من يذهب إلى سيناء ويتجول فيها شمالاً وجنوباً يشعر بأنها لابد أن تكون مأوى للمجرمين وقطاع الطرق والشواذ عقائديا وكل الأنواع التى تتسبب فى زعزعة الأمن والاستقرار فيها وفى مصر كلها، باعتبار أن سيناء جزء عزيز من مصر، وما يحدث فيها يكون له التأثير الكبير عليها، خاصة مع مجاورتها العدو الصهيونى الذى يتخذ منها مرتعاً خصباً لما يريد أن يرتكب من جرائم، سواء فى حق مصر أو فى حق الإخوة الفلسطنيين، وما حدث أخيراً لا يعدو أن يكون جزءاً من سلسلة من حوادث حدثت فى الماضى، وستحدث كثيراً فى المستقبل،
وما أحزننى بشدة هو توقيت هذا الحادث المؤلم فى وقت تناول الإفطار للمسلم، وهو توقيت لا يمكن أن يختاره مسلم، مهما كانت معتقداته، وهذا ما يدفعنى بشدة إلى الاعتقاد بأن يد إسرائيل ضالعة فى هذا العمل الإجرامى الذى راح ضحيته عدد كبير من خيرة شباب مصر، كانوا يقومون بواجبهم الوطنى فى حماية الوطن، ولا يقلل من أهمية هذا الاتهام ما تزعمه إسرائيل من أنها حذرت مصر من الحادث قبل وقوعه إلا أن مصر لم تأبه لهذا التحذير، لأن ذلك قد يعمق الإحساس بالتواطؤ وإن كان يدعو إلى التساؤل عن عدم أخذ المجلس العسكرى هذا التحذير بالجدية المطلوبة، ولو من باب الحيطة التى يجب اتباعها فى مثل هذه الأمور،
وأغلب الظن أن المجلس العسكرى كان مشغولاً بالأمور الداخلية وكيفية تدعيم سلطاته فى الداخل والقضاء على الثورة وأنصارها،حتى يخلو له الجو فى الحكم وينفرد به أكبر مدة ممكنة وهذه كارثة طالما حذرنا منها وقارناها فى مقال سابق، بما حدث فى مصر عام 1967 من انشغال القوات المسلحة بالسياسة الداخلية والخلافات وعدم الاستعداد للحرب حتى كانت الكارثة التى لا أبالغ بأن مصر تعانى منها حتى الآن، وأقول للمجلس العسكرى أنت المسؤول الأول عن وقوع هذه الكارثة الوطنية وإذا لم تراجع نفسك ويستيقظ ضميرك سريعاً وتعود إلى ثكناتك وتهتم بمهمتك الأصلية وهى الدفاع عن الوطن من الخارج، فإن الكارثة القادمة ستكون أشد.
لا يكفى أن نحقق ونعرف الفاعل وننتقم منه أشد انتقام ثأراً لأرواح أبنائنا الأبرار وقصاصاً عادلاً لهذا الجرم غير المسبوق، ولكن يجب أن نعمل بكل سرعة على تأمين سيناء كلها من هذه الحوادث وغيرها مما يحدث، وكان يحدث من إسرائيل التى طالما قتلت جنودنا على الحدود بدم بارد ومرت هذه الحوادث على كثرتها دون عقاب وقت وجود الرئيس المخلوع، وأول ما يجب العناية به والإسراع فى تنفيذه هو مراجعة اتفاقية كامب ديفيد فى البند الخاص بنزع سلاح سيناء، لأنه لا يمكن أن يبقى ثلث مساحة مصر منزوع السلاح، وهو مجاور لأشد وأخطر عدو لنا طامع فيها، لأنها بالنسبة لعقيدته الدينية جزء من أرض اليهود وأرض التيه، بالإضافة إلى أنها كانت فى يده منذ عام 1967 حتى عام 1973 يتمتع بكل خيراتها ويصول ويجول فيها إلى أن اضطر إلى تركها بعد عام 1973.. كل هذه الأمور تجعل من الصعب على إسرائيل أن تترك سيناء على حالها تنعم بالأمن والأمان، ولا بد أن تحدث فيها من الفتن والقلاقل ما يشعل مصر حتى لا تتفرغ للتنمية والتقدم خاصة بعد الثورة.
الطامع فى سيناء ليس الإخوة الفلسطينيين، ولكن الطامع فيها هو إسرائيل، وكل ما يطمع فيه الإخوة فى غزة هو رفع الحصار عنهم عن طريق الشقيقة الكبرى مصر، وأن يجدوا فى جوارها الأمن والأمان من العدو الإسرائيلى، وألا تكون عوناً عليهم، كما كانت فى الماضى ولا يمكن أن يتسبب الإخوة فى غزة فى متاعب لمصر، خاصة بعد الثورة وهم المستفيدون منها ولذلك فإن توجيه الاتهام للإخوة فى غزة فى هذا الحادث يقع لصالح العدو الصهيونى الذى يريد أن يضرب بعضنا ببعضٍ ويجلس هو مستريحاً من عناء ذلك لانشغالنا ببعض من دونه، وحتى إذا كان بعض الفاعلين من قطاع غزة فإنهم خونة مأجورون من إسرائيل، ونحن نعلم أن هناك فى كل مكان خونة لبلادهم وعقائدهم، ولا يجب أخذ الغالبية العظمى من الشعب الفلسطينى بهذه القلة المارقة الخائنة.
الأمر المهم الثانى الذى يجب وضعه فى الاعتبار والإسراع فى تنفيذه هو تعمير سيناء واستغلال أرضها فى توسيع الرقعة السكانية لمصر، وكذلك الرقعة الزراعية، لأن الكثافة السكانية فى أى بلد درع حماية لهذا البلد، حيث إن الجيوش المعتدية والمجرمين يتحاشون دائماً الأماكن المأهولة بالسكان، لأنهم كالحشرات يحبون الاختباء فى المساكن الخربة وغير المأهولة، فضلاً عما يعود على البلد من هذا التعمير من خير وفير، وقد حضرت مؤتمراً كان فيه مجموعة من الخبراء والعلماء، وكان هذا المؤتمر من أجل تعمير سيناء، وعلمنا أن هذا البلد غنى بموارده الطبيعية، التى استغلت بعضها إسرائيل أثناء احتلالها لها، وكان أخصها البترول الذى سارعت باستغلاله حتى نضب، ولم تترك لنا فيه ما نستفيد به.
هذا هو العلاج الطبيعى المطلوب سريعاً من أجل حماية سيناء والحفاظ عليها وعلى أمنها وأمن مصر بصفة عامة، وآمل أن يكون وقوع هذا الحادث المؤلم حافزاً لنا لكى نضع هذا الأمر فى مقدمة أولوياتنا فى المستقبل القريب، أما الاكتفاء بالتحقيق فى الحادث ومعرفة مرتكبيه وإنزال العقاب به مهما كان هذا العقاب، فإنه إجراء عادى يحدث فى كل جريمة تقع، سواء فى سيناء أو غيرها ووحده لن يكفى لمنع تكراره، لأن الأسباب التى أدت إلى وقوعه موجودة، بل قد تزيد، ولا ننسى أن البطالة وشعور أهل سيناء بالبعد عن العمران والتقصير فى حقهم ترك لهم فراغاً يمكن للعدو أن يستغله لمصلحته، وهذا شأن كل أطراف الوطن فى الجنوب - أهل النوبة الذين يعانون بشدة من التهميش والإهمال، وتعمل السفارة الأمريكية على تعميق هذا الإحساس لديهم، وكذلك أهل الشمال، من عرب مرسى مطروح، الذين تم إهمالهم كثيراً وحان الوقت ليشعروا بأنهم أبناء مصر وينعموا بدفء الوطن والإحساس بالمواطنة.
المصدر: المصري اليوم