منذ ان انتصر الشعب الايراني المسلم وظهر نظام حكمه الذي اختاره دستورا إنبثقت عنه هياكل ومؤسسات الفت لحمة أجهزته، واسهمت بادارة سلم ارتقائه في سماء التألق والنجاح، وارتفع فيه نداء قائده ومفجّر ثورته الامام الخميني، بإعلان هويته الاسلامية في الحكم، واهدافه التي سعى الى تحقيقها دون أي تغيير أو تنازل عن ثوابت، طالما هفت اليها قلوب التواقين لنصرة الاسلام، واعادة الاعتبار لقيمه ومبادئه بين شعوب العالم وانظمته، بدأت أوراق القوى المستغلة للشعوب، وانظمتها الضعيفة أو العميلة، تختلط وتتعرى تعدياتها، وتنكشف مؤامراتها، فلم يعد هناك اليوم مجال لإخفاء شيء، في ظل هذه الثورة المعرفية العالمية، التي انفتحت بمعلوماتها وتحاليلها، واطرافها المنخرطة فيها بكل فكر ورأي، وقد اضحت ساحة لا ينفك بعضها عن بعض تآلفا وتنافرا.
بقدر الامتياز الذي وصلت اليه الجمهورية الاسلامية في شتى المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية والذي نال اعجاب المراقبين لمسيرتها المظفرة التي تحققت رغم الحضر والعقوبات الاقتصادية الجائرة التي سلطت عليها، بقدر ما يجب علينا أن نرجع ذلك النجاح الى أساسه وهو نظامها السياسي الحاكم في توجهها ومسيرتها، فهو الذي يستحق التعريف به واعطائه المكانة التي يستحقها، بين انظمة حكم عالمية، لا تزال تعيش العقم وعقدة التقليد الاعمى والسلبية التي اغرقت بلدانها في غيابات الفشل والازمات المتتالية التي لا تكاد تنتهي.
بما أن الثورة التي قام بها الشعب الايراني كانت اسلامية بفكرها وجميع مراحلها بإشراف وقيادة علمائية حمل لواء نصرها الامام الخميني فان الايرانيين أبوا الا مواصلة النهج الاسلامي فشاركوا في استفتاء اختيار الدستور الاسلامي أسفر عن موافقة شعبية كاسحة فاقت 98% في مارس 1979 وتكررت هذه الموافقة الساحقة في تعديله بعد 10 سنوات بنفس النسبة تقريبا.
النموذج الاسلامي الايراني تجلى عن ديمقراطية كاملة الشروط لم تتوفّر في نظام حكم غيره، البداية كانت استفتاء شعبيا كان بالإمكان تجاوزه واقراره من طرفه مباشرة دون الحاجة الى استفتاء، باعتبار الطاعة الكبيرة والغير مشروطة من الشعب الايراني لقائده الامام الخميني الذي اقترح نظام حكم اسلامي ومع ذلك احال مشروعه على رأي الشعب وهو المعني بتقرير مصيره وتحمل مسؤولياته.
وهذا المثال في حرية اختيار الشعب لنظام حكمه لم يتوفر في ثورة اخرى على مر التاريخ، وهو عامل قوة تضاف الى النظام الاسلامي الايراني ليتصف بالتفاف أغلبية شعبه حوله، على تنوع اجناسهم وافكارهم وعقائدهم.
ديمقراطية اسلامية مختلفة عن ديمقراطيات الدول الاخرى التي غلب عليها التنظير وغاب عنها التجسيد العملي للديمقراطية واحترام الحريات، شهدت تلاحما شعبيا للدفاع عن خياراته التي ارتضاها لبلاده، وكشفت للعالم بأسره عن صلابة نظام لم يأتِ صدفة ولا ارتجل منظومة حكم واتبع قوة اقليمية غربية أو شرقية.
