المقالات و التقارير > إلعبوا بعيدا ًعن عبدالناصر

إلعبوا بعيدا ًعن عبدالناصر

"سنذهب جميعاً إلي القبور ،وسيبقي جمال عبدالناصر علامة بارزة في تاريخ مصر "تلك العبارة كتبها الراحل أحمد بهاء الدين أبرز رجال الصحافة طول النصف الأخير من القرن الماضي عندما تفاقمت وطأة الهجوم علي "ناصر"من قبل ميليشيات كامب ديفيد ،ودائما يحلو لنا أن نستشهد بها كلما تحدثنا عن بطل ثورة 23يوليو من عام 1952م ،وعبدالناصر خالد وحاضر في "ضمير مصر ،ومن هنا نعتقد أنه لاتوجد قوي سياسية بالوطن الآن قادرة علي تشويه تاريخ هذا الزعيم الوطني الكبير،أياً كانت رؤيتنا لسياساته ،وسواء اتفقنا مع بعضها أواختلفنا .

ففي 28سبتمبر من عام 1970م فجعت مصر في أعز بنيها يوم اختاره الله إلي جواره ،وخرج الوطن عن بكرة أبيه ،وبجميع أطيافه يودعه إلي مسواه الأخير،يودع جمال عبد الناصر بعد حياة قصيرة في العمر هائلة في الإنجازات، وبمناسبة ذكري الرحيل خرج علينا أقزام باسم الدين يتطاولون علي خير ما أنجبت مصر والأمة العربية والإسلامية في عصرها الحديث ،أحدهم محرر كرة لايكاد يعرف حدود مصر أو حدود الوطن العربي أسمه علاء صادق ، طل علينا من فوق شاشة إحدي الفضائيات الممولة من دوائر معروفة ليكيل السباب للقائد العظيم جمال عبدالناصر محاولاً أن يتقرب من الإخوان .

ونحمد الله أن السيد الرئيس الدكتور محمد مرسي حتي الآن يتعالي علي أية جراحات من الماضي وهو يعرف قيمة  عبدالناصر جيداً ، ويترك الأمر لله سبحانه وتعالي ليفصل بين الزعيم الراحل  وبين خصومه ،والدكتور مرسي محق في ذلك فليس من مصلحتنا كمصريين شق صفوفنا وشق  وحدتنا والتقاتل علي ماضي عشناه بحلوه ومره ،لكن يتوجب علينا أن نتلافي سلبيات هذا الماضي ونطور من ايجابياته ونتكاتف يداً واحدة من أجل بناء بلدنا ،ومن هنا فلقد شعرت بسعادة غامرة عندما أناب السيد الرئيس الدكتور  محمد مرسي  وزير الدفاع الفريق أول السيسي لكي يذهب إلي ضريح "عبدالناصر "في ذكري رحيله أول أمس وأن يضع باقة ورود فوقه ،ويصافح أسرته باسم  الجيش وباسم مؤسسة الرئاسة ويؤكد لهم تقدير الرئيس والشعب لما قدمه ناصر لمصر.

ونحن نعرف مدي شعور جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها  بالمرارة جراء ما طالهم في حقبة ثورة 23يوليو من مآسي ،تلك الحقبة التي وضعت ثورة الشعب في 25يناير من عام 2011م نهاية لها ،فلقد تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب  والتنكيل والقتل بدون هوادة أو رحمة ،وتعرض بعضهم ومن أفاضل رجال الدين للموت شنقاً ،لكن كان الخلاف في النهاية سياسي من الدرجة الأولي وعلي سلطة لا أكثر ،ونتمني أن نترك هذا الأمر لله سبحانه وتعالي وهو العدل كله ولا نختلف فتفشل جهودنا وتتبدد وكل ذلك علي  حساب مستقبل وطننا ومستقبل أولادنا ،وفي مصلحة عدونا.

ويقول البعض أن عبد الناصر دبر مسرحية التنحي عقب كارثة خمسه يونيو من عام 1967م ،وردنا ببساطة "إحنا فيها فليجرب أي رئيس عربي الآن أن يتنحي ويري رد الفعل الشعبي علي تنحيه ،ويحاول أن ينظم مسرحية مماثلة وسنتابع مقدرته الفذة علي تنفيذها" ،وقالوا إن حادث المنشية مسرحية ،وقبيل أيام أجرينا في شبكة الإعلام العربية "محيط" حواراً مع أحد من شاركوا في تلك الجريمة التي استهدف الإخوان من خلالها اغتيال القائد الوحيد الذي أحبته مصر وأحبته أمتنا العربية والإسلامية، وأكد المذكور لنا ولمندوبنا الذي أجري الحوار معه الزميل تامر أن الإخوان حرضوه ورفاقه علي قتل عبد الناصر في المنشية.

وخلال تواجده بالسلطة وعلي مدار 18عام شيد عبدالناصر ما يقرب من ألف مصنع ،وبني آلاف المدارس والجامعات والمستشفيات والوحدات الاجتماعية ومراكز الشباب...الخ،وأعاد قناة السويس لمصر ،وبني السد العالي ،ووزع الآراضي علي الفقراء،وحول كل فرد في مصر إلي إنسان منتج وظل ملتزما بإيجاد فرصة عمل لكل خريج حتي رحل عن دنيانا ،وقتها كان المصري  يذهب إلي أي دولة عربية في مهمة عمل رسمية  ،وعندما يعلم أهلها أنه من مصر يخرج الناس في كل مكان يمر فيه ليوجهوا له التحية ويرحبون به ،ولم يكن مواطن مصري يخرج للعمل بالخارج لأن الوطن كان في حاجة إليه ،ولم يترك مصر وقتها إلا من يعادون الثورة ويحاولون أن ينالوا منها .

وطورعبد الناصر التعليم في الأزهر وأدخل إليه العلوم الحديثة، وجاء بأبناء البلدان الإسلامية في كل مكان ليدرسوا فيه ،حتي  يكونوا سفراء لمصر بعد تخرجهم ،فاتهموه بتخريب الأزهر،وأثبتت الأيام أن الرجل كان علي حق ،وهنا تحضرني واقعة اعتراض الشيخ الشعراوي يرحمه الله علي تطوير الأزهر ،ورؤيته بعد ذلك عبد الناصر في المنام ممسكا برمز للعلوم الحديثة ،وكان عبد الناصر قد رحل إلي جوار ربه منذ أعوام ليست بالقليلة ،فاستنتج الشيخ الشعرواي أن عبد الناصر كان علي حق ،وحرص علي الذهاب لقبر عبد الناصر وقراءة الفاتحة علي روحه  .

وعلي الصعيد الخارجي ،شارك عبد الناصر في تأسيس منظومة دول عدم الإنحياز ،وسعي إلي دعم حركات التحرر من الإستعمار في كل مكان ،ومن هنا ظل اسمه خالد في ضمير أحرار العالم ،وعندما حاولت المخابرات الأمريكية رشوته وتجنيده للعمل لصالحها وأرسلت إليه ملايين الجنيهات ،شيد بتلك الرشوة برج القاهرة لكي يكون شاهد له بأنه كان نظيف اليد وطنياً حراً لايباع ولايشتري ويوالي شعب مصر أولاً وأخيراً ،ومات عبد الناصر فقيراً وعاش فقيراً لايملك إلا راتبه  .

ولقد اجتث عبدالناصر الرأسمالية الاحتكارية العدوانية من جذورها ،واحتضن الرأسمالية الوطنية ،وقضي علي الفقر ،وعلي ظاهرة التسول ،وعلي ظواهر الحفاة وعمال التراحيل ،وحقق العدالة الاجتماعية حيث سعي لتحقيقها منذ اليوم الأول للثورة .

ونصيحتنا لمن يهاجمون عبد الناصر الآن أن الفرصة  واتتكم لتحكموا، وتسلمتم مصر متقدمة أفضل من ذي قبل،  فمن الأفضل أن تتركوا الماضي و تحققوا للوطن  ولو عشر بالمائة مما حققه عبد الناصر.
المصدر: المحيط


Navigate through the articles
Previous article فرنسا تسلح دول الساحل تحسبا لتدخل عسكري في مالي هل تهاجم واشنطن مصرهل تهاجم واشنطن مصر إن خططت للإكتفاء الذاتي من القمح؟ Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع