أثارت التطورات الأخيرة التي
شهدتها الجزائر، المتعلقة بحل جهاز المخابرات والإقالات الكثيرة في الجهاز التي
سبقت هذه الخطوة، جدلًا واسعًا في الداخل والخارج، لاسيما أن الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة وقَّع مرسومين ينهي بموجبهما عمل جهاز الأمن والاستعلام (المخابرات)، الذي
كان يتبع وزارة الدفاع، واستعان بدلًا منه بمديرية للمصالح الأمنية تابعة للرئاسة،
وبذلك يكون أنهى بوتفليقة حقبة جزائرية من الحكم منذ 25 عامًا، قائمة على السلطة
الثلاثية المتمثلة في الجيش والمخابرات والرئاسة، الأمر الذي يشير إلى إعادة ترتيب
البيت الداخلي بعد سلسلة قرارات توالت منذ أواخر عام 2013.
الأمر الذي أثار الدهشة هو أن ما لم يفعله بوتفليقة، خلال سنوات حكمه الأولى، فعله
في فترة وجيزة، وطبقه على جهاز حساس جدًّا بالبلاد، لطالما وصف بــ«شريك الرئاسة»
بالحكم، وتوطدت هذه الفكرة أكثر لما كان الفريق محمد مدين، المدعو «توفيق» على رأس
هذا الجهاز بالجزائر طيلة ربع قرن.
ووسط الحالة الصحية غير المطمئنة لبوتفليقة، استدعى الأمر في الفترة الأخيرة من
الرئاسة الجزائرية، ترتيب وهيكلة البيت الداخلي بالجزائر؛ تحسبًا لما هو طارئ
ومفاجئ، هذه التطورات لم تتعلق فقط بتحديد مستقبل ما بعد بوتفليقة، وإنما أيضًا
تعلقت بملفات الماضي، على اعتبار أنه في الخلفيات الماضية للشخصيات قراءات تستنج
تحديد أدوار كل منها في المرحلة المستقبلية، إذا كان قادرًا على السير في خطى
الإدارة أم أنه خارج السياق.
من بين هذه التطورات التي كانت سببًا في قراءة هذا المشهد، إحالة بوتفليقة للفريق
محمد مدين للتقاعد في سبتمبر الماضي، الأمر الذي أثار سيلًا من الجدل، على خلفية
أنه كان من المعترضين على تولي بوتفليقة الحكم لولاية أخرى في ظل ظروفه الصحية
السيئة، فضلًا عن تمدد دور مدين في المؤسسة المسيطرة على زمام الأمور بالجزائر منذ
أكثر من 25 عامًا، التي كانت تحظى باستقلالية عن قيادة أركان الجيش والرئاسة ونفوذ
كبير، حسب وسائل إعلام ومراقبين محليين.
وفي هذا الإطار سعى بوتفليقة خلال الفترة الأخيرة لتفكيك هذه المؤسسة المهيمنة
نسبيًّا بدون القضاء عليها، بإحداث تغييرات فى هياكل تلك المؤسسة، وتخفيف قبضة
العناصر المتحكمة فيها منذ عدة عقود، للتحول من مؤسسة مسيطرة على جزء من القرارات
الجزائرية إلى هيئة تابعة وتدور في الفلك الرئاسي، حيث أجري الرئيس الجزائري عدة
تغييرات داخل جهاز المخابرات شملت قيادات كبيرة، فضلًا عن حل مديريات كانت تابعة
للجهاز، مثل مصلحة متابعة وسائل الإعلام، ومصلحة التحقيقات الكبرى «الشرطة
القضائية»، وقوة التدخل الخاصة بالمخابرات.
وفي نهاية أغسطس الماضي تم سجن القائد السابق لجهاز مكافحة الإرهاب في المخابرات،
الجنرال عبد القادر ايت أو عرابي «أحد المقربين من الفريق محمد مدين»، وأحيل إلى
القضاء العسكري، حيث أدين بالسجن 5 سنوات نهاية نوفمبر الماضي، بتهمة إتلاف وثائق
عسكرية، ومخالفة أوامر عسكرية، حسب هيئة دفاعه.
تفاصيل حل جهاز المخابرات الذي لم تصدر عنه الرئاسة الجزائرية توضيحًا، تقضي بأن
المرسوم الرئاسي الذي ينهي عمل جهاز المخابرات سيعوضه بمديرية المصالح الأمنية،
ويقودها اللواء بشير طرطاق، المعين خلفًا لتوفيق لاستلام جهاز المخابرات من قِبَل
الرئيس في أغسطس الماضي، وتضم مديريات فرعية هي الأمن الداخلي والأمن الخارجي
والمديرية التقنية، ويعد هذا الجهاز الجديد بمثابة تجسيد لمشروع قديم طرحه بوتفليقة
عام 2002، ونص آنذاك على استحداث وزارة الأمن القومي، إلَّا أن عدة عقبات أجهضت
المشروع.
ويعتبر هذا الترتيب الداخلي تمهيدًا لما هو قادم بعد مرحلة بوتفيلقة، حيث سعى
الرئيس الجزائري من خلال هذه القرارات الأخيرة لحسم الصراع بين مؤسسات الدولة وعدم
تأجيله للفترة المقبلة، تحضيرًا لوافد جديد قد يكون من مقربيه، وبالأخص مستشاره
وشقيقه عبد العزيز بوتفليقة، أو عبد الملك سلال، رئيس الوزراء الجزائري، أو الطيب
بلعيز، وزير الداخلية.
ورغم هذه التغييرات الأخيرة التي قام بها الرئيس الجزائري، يعتقد الكثير من
المحللين أن بهذه الخطوات لن يبعد بوتفليقة مؤسسة الاستخبارات والجيش عن الحكم
إلَّا أنه قلل نسبيًّا نفوذهما لتكون تحت رعايته، واستبعد المحللون أن تسمح تلك
المؤسسات بشخصيات لا توافق رؤيتها السياسية لحكم الجزائر.
البديل
Navigate through the articles | |
الصين وزيمبابوي.. مصالح مشتركة تعزز العلاقات | «بوكوحرام» أداة أمريكية لنهب ثروات نيجيريا |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|