ضيف «التونسية» اليوم هو شخصية وطنية شغلت عديد المناصب في الحقلين السياسي والديبلوماسي في رتبة وزير ثمّ كسفير في عديد عواصم العالم، يفتخر بأنّه «المبشّر» والمباشر لانطلاق إنجاز مدينة رادس الرياضية، وصاحب فِعل في مؤسّسة «البروموسبور» حيث انتعشت على يديه، ولا ينكر أنّه تعلّم أبجديات العمل السياسي من خلال تجربته في بلدية سوسة، لكنّه يعتبر مروره كسفير لتونس في طهران المحطّة الأبرز في مسيرته الثريّة... لماذا وكيف وحول مواضيع أخرى دعوناه لهذا الحوار:
«التونسية»: كيف يحلو لك تقديمك؟
- وطنيّ تدرّج سلّم المسؤولية في مهام إدارية وسياسية وديبلوماسية اعتز بالبصمات التي تركتها حيثما حللت، تشرّفت منذ بداياتي بالعمل مع قامات كبيرة تعلمت منها الخبرة وخصال رجل الدولة وحين اكتشفت أنّ القيم التي انخرطت من أجلها في العمل السياسي لم يعد لها معنى اخترت الانسحاب، تركت الوظيف والتشريف غير مأسوف عليهما.
«التونسية»: كأنّها خيبة أو جرح؟
- العمل السياسي ليس وظيفة دائمة بقدر ما هو انغماس الموهبة والولع في ثنايا المسيرة ومسالكها، نحن نحتمي بخصالنا عند إدارة الشأن العام. لا يمكن اعتبارها خيبة أو جرحا باعتبار أنّنا لا نحنّ للماضي ولا ننظر إلى الخلف هي فترة وانتهت ذلك هو حكم الطبيعة، المهم هو الحاضر والمستقبل هو الأهم. يجب أن لا ننتبه للمرآة العاكسة إلاّ عند قيادة السيارة...
«التونسية»: كيف ترى الحاضر؟ وكيف تتطلّع إلى المستقبل؟
- اخترت الانخراط في المجتمع المدني باعتباره قوّة دفع واقتراح، أعتبر نفسي من المراقبين والمتابعين للحياة السياسية في بلادنا ومن الآملين أن يصغي القائمون على المصالح العليا في البلاد إلى أفكارنا وإسهاماتنا عملا بمبدإ أساسي في المجتمعات الديمقراطية ألا وهو واجب الإصغاء.
«التونسية»: تصنّف وأمثالك ممّن استهلكوا تجربتهم السياسية في محاضن العهد السابق في «خنادق» الأزلام؟
- بصدق لا أشعر بأنّي معني بهذه التوصيفات والنعوت، إنّها بضاعة مغشوشة ازدهرت في تونس بعد الثورة سرعان ما كسد سوقها ولم تعد تجد رواجا اليوم.
خارج ألوان التصنيف كيف تتابع المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟
- أهيب بـ«التونسية» أن لا ينجروا وراء المتطفّلين على السياسة الذين تناسلوا بعد الثورة كيفا وكمّا، لقد أصبحت الأنانية السمة الأكبر للمشهد السياسي، المطلوب منّا الاصطفاف وراء الدّولة لحماية الوطن والتصدّي للمزايدات التي لا تبشّر إلاّ بالفوضى العارمة والتوتّرات الدّائمة.
على المستوى الاجتماعي لابدّ من الانتباه لمخاطر الحمية الداخلية ونبذ الفئوية ونعرات الانتمائية التي تحاول شقّ المجتمع وتفتيت أوصاله لتشتيته.
كأنّك تكتفي بالتلميح.. وتتحفّظ على التصريح؟
- الأحداث التي عاشتها البلاد تغني عن التصريح وأسبابها ليست خافية على أحد من المتابعين للشأن الوطني لكن المطمئن والمثلج للصدر هي الهبّة العظيمة للمواطنين وقوّاتنا المسلّحة من جيش وطني وحرس وشرطة وديوانة والقدرة الفائقة التي برهنوا عليها عند تصدّيهم للإرهابيين والقضاء عليهم وأغتنم الفرصة للترحّم على شهداء الوطن الذين سقطوا في العملية الجبانة الأخيرة في بن قردان ولتحيّة أهالينا في هذه القلعة المنيعة لثباتهم ووطنيتهم وتضحيتهم من أجل تونس.
كيف هي قراءتك للوضع الاقتصادي؟
- لقد عمّ التسيّب أرجاء البلاد وهجر الناس مراكز أعمالهم وانساق بعضهم وراء المطلبية المجحفة رغم إدراكهم وضع البلاد وإمكانياتها التي أُنهكت طوال السنوات الأخيرة.
الكل يُطالب والكلّ يريد ولا أحد يدعو إلى ضرورة العمل دون شروط تعجيزية، العمل وحده قادر على إنعاش اقتصاد البلاد والخروج من الأزمة التي يتخبّط فيها.. كيف يمكن مقاومة الإرهاب والمطالبة بالتنمية وعودة الاستثمار وعجلة الإنتاج متوقفة؟ ألم ندرك بأنّ السماء لا تمطر ذهبا.. إلى متى سنواصل الاقتراض لسدّ حاجياتنا اليومية والالتزام بسداد المديونيّة، الجهد وحده سيسمح بتعافي الاقتصاد لتتمكن الدولة من تأمين أدوارها وتوفير العيش الكريم لأبنائها.
لقد حان الوقت لمصارحة الشعب بحالة الوهن التي تعيشها البلاد على مختلف الأصعدة حتى يعلم الجميع المصير اليائس الذي ينتظرنا إن لم نتدارك أوضاعنا.
تقلّدت مهام رئاسة الديبلوماسية التونسية في عديد الدّول واخترت تكوين جمعية صداقة تونسية ـ إيرانية؟
- أحمل أجمل الانطباعات والذكريات عن الدول التي كنت فيها سفيرا لتونس، لكن مروري بالعاصمة الإيرانيّة له وقع خاص لأنّني أعجبت بهذا البلد، كما أنّي حريص على تمتين علاقات الشعب التونسي بالشعب الإيراني اللذان تجمعهما علاقات تاريخية عريقة ووشائج ثقافية ودينيّة.
فقــط ؟!
- اختيارنا لتكوين جمعية صداقة تونسية إيرانية لا يخلو كذلك من تحدّ بسبب سعي بعض الأطراف لتعميق الخلافات المذهبيّة في حين أنّ الإسلام يتّسع للجميع. إنّ في ديننا الحنيف من قيم الحب والتوادد والتآخي ما يشجّع على تقريب القلوب فما بالك بتقريب المسلمين بعضهم إلى بعض.
جمعيتكم مختصّة في تنمية الصداقة وتطوير العلاقات؟
- نحن بالأساس جمعية مدنية تعمل على تنمية العلاقات بين تونس وإيران في كلّ مجالات التعاون المتاحة ولا علاقة لنا بالدين وبالمسائل المذهبية. عندما نرى بابا الفاتيكان يلتقي ببطريق الكنيسة الأرثوذكسية بعد ألف سنة من الخلافات ألا يدعو الأمر إلى مراجعة أنفسنا وتجاوز واقع لا طائل من ورائه؟ ألم يحن الوقت لفتح صفحة قوامها التوادد والتآخي؟ الإيرانيون ليسوا خطرا داهما على أحد بل هم إخوة لنا في الدّين والعقيدة.
إيران بلد له خصوصياته؟
- ما في ذلك شكّ، كبقيّة بلدان العالم، إذا تعلّق الأمر بالنظام السياسي فلكلّ بلد خصوصياته ومثلما لا نرغب في أن يتدخّل الآخرون في شؤوننا لا يجب أن نسمح لأنفسنا بالتدخّل في شؤون الآخرين. إيران لها دستور وقوانين تحترم مبدأ التداول على السلطة عبر الانتخابات وهي دولة لها مرجعية دينيّة ولكنّها تدير شؤونها بروح العصر. المرأة لها مكانة مرموقة والصحافة تمارس أدوارها بحريّة.
تابعتم الانتخابات الإيرانية الأخيرة؟
- فعلا وهي شملت مؤسّستين هامّتين في الدولة كمجلس الخبراء ومجلس الشورى وقد تميّزت بالشفافيّة والنزاهة وجاءت لتؤكّد تجاوب الإيرانيين مع الإصلاحيين المعتدلين وتكشف مباركة الشعب لسياسة الانفتاح التي ينتهجها السيد «حسن روحاني» رئيس الجمهورية وقد شهدت سقوط شخصيات سياسية هامة ممّا يرسخ مبدأ التداول السلمي على السلطة ديمقراطيا.
لاقى الاتفاق السياحي بين تونس وإيران معارضة من بعض السياسيين؟
- أحدث هذا الموضوع هرجا فارغا ومرجا أفرغ، هو من باب إقحام الدّين في السياسة، إقحاما مجحفا في حين أنّ الموضوع لا علاقة له بالسياسة ولا بالمذاهب. المسألة فيها كثير من المغالطة المقصودة. تونس تستقبل السياح من كلّ بقاع الدنيا ومن كلّ الأجناس ولم يمثل ذلك مشكلا أو خطرا على بلادنا المعروفة بكرم الوفادة وحسن الاستقبال فلماذا هذه الحملة على إخواننا الإيرانيين؟ هل سبق وأن أحدث الإيرانيون مشاكل في البلدان التي يزورونها؟ هل تبرّر الشكوك افتراض النوايا؟ لقد انتظرنا من وزارة السياحة موقفا مرحّبا ومدافعا عن هذا الاتّفاق على الأقلّ خدمة للسياحة التونسية وهي تمرّ بفترة صعبة لم تعرفها منذ الاستقلال لكنه لم يأت وهو أمر محيّر.
ما هي مجالات التعاون المحتملة بعد السياحة؟
- الفستق الذي تنتجه إحدى جهات البلاد كان ثمرة تعاون بين البلدين.. «إيران» هي من الحرفاء التقليديين لتونس في مادة الفسفاط، لماذا لا نفكّر في إقامة شراكة في مجال الصناعات الكيميائية والأسمدة الفسفاطية فضلا عن المبادلات التجارية في ميادين زيت الزيتون والتمور والغلال والغراسات الكبرى إضافة لصناعات السيارات وقطع الغيار والعجلات المطاطية وغيرها.
ألا يدعو الأمر وبلادنا تشهد أزمة أن نضع مصالحنا فوق كلّ اعتبار.
وفي الختام؟
- إنّ جمعيات الصداقة بين الشعوب تعدّ اليوم من أهمّ الأدوات المعزّزة لتعزيز أواصر الصداقة وتمتين العلاقات بين الدول وتعتبر رافدا مساعدا للديبلوماسية الرسمية سمّاها الزّعيم الحبيب بورقيبة بديبلوماسية الشعوب ومن هذا المنطلق أنشأت نخبة من الكفاءات في بداية 2011 جمعية الأخوة والصداقة التونسية الإيرانية والتي لها نظيرتها اليوم في إيران. هذه النخبة من ذوي الخبرة والاختصاص تجمعها معرفة بإيران بعيدة عن الصور النمطية التي روجها الإعلام الغربي. معرفة تدرك جدوى هذه العلاقات. إيران بلد شقيق، الإسلام يجمعنا والثقافة تقرّبنا والمصالح تنادينا.