المقالات و التقارير > العمود الفقري للتنمية

العمود الفقري للتنمية

ثاني دولة علي الإطلاق أدخل اليها الأنجليز خطوط السكك الحديدية بعد بريطانيا كانت هي "مصر"،ليس لأنها كانت إحدي الممالك التي تستعمرها بريطانيا فحسب  ،وإنما لأنها كانت الدولة التي تحتل المرتبة الأولي في إمداد بريطانيا الاستعمارية  بواحدة من أهم المواد الخام وهي "القطن" طويل التيلة والذي كانت الكنانة رائدة في إنتاجه ،ومن هنا امتدت تلك الخطوط الحديدية شمالاً وجنوباً في مصر ،حتى يتسنى لبريطانيا أن تنقل الأقطان الي المواني المصرية لتحملها السفن الي المصانع في المملكة المتحدة البريطانية .

ومن هنا ،فعندما تفجرت ثورة 23يوليو  من عام 1952م كان الجنيه المصري يساوي أكثر من ثلاثة دولارات أمريكية ،وكان الجنيه المصري أقوي من نظيره الإسترليني "عملة بريطانيا" ،وكانت مصر مدينة للملكة المتحدة بعشرات الملايين من الجنيهات ،وكان الاقتصاد المصري قوي للغاية ،لكن كانت المستفيدة شريحة لاتتجاوز النصف بالمائة ،وعائلات إقطاعية كبري تعد علي أصابع اليد الواحدة .

  وما سبق يشير الي أن الدول الأوروبية التي نهضت وتقدمت أهتمت في بداية نهضتها بالطرق والكباري وخطوط السكك الحديدية ،علي أساس أنها بني تحتية لابد منها من أجل  تحويل تلك البلدان الي مجتمعات منتجة ومتقدمة ،وللأسف لاتزال السكك الحديدية التي شيدها لمصر  الإنجليز كما هي علي الرغم من التطور الذي طرأ علي تلك الخطوط في شتي أرجاء العالم ،من حيث تحديث القطارات وارتفاع سرعتها الي درجات تقترب من سرعة الطائرات ،كما لاتزال الطرق التي تربط القاهرة بجنوب البلاد محدودة وغير مهيأة للنقل بالشكل المفترض.

 وأهمية شبكات الطرق الحديثة وما يرتبط بها من وسائل النقل في تقدم الدول لايمكن ان ينكرها أحد ،لكون أن المشروعات التنموية تعتمد عليها في نقل المواد الخام والمنتجات والعمالة بالسرعة المطلوبة في أسرع وقت ممكن ،وعلي سبيل المثال بحيرة "ناصر" في جنوب مصر ،توجد بها ثروة سمكية هائلة الي الدرجة التي توحشت فيها الأسماك وباتت طعاما للحيوانات البحرية المفترسة ،وبات الصيادون لايجدون وسيلة سريعة لنقلها أو حفظها ،وأتذكر أنني زرت أسوان في مطلع العقد قبل الماضي فوجدت الأسماك في مطاعمها أرخص من أسعار الفول والطعمية ،في وقت تستورد فيها مصر أسماك اقل منها كثيرا في درجة الجودة والفائدة .  

 وهنا لايفوتنا ان نستعرض التخطيط الفاشل للمشروعات الإنتاجية ،وعلي سبيل المثال في العقد قبل الماضي وبالتحديد في مطلعه فوجئ أهالي مركز المنشاة بسوهاج بالسلطات هناك تشق طريق حديدي وسط زراعاتهم ،وهذا الطريق يستخدم في نقل محصول قصب السكر الي مصنع سكر تم تشييده في مدينة جرجا ،وبعد أربعة أعوام من تشييد هذا الخط توقف الأهالي عن زراعة قصب السكر ،وبات الخط مجرد ذكري  بعد ان التهم آلاف الأفدنة  في مساره  وباتت خسائر الخط أكثر من مكاسبه ،بينما ظل أهالي المنطقة حيارى يضربون أخماس في أسداس  عن جدوى ما حدث.

 أذن عملية التنمية إن كانت تتطلب وسائل مواصلات واتصالات أيضا حديثة فأنها تحتاج لمخططين علي مستوي يكفل نجاحها،وذلك حتى لا تتعرض لانتكاسة ،وأيضا تتطلب عناصر تدير مشروعاتها بعقلية حديثة تنسجم مع مقومات الاقتصاد الحر ،وعلي سبيل المثال نحن نري الآن الي اين وصل مصير مترو الأنفاق وهو مشروع حيوي ،ومن أهم وسائل النقل السريع بالقاهرة ،حيث عطلت أجهزة التكييف المركزي في عرباته ،وتم تخريب بواباته الاليكترونية ،وتتعرض سلالمه الكهربائية للشلل المتواصل ،لا لشيء إلا لكون أن إدارة المترو يعز عليها أن ترصد جانب من إيراداته للصيانة  .

 وفي سيناء توجد خامات متعددة وهائلة وفرص لإقامة مشروعات عملاقة ومنتجة ،لكن لاتوجد طرق حديدية أو طرق برية أو مطارات بالشكل الكافي لإستثمار تلك المواد الخام في تلك البقعة والتي تصل مساحتها الي ضعفي مساحة فلسطين المحتلة كلها  ،ويبلغ حجم اقتصادياتها أضعاف اقتصاد فلسطين المحتلة وتتمتع بشواطيء تقع علي ممرات مياه إستراتيجية ،ربما لاتحظي بها بقعة أخري في مصر بل في المنطقة كلها .

 نعم في سيناء ثروة سمكية هائلة ،وفي سيناء شواطئ واثار مقدسة ومناظر سياحية ومنتجعات ،وفي سيناء مواد خام وأحجار كريمة لاتقدر  بثمن ،وفي سيناء ثروات زراعية وارضي صالحة للزراعة ،لكن في وطننا للأسف  لاتوجد عقول تنفيذية جريئة وحرة ووطنية حتي الآن  ،ولا توجد رؤي  إستراتيجية ،ولا يوجد رجال أعمال يتمتعون بالمبادرة والجرأة والإلتزام الوطني من أجل استغلال تلك الطاقات الهائلة .

 أننا نناشد السيد الرئيس الدكتور محمد مرسي  وهو يتطلع لتنفيذ برنامج النهضة أن يبدأ أولاً بتطوير منظومة شبكات المواصلات والاتصالات،لكون أن المشروعات ألكبري التي يخطط لتنفيذها لن تنجح بدون تطوير تلك الشبكات ،وخير نموذج إمامنا مشروع  توشكي وشرق العوينات والذي  تم إنفاق أموال طائلة عليه وعلي الرغم من ذلك  لايزال التعثر من نصيبه .

 والخلاصة، أن التنمية لن تنجح في مصر بالشكل الذي يرضي طموحاتنا بدون أن يسبقها تشييد شبكة مواصلات واتصالات حديثة ،تمثل عموداً فقرياً لها.

المصدر: المحيط


Navigate through the articles
Previous article هل تهاجم واشنطن مصرهل تهاجم واشنطن مصر إن خططت للإكتفاء الذاتي من القمح؟ والقصاص لشهداء في رقبتك يا سيادة الرئيس Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع