هذا هو لسان حال - لا أقول الآلاف - الملايين من البسطاء وأبناء الطبقة الوسطى من شعب مصر! فقد حاولتُ خلال الأيام الماضية استطلاع رأى شريحة كبيرة ومتنوعة من الناس، وكان الرد واحدًا، وهو أن أيام مبارك كانت أفضل بكثير! على الأقل لم يحدث أن عايشنا انقطاع الكهرباء بالمعدلات التى يمكننا أن ندخل بها موسوعة جينس! فلم تنج مدينة أو قرية من قرى مصر من التعرض لانقطاع يومى للكهرباء ولساعات طويلة عجفاء!
تنقطع الكهرباء فى أيام لم نشهد مثلها من قبل، حيث ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، وفوق كل هذا صيام شهر رمضان!!
القضية لا تنحصر فى الكهرباء فقط، ولكن فى أمور حياتية أخرى تؤرق وتمزق الملايين، كمشكلة البنزين والسولار والغاز. فقد بلغ طول بعض طوابير البنزين فى مدينتى المنصورة نحو كيلو متر! ماذا تنتظر من مواطن يكابد الأمرين سواء للحصول على البنزين أو لمواجهة حر الصيف والصيام؟! لقد تباكى الملايين على أيام مبارك، بل وصل الأمر بالكثيرين إلى حد المطالبة بعودته ليمسك بزمام أمور البلاد التى "فلت عيارها"!
يُسأل عمَّا نحن فيه أطراف عدة، وعلى رأسهم مؤسسة الرئاسة التى لم تُظهر بعد الدولة القوية. فالدولة المصرية حاليًّا دولة رخوة هينة، لذا يعيث اللصوص فيها فسادًا، ولا يدفع الثمن إلاَّ البسطاء من أبناء هذا الشعب. مؤكدٌ أننا كنا بحاجة إلى رئيس إنسان، يراعى آدمية المواطن ويحترم كرامته، ولكننا فى الوقت نفسه بحاجة إلى رئيس قوى، يُظهر كراماته على أرض الواقع. فلولا الشعور بأن الدولة شبه غائبة لما تلاعب بها المتلاعبون. فمصر هى مصر، والشعب هو الشعب، والصيف هو الصيف، ما الذى استجد على مصر لكى تعايش تلك الأزمات الطاحنة؟! الذى استجد هو غياب دولة القانون.
لا يمكننا أن ننكر أيضًا عنصر التوقيت، فشهر رمضان لهذا العام يواكب فترة من أشد الفترات حرارة ورطوبة فى تاريخ مصر، ولهذا فإن زيادة الأحمال والضغط على الشبكات يتسبب فى انهيارها المفاجئ، وهو ما قد يتطلب قيام مسئولى وزارة الكهرباء بالعمل بنظام النوبات، أى قطع التيار عن مختلف المناطق والمحافظات بالتناوب، حتى يبقى التيار عند معدله الطبيعى، لا ننكر هذا الظرف الاستثنائى، ولكن من حقنا أن نسأل مسئولى تلك الوزارة عن خططهم للظروف الاستثنائية وبرامجهم للتعامل مع تلك الأحداث. فقد لجأت الوزارة إلى حل التاجر المفلس، ألا وهو قطع التيار على فترات عن البلاد والعباد!!
يسأل عمَّا نحن فيه بقايا الحزب المنحل، وهم موجودون فى كل مؤسسة بما فيها وزارة الكهرباء، وهؤلاء هم الوحيدون السعداء بما نعانيه، حتى نترحم على أيام المخلوع، وكأن المخلوع نجح فى نقل مصر من عداد الدول المتخلفة إلى عداد الدول المتقدمة! أو صعد بنا إلى القمر! هؤلاء يسعون لبث الذعر فى نفوس الناس حتى يترحموا على أيام صاحب الأيادى الطاهرة البيضاء!
ولكنى لا يمكننى أن ألوم سوى مؤسسة الرئاسة، التى حملت على عاتقها مسئولية السهر على راحة المواطنين، فلم تظهر العين الحمراء للعابثين بمقدراتنا. ما الضير لو صدر قانون عاجل يشدد العقوبة على المتاجرين بمقدراتنا لتصل إلى الإعدام علنًا! ليرتدع كل من تسول له نفسه التجارة بالبنزين أو الغاز أو الخبز أو اللعب فى التيار الكهربائى... إلخ.
لا يمكن أن تتبع الدولة أسلوبًا واحدًا مع مختلف فئات المجتمع: البلطجية، الذين يقطعون الطرقات ويهجمون على المستشفيات، ويتاجرون بالمقدرات، ليس لهم من جزاء سوى الإعدام، ليستريح المجتمع من شرورهم. ولن يحزن عليهم أحد، بل سيتردد كل من تسول له نفسه فعل فعلهم.
للأسف الشديد لا أستشعر أن الإدارة الحالية تمتلك القدرة على الضبط والربط، سواء بسبب ضعف خبرتها فى هذا الخصوص، أو بسبب تربص المتربصين والشامتين والساعين لإغراق البلاد والعباد!
أتمنى من كل قلبى، مع التشكيل الوزارى الجديد، أن نرى الدولة على أرض الواقع، نرى الدولة من خلال القانون الذى غاب لعقود، نرى الدولة من خلال خدمات عامة بمستويات تليق بطموحات مصر ما بعد الثورة.
مؤكدٌ أن هناك حسابات سياسية لدى مختلف القوى، فهناك من يحلم بانهيار حلم الإخوان والتيارات الدينية حتى يسيطروا على البرلمان المقبل.. لا يمكن لأحد أن ينكر هذه الحقيقة، ولكن أعود وأقول إن نجاح قوى الهدم فى الوصول إلى مآربها لن يكون إلا نتيجة لضعف السلطات القائمة فى توصيل رسالتها للمواطن المصرى! فنجاحهم هو من فشل الإدارة الراهنة!
وفى الختام أدعو كل من يترحم على أيام المخلوع إلى أن يتريث فى حكمه، وأن يفكر مليًّا فى حال البلاد، فأغلب شعب مصر من البسطاء لا يدركون ما شهده العالم من تغير وتقدم، فى وقت يبحث فيه هؤلاء عن تلبية حاجياتهم الأساسية!
على هؤلاء أن يتذكروا التكية التى أنشأها مبارك وعصابته، عليهم أن يتذكروا المليارات التى نهبت وهربت للخارج، عليهم أن يذكروا مشروع التوريث، وكيف أنه كان يحتقر هذا الشعب ويتاجر بقوته ومشاعره، عليهم أن يتذكروا أننا لسنا أقل من باقى خلق الله، من حقنا أن نحيا حياة كريمة، وأن ننعم بخيرات بلادنا.
أنا معكم فى أن الرحلة شاقة، ولكن علينا أن نبدأ ونصبر ونعمل. فالتركة التى تركها لنا المخلوع تركة ثقيلة للغاية، لذا علينا أن نتكاتف ونلفظ المعوقين والمخربين. لا يمكننى كإنسان وسطى أن أنكر دور مبارك فى نصر أكتوبر - شأنه شأن الآلاف ممن ماتوا فداءً لهذا الوطن - ولكنه على مدى نحو أربعة عقود حصد الثمن وعاش العز ورغد العيش، ولم يحافظ على هذا التاريخ، وجعل مصر وشعبها أضحوكة لباقى خلق الله. والله أعلم.
المصدر: اليوم السابع