمات وغيرها، ألقت بظلالها القاتمة على النهوض الاقتصادي في القارة السمراء، فمخاطر الإرهاب عرقلة التنمية الاقتصادية والسياسية بإفريقيا، حيث يرى البعض أن القارة تعيش حالة كارثية، كما أثر الإرهاب عام 2015 على نمو الناتج المحلي الإجمالي، فعلى سبيل المثال الاقتصاد في شمال نيجيريا، تعرض للدمار بسبب العنف المستمر، ويرصد صندوق النقد الدولي الآن التهديدات الإرهابية ضمن المخاطر الرئيسة التي تكتنف التوقعات الاقتصادية في نيجيريا وتونس وكينيا، وبالفعل تم تنقيح المؤشرات الاقتصادية في هذه البلدان نحو الانخفاض بعد الحوادث الإرهابية.

وفي أعقاب الهجمات التي شنتها التنظيمات الإرهابية على سبيل المثال، تم قطع المتوقع من نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في تونس لعام 2015 من 3٪ إلى 1٪، ومن المتوقع أن تشهد انخفاضًا بنسبة 45٪ في قطاع السياحة، مما يعني انخفاضًا في الإيرادات حوالي 1.1 بليون دولار، أما عن الأضرار التي لحقت بالقطاع فكانت على نطاق أوسع، فضلًا عن قلة ثقة المستثمرين وهروبهم، مما جعل الاستثمار هزيلًا في الاقتصاد التونسي، وأدى إلى تراجع الإنتاج، والعائدات المالية والاحتياطيات الأجنبية.

يعاني وسط وغرب إفريقيا من الضغوط المالية شديدة على وجه الخصوص، بالإضافة إلى النفقات اللازمة لتجهيز القوات المسلحة التي تعمل ضد بوكو حرام، ويقدر المسؤولون النيجيريون حاجتهم إلى مليارات الدولارات لإعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها بوكو حرام في الشمال، وبالمثل خاض جنود تشاد جنبًا إلى جنب مع القوات الفرنسية عدة معارك ضد الإرهابيين في مالي، والآن اندمجت مع تلك القوات نيجيريا والكاميرون في محاربة بوكو حرام.

سد النهضة

عام 2015 بمثابة التلاعب بمستقبل مصر المائي، ففي الوقت الذي غيرت فيه وسائل الإعلام المصرية تمامًا من توجهها المناهض لسد النهضة، وبدأت في الحديث عن منافع السد والتعاون بين البلدين وتأييد سياسة الرئيس السيسي تجاه تلك الأزمة، انسحب المكتب الاستشاري الهولندي المكلف بإعداد الدراسات الفنية حول مشروع السد، مما تسبب في تعثر المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان لحل تلك المشكلة، وكأنها لا تريد كشف عيوب السد، ومع الإصرار على المكتب الاستشاري الفرنسي المشكوك فيه من قِبَل مصر والسودان، انسحب المكتب الاستشاري الهولندي «دلتارس»، الذي كان يجري الدراسة بالتعاون مع مكتب استشاري فرنسي آخر؛ بسبب اعتراض الأول على الشروط التي وضعتها اللجنة الوطنية الثلاثية، وفي الوقت الذي تغير فيه موقف مصر والإعلام المصري وانتقل للحديث عن فوائد سد النهضة الذي تعمل أديس أبابا على تشييده، بدأ الحديث مقتصرًا على ضرورة التعاون والتفاوض، وكأنه أصبح أمرًا مُسَلمًا به، ومن المستحيل إقناع إثيوبيا بالعدول عن بناء السد.

من ناحية أخرى، نجد المواقع الإثيوبية نفسها تقول: مشروع سد النهضة يسيطر على ما يقرب من ثلثي المياه التي تعتمد عليها مصر، لكن إذا ما اتبعنا المسار الدبلوماسي التفاوضي فإن هذه الدول الثلاث «مصر السودان إثيوبيا» تحتاج لتحليل فني وتقييم لحالة الفقراء، طبقًا لعدة مسائل، منها التغير في معدل هطول الأمطار السنوي، أو الحد الأدنى من التدفقات المطلوبة للحفاظ على نوعية المياه من المصب الذي قد يقوضه الاتفاق، مما يؤدي إلى صراع حاد لا يمكن التنبؤ بعواقبه.

وأكدت المواقع الإثيوبية أن السد سيعقد الأمور فعليًّا وسيؤثر على مصر دون شك، حيث إن القاهرة تتلقى حاليًا كل احتياجاتها من المياه عبر نهر النيل، وهو ما يعادل حوالي 60 مليار متر مكعب سنويًّا، أي أعلى قليلًا من المنصوص عليه في اتفاق المعاهدة مع السودان، مما يعني أن نصيب الفرد حوالي 700 متر مكعب سنويًّا، والذي سيقل بالتأكيد بشكل كبير وملحوظ بعد بناء السد، مما سيسبب جفافًا طويلًا على مصر.

وفي ظل هذا التضارب وتلك الأزمة، أكد لنا عام 2015 أن مصر في ورطه حقيقية، وأنها مهددة بجفاف نهر النيل، أو نقص حصتها المائية بشكل شديد بعد أن صار بناء السد الإثيوبي أمرًا محسومًا.
البديل

Navigate through the articles
Previous article إفريقيا 2015.. انتخابات وانقلابات الإرهاب يدمر اقتصاد إفريقيا ويهدد وجودها Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع