جاءت الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء المصرى الدكتور هشام قنديل إلى الخرطوم لتؤكد أهمية وضرورة توطيد وتعزيز العلاقات المصرية السودانية، بعد أن قام النظام السابق بالتعامل مع الملف السودانى تعاملًا أمنيًّا طوال ثلاثين عامًا، ولأن مصر والسودان شعب واحد ولأن الإرادة الشعبية تسعى دائمًا لعودة الوحدة فى البلدين، استبشر الجميع خيرًا بهذه الزيارة واعتبرها مقدمة لعودة العلاقات والتعاون والتكامل الاقتصادى بين الدولتين، كمقدمة طبيعية للوحدة السياسية بين مصر والسودان شريطة توافر الإرادة السياسية لذلك.
عن هذه الزيارة وغيرها
التقت "الشعب" الملحقَ الاقتصادى لسفارة السودان بالقاهرة السيد/ محمد على عبد
الله، وأجرت معه هذا الحوار:
* كيف ترى العلاقات المصرية السودانية بعد الثورة؟
* ما هي أهم التغيرات الايجابية التي حدثت
في العلاقة بين البلدين بعد الثورة؟
** أهم هذه التغيرات الايجابية هو نقل ملف العلاقات المصرية السودانية من جهاز المخابرات إلى وزارة الخارجية ففي السابق كان لا يمكن أن يمر شيء إلا عبر المخابرات وكان التعامل مع العلاقات بين البلدين تعامل امني من الجانب المصري ولكن بعد الثورة انتقل الملف إلي وزارة الخارجية ووزارة التعاون الدولي والإفريقي وهذا أفضل بكثير.
* ما تقييمك لزيارة رئيس
الوزراء المصرى إلى الخرطوم؟ وما أهم المشروعات المشتركة بين البلدين؟
** هذه الزيارة
بادرة إيجابية وفتحة خير وأمل للعلاقة المشتركة بين البلدين، فرغم تأخر العلاقات
بين مصر والسودان، إلا أنه خلال الثلاث شهور القادمة سيكون للسودان مع مصر ثلاثة
طرق برية مكتملة؛ فهناك الطريق البرى غرب النيل والذى سيتم افتتاحه نهاية شهر
ديسمبر القادم وسيكون منفذًا وطريقًا بريًّا بين البلدين وسيربط الخرطوم
بالإسكندرية مباشرة، ومن خلال هذا الطريق يمكننا أن نربط صادرات السودان والدول
المجاورة لها بدول العالم؛ إذ سيكون هذا الطريق منفذًا للسودان على البحر الأبيض
المتوسط، وفى الوقت نفسه سيساعد على وصول صادرات ومنتجات مصر إلى السودان وإفريقيا
كلها، وسيكون له فائدة كبيرة للدولتين وسوف يوفر الجهد والتكلفة والزمن.
والطريق الثانى هو طريق شرق النيل، وقد تم الانتهاء من تجهيزه، وكان من المفترض أن يتم افتتاحه خلال زيارة رئيس الوزراء المصرى إلى الخرطوم ولكن تم التأجيل، وهذا الطريق يربط الخرطوم بالقاهرة مرورًا بدنجلة ووادى حلفا وأبو سنبل وأسوان، والسبب الذى أخر افتتاحه هو أنه كان قد تم الاتفاق بين البلدين على أن يقوم كل منهما ببناء المنشآت الإدارية الخاصة به من الجوازات والحجر الصحى والتى تنظم الدخول والخروج بين البلدين، ولكن الجانب المصرى لم ينته بعد من بناء المنشآت الخاصة به، وبعد الانتهاء سيتم الافتتاح بعد التوقيع على برتوكول النقل البرى بين البلدين والذى سينظم حركة الأفراد والبضائع والسلع.
وهذا الطريق سيوفر الكثير من المال والوقت والمجهود فهذا الطريق يربط وادى حلفا بـ "أبو سنبل" مسافة 70 كيلو مترًا فقط، وكان فى السابق إذا أراد أحد السفر من مدينة وادى حلفا السودانية إلى مدينة "أبو سنبل" المصرية كان عليه أن يذهب جنوبًا إلى الخرطوم حوالى 800 كيلو متر، ثم يركب الطائرة إلى القاهرة وهى تكلفة عالية، ومنها يسافر جنوبًا مرة أخرى إلى "أبو سنبل".
أما الطريق
الثالث فهو طريق شرق النيل وقد اكتمل أيضًا، وهو طريق ساحلى على البحر الأحمر؛ يبدأ
من مدينة "بور سودان" السودانية ويصل إلى مدينة السويس المصرية ولكن سيتأخر افتتاحه
بعض الوقت لأن به بعض المشكلات السياسية لأنه يمر بمثلث حلايب وشلاتين، وهى منطقة
متنازع عليها بين البلدين، ولكن رغم ذلك فالطريق يعمل ولكن بصورة غير رسمية،
ويستخدم فى عبور سيارات مبردات اللحوم والتى تصل إلى مصر من خلاله.
* وماذا عن سكة الحديد؟
هل يوجد خطة لبناء خط سكة حديدية واحد بين القاهرة والخرطوم؟
** مشكلة سكة الحديد هى أنه منذ الاستعمار الإنكليزى للبلدين المصرى والسودانى حرص المستعمر على ألا يكون هناك خط سكة حديدية واحد يمتد بين البلدين، فقام ببناء خطوط سكك الحديد فى السودان أضيق قليلًا من مثيلاتها فى مصر، ولكن إن شاء الله سنقوم قريبًا بإعادة بناء خطوط سكك حديدية جديدة تكون بمواصفات خطوط السكك الحديدية نفسها فى مصر، من أجل أن يكون هناك خط سكة حديدية واحد يمتد بين القاهرة والخرطوم.
* كيف يمكن أن يستفيد البلدان من التعاون فى مجال الثروة الحيوانية؟
** يوجد مصلحة
اقتصادية كبيرة مشتركة، فمصر كانت تستورد اللحوم من أمريكا الجنوبية والهند
والبرازيل وأستراليا، وكانت رحلة وصول اللحوم تستغرق أكثر من شهر فى البحر، علمًا
بأنه وفقًا للتوصيات العلمية العالمية لا يجب أن تشحن اللحوم فى المبردات أكثر من
14 يومًا فقط، بالإضافة إلى أن الأسعار مبالغ فيها جدًّا. ولكن منذ قيام ثورة 25
يناير بدأت عربات المبردات فى نقل اللحوم من السودان إلى مصر عبر الطريق الساحلى،
وهو ما ساعد على انخفاض أسعار اللحوم فى مصر إلى النصف تقريبًا؛ لأن تكلفة نقل الطن
من اللحوم تصل إلى أقل من 200 دولار ويتم النقل فى حوالى 20 ساعة فقط، أما التكلفة
عبر الطيران من الخرطوم إلى القاهرة تصل إلى 1200 دولار فى ساعتين فقط، وهذا
الانخفاض فى السعر سينعكس على الأسعار وسيكون من مصلحة المستهلك المصرى والمنتج
السودانى، مع العلم أن كل اللجان البيطرية والحجر الصحى فى السودان وعملية الذبح
كله يتم تحت إشراف مصرى.
* وهل من المنتظر أن يحدث
تعاون فى مجال الأمن الغذائى بشكل عام وزراعة القمح بشكل خاص؟
** منذ الثورة بدأت مشروعات مشتركة بين مصر والسودان فى مجال الغذاء؛ إذ منحت السودان وزارة الزراعة المصرية مليونًا و250 ألف فدان بالولاية الشمالية، وقامت مصر بإنشاء بعض المزارع التجريبية على بعض هذه المساحة والتى أنتجت إنتاجية عالية من القمح، مما سيساعد مصر مستقبلًا على الاكتفاء من القمح وعدم استيراده من الخارج بعد ذلك. بالإضافة إلى أن هناك العديد من المشروعات المشتركة المرتبطة بالأمن الغذائى.
* فى رأيك كيف يمكن أن تسهم عودة العلاقات بين البلدين فى حل المشكلات التى تتعلق بملف مياه النيل؟
** يوجد تنسيق كامل الآن بين مصر والسودان فى هذا الشأن؛ إذ تم إنشاء لجنة مشتركة بين وزارتى الخارجية السودانية والمصرية، وقاموا بتوحيد موقفهم فى مبادرة حوض النيل وأصبحوا يتحدثون لغة واحدة، ولهم ورقة واحدة وموقف واحد فى التفاوض؛ فمصر والسودان هما دولتا المصب ومصلحتهم واحدة، ويتم الآن دراسة الفكرة التى طرحتها إثيوبيا لإقامة سد وبحيرة صناعية على حدودها مع السودان مع مراعاة جانب السلامة وأنه لن يوثر على حصة مصر والسودان.
* هل تفعيل اتفاقية "الحريات الأربعة" بين البلدين ستساهم فى حل مشكلة البطالة فى مصر؟
المصريون يمكن أن يستفيدوا من اتفاقية الحريات الأربعة والتى تم توقيعها بين البلدين منذ عام 2004، ولكن نظام مبارك فى ذلك الوقت أعاق تفعيلها من الجانب المصرى، وهى تسمح للمصريين بحرية التنقل وحرية العمل من دون أذن عمل وحرية التملك والبناء وحرية الاستثمار داخل السودان، ومنذ ثورة 25 يناير ارتفعت نسبة العمالة المصرية إلى حوالى 40% من العمالة الأجنبية فى السودان. بالإضافة إلى أن الجانب المصرى تقدم خطوة بعد الثورة فى تطبيق الاتفاقية، وبدأ السماح للأطفال والنساء والرجال فوق سن الـ50 عامًا بالدخول إلى مصر من دون تأشيرة دخول وتقتصر التأشيرة الآن على الذكور السودانيين من سن 16 إلى 50 عامًا.
* ما حجم الاستثمارات المصرية الآن فى السودان وما المتوقع لزيادتها فى الفترة القادمة؟
** السودان كانت
ولا تزال تدعو إلى أن تتحرك الاستثمارات المصرية جنوبًا، فهذا مطلوب لتقوية العلاقة
بين البلدين ونحن لدينا منذ الثورة حتى الآن دراسات جدوى للاستثمارات تقدر بحوالى 7
مليارات دولار تم تنفيذ حوالى 10% منها، وأعتقد أن مصر يجب أن تسعى لكى تملأ
الفراغات الموجودة فى السودان حتى لا تملأها الصين أو ماليزيا، فهذا سيجعل الشعبين
متصلين، فالعلاقة والترابط الاقتصادى سيقوى علاقة الشعوب وعلاقة الشعوب هى التى
تدوم حتى لو اختلفت بعد ذلك الحكومات، فقوة اقتصاد السودان هى قوة لاقتصاد مصر
والعكس صحيح، وتكاملهم مع بعض من خلال إقامة المشروعات أصبح ضرورة كبيرة، كما أن
الاستثمار المصرى فى السودان سيساعد على أن تصل المنتجات المصرية إلى إفريقيا كلها.
وبالمناسبة المستثمر المصرى أفضل للسودان من المستثمر الأجنبى لعدة اعتبارات:
منها أنه لا يوجد حاجز لغوى أو دينى أو
نفسى، فالسودانى يعرف عن مصر كل شىء، ولا يشعر بالغربة فى التعامل مع المصريين.
والمستثمر المصرى يستفيد من الحريات الأربعة بخلاف المستثمر الأجنبى الذى يطبق عليه عدة شروط؛ منها أن يلتزم مثلًا بنسبة عمالة سودانية، كما يجب أن يقوم بتدريب عمالة بنسبة معينة، أما المصرى يستثمر كل أمواله بكل أريحية من دون أى شروط. والأسبوع الماضى قام أحد المستثمرين المصريين بشراء الحصة الفرنسية فى شركة "أرياب للتعدين السودانية" وتبلغ نسبة الحصة حوالى مليار و200 مليون دولار أى ما يعادل حوالى 40% من أسهم الشركة. والسودان طرحت أن تقوم مصر بالاستثمار فى مجال اكتشاف وتكرير البترول واستخراج الذهب والحديد والمنجنيز والثروة المعدنية عمومًا.
* يرى البعض أن كل ذلك ما هو إلى خطوة على الطريق من أجل وحدة مصر والسودان؟
** مصر والسودان كانتا دولة واحدة منذ 60 عام والعلاقات المصرية السودانية قائمة على العواطف؛ فنحن نشرب من نيل واحد ولنا دين واحد بالإضافة إلى النسب والمصاهرة بين البلدين، والشعب السودانى كان من أشد الشعوب فرحًا بالثورة المصرية لشعوره بأن ذلك سيساهم فى عودة العلاقات، ومعظم السودانيين تعلموا فى الجامعات المصرية كما أن السودانيين يسافرون كثيرًا إلى مصر إما للسياحة أو للعلاج أو للتعليم، وهناك إحصائية تقول إن عدد الشقق المملوكة لسودانيين فى القاهرة وصلت على 15 ألف شقة، فهم ينظرون إلى مصر باعتبارها أم الدنيا، ولكن يبقى أن نقوم بتقوية كل ذلك من خلال التشابك فى المصالح الاقتصادية، وأعتقد إن حدث ذلك فسيكون نواة لوحدة المثلث الذهبى (مصر والسودان وليبيا) فالإرادة الشعبية موجودة، وبدأت تتوج بالإرادة السياسية والحكومية بين البلدين بعد ثورة 25 يناير، ويكفى أن أقول إن فى ليبيا حوالى 6 مليون نسمة ولكن فيها رءوس أموال ضخمة، وفى السودان حوالى 30 مليون نسمة وهى غنية بالموارد الطبيعية والثروة المعدنية والحيوانية وفيها الأراضى، وفى مصر حوالى 90 مليون نسمة وفيها الأيدى العاملة المدربة وفيها المهارات والخبرات التكنولوجية، فإذا استطاعت أن تتكامل هذه العناصر فى دولة واحدة فستصبح أقوى دولة فى المنطقة كلها فمن يملك قوْته يملك قراره.
الشعب الجديد
Navigate through the articles | |
ندوة عن الدستور الجديد ومستقبل مصر بجامعـة المنيـا | المنظمة الفرنكوفونية في كينشازا |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|