المقالات و التقارير > الجزائر تودع رجل الانفتاح

الجزائر تودع رجل الانفتاح

توفي، عصر أمس، ثالث رئيس للجمهورية الجزائرية، في مستشفى عين النعجة العسكري بالجزائر العاصمة، بعد أربعة أيام من الغيبوبة، من مضاعفات مرض سرطان الجلد، وذلك عن عمر يناهز 83 سنة.

 ولد الراحل الشاذلي بن جديد في الفاتح جويلية 1929 بقرية السباع ببلدية بوثلجة التابعة لولاية الطارف، وانخرط سنة 1954 في جبهة التحرير الوطني قبل أن يلتحق، سنة بعد ذلك، بجيش التحرير الوطني بالولاية الثانية (منطقة قسنطينة). تم تعيينه في جانفي 1979 أمينا عاما لجبهة التحرير الوطني بعد المؤتمر الـ4 ثم مرشحا للانتخابات الرئاسية، ليتم انتخابه رئيسا للجمهورية في الـ7 فيفري 1979 مع توليه منصب وزير الدفاع الوطني.

وكانت عائلة الرئيس الراحل قد نقلته، يوم الأربعاء الماضي، في حالة صحية متردية جدا، إلى المستشفى العسكري بعين النعجة بالجزائر العاصمة، وتم إدخاله مباشرة إلى مصلحة الإنعاش، التي بقي فيها تحت الرعاية الطبية المكثفة وهو في حالة غيبوبة لم يستفق منها ليفارق الحياة عصر أمس.

ولقد قرر الرئيس الراحل منذ أربعة أسابيع العودة إلى الوطن. حيث ذكرت مصادر مؤكدة أنه طلب من عائلته توقيف علاجه في مستشفى ''فال دو غراس'' العسكري في باريس، الذي كان سيستغرق شهرين، وأمرهم بإعادته إلى الجزائر، وهذا بعد أن أخطره الأطباء المعالجون بنوعية دائه. وأضافت ذات المصادر أن الشاذلي بن جديد قرر أيضا توقيف العلاج المضاد للسرطان قبل خمسة أسابيع، وهو ما وضع عائلته في حالة استنفار كبير. ولم يقدر أي منهم أن يقنعه بالعدول عن هذا القرار، خاصة بعد أن تأكد أطباء مستشفى فال دو غراس الباريسي أنه أصيب بسرطان الجلد. وكان الرئيس الأسبق للجمهورية قد نقل في ديسمبر 2011 إلى مستشفى فال دو غراس، بصفة استعجالية، بعد أن أصيب بوعكة صحية. وهناك شخّص الأطباء الذين عالجوه إصابته في الكلى وأخضعوه لعملية جراحية. وبقي في ذات المستشفى في فترة نقاهة. إلا أن حالته الصحية لم تتحسن، وتكرر تردده على هذا المستشفى، بعد أن ''برزت شكوك حول خطأ في التشخيص''، حيث تم نقله مجددا في 23 من شهر ماي 2012 بشكل مستعجل إلى ذات المستشفى، الذي بقي فيه إلى غاية أن قرر الخروج والعودة إلى الجزائر في شهر سبتمبر الماضي.

وكان أفراد عائلته يترددون عليه في العاصمة الفرنسية، حيث خصه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتكفل الدولة لعلاجه. ولقد تكتمت عائلة الرئيس الراحل على وضعه الصحي، كما لم تنشر الجهات الرسمية أي بيان بخصوص حالته، رغم أنه شاع منذ يوم الأربعاء الماضي أنه فارق الحياة.

ومعروف أن الرئيس الراحل كان يتمتع بصحة جيدة طيلة فترة حكمه منذ سنة 1979 إلى سنة ,1992 وكان يمارس عدة رياضات، منها الصيد البري وكذا الغطس في البحر. وكان كثير التردد على مدينة وهران، لقضاء عطله ولقاء أصدقائه.

 وهران: ل. بوربيع

 عرف بطيبته خلال الثورة وانضباطه بعد الاستقلال

 أزهد العسكريين في السلطة ومحبوب خلال الثورة

 أول بروز للشاذلي بن جديد على مسرح التاريخ كان في ,1956 عندما أسس عمارة العسكري (بوقلاز) ''القاعدة الشرقية'' في نهاية ,1956 بتزكية من القيادة الجديدة للثورة التي أفرزها مؤتمر الصومام في أوت ,1956 رغم معارضة الولاية الثانية (الشمال القسنطيني) التي اقتطعت ''القاعدة الشرقية'' من رحمها.

وعرف عن الشاب الشاذلي بن جديد طيبته وانضباطه، وكان محبوبا بين المجاهدين، غير أنه لم تظهر عليه طموحات قيادية، أو ميولات للزعامة في ''القاعدة الشرقية'' التي كانت تضم كلا من سوق أهراس والقالة الواقعة على الحدود الشرقية مع تونس. وعين الشاذلي بن جديد كملازم في الفيلق الأول بالمنطقة الأولى للقاعدة الشرقية (القالة حاليا) تحت قيادة النقيب شويشي العيساني، وبعد حل ''القاعدة الشرقية'' في نهاية 1958 إثـر ''انقلاب العقداء''، أصبح الشاذلي ضمن قيادة المنطقة الشمالية (التي كان يقودها الرائد عبد الرحمان بن سالم) التابعة لقيادة الأركان العامة التي كان على رأسها العقيد هواري بومدين، الذي بدأ بتشكيل جيش قوي لقب ''بجيش الحدود''.

في أزمة صائفة 1962 وقبيل الاستقلال، أرسل العقيد بومدين الشاذلي بن جديد مع مجموعة من الضباط إلى الولاية الثانية (الشمال القسنطيني) لإقناع قيادتها بالانضمام إلى تحالف بومدين - بن بلة ضد الحكومة المؤقتة، إلا أن العقيد صالح بوبنيدر قام باعتقاله وتقييده، وبقيت آثار القيد على معصمه إلى غاية وفاته، وقال له المجاهد مهدي شريف قبل سنوات قليلة من وفاته إنه ''أول أسير جزائري بعد الاستقلال''. 

تولى الشاذلي بن جديد قيادة الناحية العسكرية الخامسة ''قسنطينة'' بعد تحوير الولايات التاريخية إلى نواح عسكرية، وأوكلت له مهمة توقيف العقيد محمد شعباني في 1964 بأمر من الرئيس بن بلة ونائب العقيد هواري بومدين، كما كان ضمن هيئة المحكمة العسكرية التي حكمت بإعدام شعباني. وشارك الشاذلي بن جديد في الانقلاب على الرئيس بن بلة في 19 جوان 1965 باعتباره قائدا للناحية العسكرية الثانية وهران، وعين عضوا في مجلس الثورة الذي تولى قيادة البلاد، كما أرسل فيلقين من قوات الناحية العسكرية الثانية لنجدة بومدين، عندما تحركت فيالق العقيد زبيري، قائد الأركان، نحو البليدة خلال أزمته مع بومدين في ديسمبر .1967

الجزائر: مصطفى دالع

 كان الشاذلي ''رئيسا عاديا''

  أكيد أن حنيني لفترة حكم الشاذلي مرتبط بذكريات الطفولة والمراهقة، لكن ليس هذا كل شيء. الشاذلي كان رئيسا ''عاديا''، وهي الصفة التي بنى عليها الرئيس الفرنسي الحالي كل حملته الانتخابية لإظهار تميزه عن ساركوزي.

ولقد أضرت هذه البساطة كثيرا بصورة الشاذلي الرئيس أمام شعبه، تماما مثلما كان فرانسوا هولاند رجلا مائعا لا يرقى لتمثيل صورة فرنسا العظمى... ولأن فرنسا هي بلد الإبداع السياسي، فقد استطاع هولاند وفريقه الانتخابي أن يحولوا صورة ''الرجل المائع'' إلى صورة ''الرجل العادي'' المناقضة لصورة الرجل المغرور بنفسه، المترجل والمتسلط... التي كان يظهر بها الرئيس المنتهية عهدته.

قد يكون صعود الرئيس العادي في فرنسا بداية لعودة الحكم في مختلف نقاط العالم للناس العاديين الذين يسبقون القيم الإنسانية على كل القيم الأخرى، ومن ثمة يعود الحد الأدنى من التوازن إلى العلاقات ما بين الشعوب وما بين أبناء الشعب الواحد. والجزائر بشكل خاص، تعبت أكثـر من غيرها من حكم رجال لا يتصورون استمرار الحياة بعدهم. رجال يتسترون وراء الخصوصية الجزائرية، ومشكلتهم في الحقيقة أنهم يفتقدون البساطة التي تجعلهم يتصرفون بحكمة وتسمح لهم بإيجاد الحلول المناسبة، وكم هي متوفرة وسهلة لو كان هؤلاء الحكام رجالا عاديين لا يمنحون أنفسهم سلطة أكثـر من تلك التي تمنحها لهم الطبيعة البشرية.