لقد كانت تجربة الحكم الاسلامي في إيران فريدة في آدائها، ومتميزة بانفرادها بخصوصيات لم تحصل من قبل، وقدمت بها مثالا ملموسا لحكم، راعى قيم الدين الاسلامي، فبرزت منسجمة مع روح العصر، فعلى مدى 36 سنة جرت 11 انتخابات رئاسية، و9 انتخابات لمجلس الشورى الاسلامي (برلمان)، و 4 دورات انتخابية لمجلس خبراء القيادة، الذي انيطت به مسؤولية اختيار القائد (ولي الفقيه)، و4 دورات انتخابية للمجالس البلدية.
انتخابات في منتهى الشفافية والحرية، فسحت المجال لأفراد من الطبقة الشعبية، ليتقلدوا مسؤولية رئاسة الجمهورية، من أمثال الرئيس الشهيد محمد علي رجائي، والرئيس محمود احمدي نجاد، في وقت يتبجح فيه الغرب بديمقراطية وهمية، مقيدة بأحكام تفاضلية طبقية، لا تتيح لأي شخص من الطبقة الشعبية الفقيرة الترشح، مهما بلغ من الامكانيات الفكرية المؤهلة.
يخوض الشعب الايراني المسلم هذه الايام انتخابات مصيرية، لاختيار نوابه 290 في مجلس الشورى الاسلامي، من بين أكثر من 6200 مترشح، وقد انطلقت الحملات الدعائية على قدم وساق، في ظاهرة معبرة على مدى وعي الشعب الايراني بالتحديات التي تنتظره، بعد تسوية ملفه النووي، واعتراف الغرب المعارض له بحقوقه.
وبين الديمقراطية الاسلامية التي أحسن التعامل بها الايرانيون، فسجلوا في انتخاباتها أرقاما قياسية في الوعي والمشاركة الفعالة، وقد بلغت نسبة المشاركة فيها سنة 2009 ال85%، وفي سنة 2013 ال77%، وبين الديمقراطية الغربية المزعومة، التي ان شهدت انتخاباتها البرلمانية اقبالا كبيرا، فانه لن يتجاوز الخمسين بالمائة سوى بقليل من غطاء الأغلبية الوهمية، تتجلى حقيقة انسجام الشعوب مع أنظمتها، وتنكشف حقيقة زيف منظومات الحكم الغربية، المعادية للمشروع الاسلامي في ايران، وتعمل على الاضرار به، تشويها وحربا اعلامية متواصلة، بواسطة أدواته الخبيثة المشبوهة، المنتشرة في عالمنا الاسلامي المنقسم على نفسه، والتائه في مسيره ومصيره.
وأعتقد أنه وبناء على الدعوة التي وجهها قائد الثورة الاسلامية الامام الخامنئي، فإن نسبة الاقبال الجماهيري، لهذه الدورة الانتخابية العاشرة في عمر النظام الاسلامي، ستكون بحجم الرقم القياسي الذي شهده عدد المرشحين هذه المرة، وسيعطي للعالم دلالة على مدى ترابط وانسجام الشعب الايراني بنظامه الاسلامي، وصفعة أخرى في وجه الناعقين بالسوء على الجمهورية الاسلامية الايرانية.
التميز سيكون دائما ايرانيا، طالما أن هناك وطنية، يرتفع وقع إخلاصها كل يوم، وإسلام محمدي أصيل مجسدا بكل ابعاده الفكرية، يعطي الصورة الحقيقية لدين، أراده الله شرعة منهاجا للبشرية، ليخرجها من زيف عدالة النظم الوضعية، المتاجرة بحقوق الناس، والعابثة بآمالهم في العيش الحر الكريم، الى إطار تتجسد فيه عبودية واحدة، لخالق الكون وواهب الحياة بقيمها الرفيعة.
الاطار اللافت اليوم هو ايران، والمشهد شعب ايراني قال نعم للإسلام المحمدي، وما ينتظره العالم منهما، مثال آخر يقدم، وانجاز جديد يتحقق، يزيد من حظوظ تألق النظام الاسلامي، ليقنع في كل مناسبة من كان مرتابا ومشككا، وغدا تنقشع سحب الريب عن حقيقة، قد تكون صادمة لمن مضى بعيدا في المغالطة السياسية.
بيان نيوز