الفقير لله الذي يكتب إليكم يشعر بمرارة شديدة عندما يتحول حدث طبيعي الي مشكل طائفي، ونحن نحيا مع إخواننا المسيحيين في كل مكان متحابين متواديين ومتآلفين، في العمل يربطنا هدف مشترك، وفي السكن تضمنا بناية واحدة، وفي المواصلات نحن في مركب مًشترك، وخارج الوطن بالمهجر يجمعنا هدف واحد، ونغار معاً علي الوطن الذي ننتمي إليه، وفي الحروب قاتلنا معا ورددنا هتاف "الله أكبر "معاً، وسعدنا بالنصر معاً، وحررنا اجزاء من وطننا معاً، وعندما يمر وطننا بأي كرب نتوحد علي الفور ونتحول الي إييد واحدة، حدث ذلك يوم 25 يناير من عام 2011 م وما بعده، بات شعبنا ووطننا وباتت أحلامنا وبتنا جميعا نسيج واحد وعنصر واحد ومستقبل واحد وهدف مشترك، لأننا نسيج واحد ودم واحد منذ الآف السنين، وسنبقي هكذا حتي نلقي الله، والي يوم الدين.
وفي القرية التي ينتمي اليها صديقي حدثت مشكلة يومية عابرة، عندما أطلق شاب مسلم متهور سلاحه فقتل إنسان آخر مسلم مؤمن كريم الأصل والخلق، وعلي الفور تركت أُسرة القاتل القرية كلها وهجرتها منذ اكثر من عام مخلفة وراءها كل ما تملك خشية إنتقام أُسرة القتيل، وهي أسرة قوية، ولم تعد أسرة القاتل للقرية حتي الآن، والذي حدث كما قال لي صديقي أن أحداً في قريته لم يشعر بأي نوع من التعاطف نحو أسرة القاتل، بل وتنفست القرية كُلها الصعداء لأن هروب أسرة القاتل منها، ربما يكون أوقف شلالات من الدماء بين الأسرتين.
والواقعة التي رواها لي صديقي لو كان طرفاها "مسلم أومسيحي " لكانت المشكلة تحولت علي الفور الي مشكلة طائفية، وكان المسيحي أستند فوراً علي طائفيته من أجل الأحتماء بها سواء كان مُخطيء أم غير مُخطيء، وفي كل الأحوال طائفته ستنتصر له ضد القانون، وهنا لابد ان نعرف السبب، لماذا تتحول مشكلة طبيعية من الممكن ان تحدث بين مسلم ومسلم، ومسيحي ومسيحي الي مشكلة طائفية، أي نقصد لماذا عندما تحدث تلك المشكلة الطبيعية بين مسلم ومسيحي تتحول علي الفور الي مشكلة طائفية، ويطل علينا ذوي الوجوه الكئيبة في الغرب الأوروبي الأمريكي لينفخوا في نيرانها ويحرضوا العالم ضد وطنهم مصر، سواء كان أصحاب تلك الوجوه السافرة مواطنون "مسلمون أم مسيحيون" لماذا؟.
وللإجابة علي السؤال نقول: لأن من يتولون الأمور في وطننا تعودوا خلال العقود الماضية عندما تحدث مشكلة طائفية تراق فيها دماء بغض النظر عن أعداد الضحايا جراء تلك المشكلة، نقول تعودوا أن لا يواجهوا تلك المشكلة بالقانون الذي يساوي بين الجميع، وكانوا يعملون علي حلها تحت ستار عقد جلسات "مصاطب" ودية تنتهي بتسوية المشكلة بطريقة عاطفية، ومحاولة العلاج المادي لآثارها وليس القانوني والمادي معاً، وبالتالي فأن المشكلة تؤجل وتخمد في الصدور وتتراكم وعلي المدي الطويل قد تتحول لقنبلة طائفية إن أنفجرت لا يعلم الا الله آثارها وتداعياتها.
ونحن نرى أنه لو كان القائمون علي أمور وطننا أعملوا القانون علي الفور وبدون رحمة في أية مشكلة طائفية تحدث في بلادنا، ما كانت تلك المشكلة تحولت علي الإطلاق إلى مشكلة طائفية، وما كان الأخوة المسيحيون لاذوا بطائفيتهم ليحتموا بها كأقلية، لكون أنهم يعرفون أن في مصر قانون يطبق علي الجميع وسوف ينصفهم وينصف أي مصري بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دينه، وهذا مبدأ مهم في الإسلام فالمجتمع الإسلامي يساوي بين الجميع.
وعلي سبيل المثال مشكلة "دهشور" الطائفية التي تفجرت خلال اليومين الماضيين بسبب قميص حرقه مكوجي وهو يحاول كيه، وسقط علي أثرها أحد المسلمين قتيلاً، وهو الأمر الذي تحول علي الفور الي صراع طائفي ودفع بأهل القرية التي وقع فيها الحادث للهجوم علي منازل الأخوة المسيحيين والذين أصابهم الرعب وتركوا القرية ولاذوا بالفرار، نقول تلك المشكلة لو كان القانون يأخذ مجراه تجاه الجميع، لكان أهل المتوفي قد عرفوا أن في مصر قانوناً سينصفهم، لكن لأن القانون يعطل في أي مشكل طائفي ترك أهل القاتل بلدتهم وفروا خارجها، وهو أمر مؤسف ومرفوض ومُدان، ويتوجب أن يعودوا فوراً إلي منازلهم وأن يأخذ القانون مجراه.
ومشكلة "دهشور" لو كان طرفاها مسلمين أو مسيحيين ما كان أحداً قد سمع بها علي الإطلاق، حتي لو كانت أسرة القتيل في تلك البلدة طردت أسرة القاتل خارجها، واستولت علي ممتلكاتها، لأكثر من سبب أول تلك الأسباب أن الطرفين مسلمين أو العكس، وثاني سبب القانون كان سيأخذ مجراه ولا يعطل، وثالث سبب أن المشكل ليس بطائفي، ولا يوجد من ينفخ فيه ويحرض جانب ضد الآخر.
وختاماً فأننا نهيب بالسيد الرئيس الدكتور محمد مرسي، ونهيب بالأخوة في الأزهر والكنيسة، والسادة القائمون علي القانون، أن لايحولوا مشكل "دهشور" الطائفي الي قضية عاطفية، يحاولون من خلالها مرضاة الطرفين في تلك القرية علي حساب القانون وحق المجتمع، إنما عليهم أن يعوضوا من تضرروا، ويتركوا القانون يأخذ مجراه بالحق والعدل، لأن هذا هو الطريق الذي يجعل أبناء مصر يتخلون عن طائفيتهم ويلوذون بالقانون، هذا إذا ما كُنا نرغب بالفعل ان نبني وطنا مدنياً حديثاً متحضراً يحترم الحريات والحقوق الآدمية ويعلي راية القانون ليكون علي رقاب كل المخطئين.
المصدر: المحيط