الشاذلي ببساطته لم يتأخر في الشروع في تنفيذ وعوده في اليوم الموالي بعد خطابه الذي دعا فيه الشباب للتعقل بعد أحداث أكتوبر 88. وعد بإصلاحات، فكانت الإصلاحات الوحيدة التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال، وما زال النظام الحاكم عندنا يشهر إصلاحات الشاذلي في وجه كل من يطالب بالتغيير أو الإصلاح، بينما تمت محاربة تلك الإصلاحات لسنوات طويلة ولم يبق منها سوى تلك القرارات التي لا تقبل المراجعة. فالتعددية بكل أشكالها الإعلامية والسياسية والنقابية أفرغت من محتواها، وكادت الجزائر تعود إلى الحزب الواحد وتمنع فيها المعارضة لولا استفاقتنا ذات يوم من ديسمبر 2011 على أحداث اصطلح عليها فيما بعد بالربيع العربي.

الجزائر: م. إيوانوغان

الرئيس بوتفليقة يعزي عائلة الفقيد

 بعث رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة برقية تعزية إلى أفراد أسرة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، أكد فيها أن الجزائر فقدت برحيله ''مجاهدا من الرعيل الأول تعلقت همته بتحرير الوطن من براثن الاحتلال وتخليص شعبه من مظالمه''. وجاء في برقية الرئيس بوتفليقة: ''تلقيت نبأ رحيل الأخ المجاهد الرئيس المرحوم بإذنه تعالى الشاذلي بن جديد إلى مثواه الأخير، نسأل الكريم أن يدثـر روحه الزكية بثواب أهل الجنة وأن يجتبيه إلى جواره وأن يجمعه بالسابقين الصالحين الصديقين في رياض الخلد والنعيم مع من اصطفاهم من عباده العاملين وحسن أولئك رفيقا جزاء وفاقا''.

علي بن فليس: بن جديد خدم الجزائر بلا هوادة

 أترحم على روح فقيد الجزائر المجاهد الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي خدم وطنه أثناء الثورة التحريرية، كمجاهد في سبيل الله والوطن وبدون هوادة، وكذا بعد الاستقلال في المسؤوليات المختلفة التي تقلدها، ومنها الأخيرة بصفته رئيسا للجمهورية. أتقدم بالتعازي الخالصة لأسرته الكريمة وأيضا للشعب الجزائري قاطبة، تقبله الله بواسع ألطافه في فسيح جناته مع الصالحين من عباده.

نور الدين آيت حمودة: بفضله اكتشفت رفات الشهيد عميروش

 أحترمه كمجاهد كافح داخل الجزائر، وكرئيس قام بمنح الجزائريين آفاقا جديدة، رغم أنني سجنت في عهده، بعد إنشاء منظمة أبناء الشهداء والرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان. لا أنسى أنه بفضله تمكنت من العثور على رفات أبي الشهيد عميروش، ورفيقه سي الحواس، ومهما كانت أخطاؤه، أعتبر الشاذلي أول رئيس جزائري فعلي.

موسى تواتي: ''الشاذلي من أصدق رؤساء الجمهورية''

 أعتبره من أصدق رؤساء الجمهورية، هو أب التعددية والديمقراطية، بادر بإصلاحات سياسية عميقة وبالتغيير، حاول أن يغير وجه الجزائر، لكن محاولاته أحبطت لأن أفكاره وتصوراته لم تكن تخدم مجموعات المصالح في محيطه، فأجهزوا عليها، وراح لاحقا ضحية انقلاب أبيض، وبرحيله تفقد الجزائر أحد رموزها.

فاتح ربيعي: لقد أعطى في عهده مكانة للفكر الإسلامي

 أحب من أحب وكره من كره، هو رمز من رموز الثورة والاستقلال، أسس للديمقراطية، ولكن التجربة أجهضت من قبل التيار اللائكي، إنه رجل مخلص وصاحب ضمير، ومن لطائف القدر أنه مات في ذكرى الأحداث التي قادت إلى التحولات الديمقراطية، إنه رجل يستحق التقدير والإجلال، ولا ننسى أنه بفضله تمكن الفكر الإسلامي في الجزائر وفي عهده نال العلماء والمفكرون الإسلاميون الرعاية، وفي ظل حكمه شيدت جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية.

ميلود شرفي: الجزائر فقدت أحد أبنائها البررة

 كان مناضلا من أجل القضية الوطنية ورجل بناء وتشييد، لم يدخر جهدا في المناصب التي تقلدها خلال حرب التحرير أو بعد الاستقلال في الجيش الوطني الشعبي، وفي رئاسة الجمهورية. بوفاته تفقد الجزائر أحد أبنائها البررة، وأفضل طريقه لرد الاعتبار له هو الحفاظ على الوحدة الوطنية ومكاسب ثورة أول نوفمبر.

عبد العزيز رحابي: الشاذلي كان على حق

 كديبلوماسي أعتبر الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله قد أعاد التوازن لسياستنا الخارجية مع الغرب، إذ كنا محسوبين على المعسكر الشرقي ودفعنا ثمن ذلك غاليا. الشاذلي قال لي إذا كانت مصلحة الجزائر مع الغرب فليكن كذلك، ومكنته هذه السياسة من تنويع مصادر التموين العسكري. كما كان الرئيس الوحيد الذي يؤمن أن امتداد الجزائر الطبيعي والاستراتيجي هو إفريقيا، واليوم تراجعت مكانة الجزائر إفريقيا، إذن الشاذلي كان على حق.

 صالح فوجيل: الرجل خدم الجزائريين

 لا يسعني في مثل هذه المناسبة الأليمة إلا أن أقدم العزاء لعائلة الفقيد ونعزي كذلك أنفسنا كأسرة ثورية. لقد خدم الشاذلي بن جديد الجزائريين بكل صدق وإخلاص. جمعها: ف. جمال

 خبر وفاة الشاذلي انتشر بسرعة البرق على الأنترنت

مواقع التواصل الاجتماعي تنعي ثالث رئيس للجزائر

 انتشر خبر وفاة الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد، بسرعة البرق على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، التي انتشلت من أرشيف التاريخ صورا قديمة للرئيس الذي تربع على عرش الجزائر طيلة 13 سنة.

زلزال حقيقي عرفته مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بتسرب خبر وفاة الرئيس بن جديد، فانتشرت مختلف التعليقات والصور المنشورة على هذه المواقع، في مقدمتها موقع ''فايس بوك''، بسرعة مذهلة بعد أن تعامل الجميع بحذر خلال الأيام الأخيرة مع خبر تدهور الحالة الصحية لخليفة هواري بومدين، في غياب أي أخبار من مصدر رسمي أو مقرب من العائلة ليعلم الجزائريين عن الوضع الصحي للمرحوم.

الحدث دفع بالكثيرين لانتشال صور ستظل عالقة في تاريخ الجزائر، صورا ارتبطت بمحطات هامة في تاريخ الجزائر الحديث. وإن أجمعت كل التعليقات على الترحم على روح الشاذلي بن جديد، راح البعض الآخر في ذكر مناقب الفقيد، فهناك من أراد التذكير بأن اسم الشاذلي بن جديد سيظل مرتبطا إلى الأبد بفتح المجالين السياسي والإعلامي.

واللافت للانتباه أن أغلب مرتادي هذه المواقع من جيل لم يعرف حكم الرئيس الراحل، وهذا لم يمنعهم من التعليق بالكثير من الدقة على حقبة الفقيد، ما يشير أن الشاذلي بن جديد ترك بصماته في تاريخ الجزائر الحديث لارتباط حكمه بمحطات هامة ومفصلية في نهاية القرن الماضي. ولم يفوت آخرون التذكير بأن الرجل رحل عشية نشر الجزء الأول من مذكراته التي عاد فيها إلى مسيرة حياته، ما سيجعلها، حسب تعليق الأغلبية الساحقة، كتاب سنة 2012 دون منازع.

الجزائر: فاروق غدير

  حداد 8 أيام وبن جديد يوارى الثـرى غدا 

  أشار بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، مساء أمس، أنه سيتم إلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد منتصف نهار اليوم بقصر الشعب، ''لتمكين أفراد الأسلاك النظامية والمواطنين من توديعه''. وأضاف البيان أنه سيتم تشييع جنازة الراحل يوم غد الإثنين بعد صلاة الظهر بمربع الشهداء بمقبرة العالية في العاصمة.

وإثـر وفاة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، قرر رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إعلان الحداد الوطني لمدة ثمانية أيام ابتداء من يوم أمس السبت.

الخبر


Navigate through the articles
Previous article هل فرّ إبراهيم نافع إلي خارج البلاد؟ طوارق مالي يتراجعون عن الإنفصال Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع