المقالات و التقارير > واشنطن تريد مشاركة الجزائر في العمليات العسكرية بمالي

واشنطن تريد مشاركة الجزائر في العمليات العسكرية بمالي

يبدي الباحث الجزائري والأستاذ المحاضر بالمعهد الأوروبي بجنيف، د. حسني عبيدي، مخاوف من احتمال استقرار طويل لقوات أجنبية في الساحل، لأن ذلك سيعطي مبررا لـ''الجهاد ضد المغتصب''. ويعطي الباحث عبيدي، في حوار مع ''الخبر''، تحليلا لأبعاد زيارة كلينتون للجزائر، ويشرح أسباب حرص فرنسا على أن تؤدي بلدان ''إكواس'' بنفسها مهمة خوض المعركة مع الإرهاب في شمال مالي،

بدل قوة دولية أو أممية.

سعت وزيرة الخارجية الأمريكية إلى إقناع المسؤولين الجزائريين بالانخراط في الحملة العسكرية المرتقبة بشمال مالي. لماذا تحرص القوى الغربية على إشراك الجزائر في هذا المسعى؟

 تحرص فرنسا حرصا شديدا على دعم الولايات المتحدة عسكريا وسياسيا في شمال مالي. لكن موقف واشنطن يتراوح بين الغموض والتردد. زيارة كلينتون للجزائر من شأنها أن تحسم الموقف الأمريكي تجاه مالي. السيدة كلينتون تريد التعرف عن قرب على حيثيات الموقف الجزائري، ومن ثم تحديد موقفها، كما لا أستبعد أن تعمل كلينتون، بطلب من فرنسا، على تليين الموقف الجزائري بخصوص الحرب المرتقبة في شمال مالي.

واشنطن تعي جيدا أن دور الجزائر في أزمة مالي محوري. الجزائر لها دراية كافية بمالي ولها نفوذ قوي هناك، منذ أن تبوأت دور المحاور الرئيسي للسلطات في مالي والتوارف، إضافة إلى التجربة الفريدة في محاربة الجماعات المسلحة والتي فرضت نفسها كمقارنة في ما يسمى محاربة الإرهاب.

واشنطن لا تقتنع فقط بحياد إيجابي من الجزائر، تريد مشاركة إيجابية في العمليات، وهو ما ترفضه السلطات الجزائرية. وهي على حق لأن السلطة المركزية المالية عاجزة عن ملء الفراغ في الشمال الذي يمكن أن يعيد حنين النعرات الاستقلالية لدى منطقة الأزواد، وهو سيناريو يؤرق الجزائر.

لماذا برأيكم غيرت الجزائر موقفها من التحفظ على حسم الموقف عسكريا في مالي، إلى الموافقة عليه بعد إصدار اللائحة 2071؟

 لن يكون حسما بالضرورة. تدخل عسكري نعم، لكن أن تحسم الأمور عسكريا في منطقة تتداخل فيها المصالح الخارجية مع بنية داخلية معقدة، بين عوامل قبلية ودينية وسياسية واجتماعية، فهذا غير وارد.

وجدير بالذكر أن صانع القرار السياسي في الجزائر تغلب عليه محددات ثابتة تتمثل في عدم التدخل في شؤون الغير ومعارضة العمل العسكري في منطقة ذات أهمية سيادية بالنسبة للجزائر. لا يمكن للجزائر الاستمرار في الرفض، لأنها كانت من الدول السباقة في المطالبة بمقاربة دولية لمحاربة الإرهاب.

الجزائر تعي أن الحسم العسكري سيكون معقدا وصعبا، ويتطلب تواجدا للقوات الأجنبية على حدودها، وبالتالي حدود برية وجوية مكشوفة لقوى أجنبية. أخيرا، لا تريد الجزائر تحمل التبعات الأمنية والإنسانية وحدها، خاصة أن التدخل العسكري كما تم تسويقه غير مقنع.

صحيح أن موقف الجزائر أصبح أكثـر إيجابية، لكنه مازال يرجح الحل التفاوضي بدل الحل العسكري. مبدئيا، من الصعب على الدبلوماسية الجزائرية، وهي التي تتمسك بالشرعية الدولية، أن تعارض القرار الأممي، خاصة أن هناك شبه إجماع على موضوع التدخل. يجب ألا ننسى أن الاتحاد الإفريقي لا يعارض دول إفريقيا الغربية في مساعدة مالي. الجزائر حريصة على ألا تتعارض سياستها مع أولوياتها الإفريقية، وبقبولها المشروط القرار الأممي، تريد الجزائر، وبواسطة واشنطن، ألا يكون التدخل بدونها ولا على حساب مصالحها. أي أن الجزائر تتفاوض الآن على طبيعة وشروط التدخل، وهو تطور مهم يشير إلى أن موقف الجزائر تفاوضي أكثـر من أن يكون نهائيا.

كيف تقرأون إصرار فرنسا على أن تؤدي دول ''إكواس'' مهمة انتزاع شمال مالي من سيطرة الجماعات المسلحة، بدل أن تقوم بذلك قوة دولية مثلما جرى في مناطق أخرى من العالم؟

فرنسا لا ترغب في قوى دولية أو أممية لثلاثة أسباب:

- صعوبة الحصول على تفويض أممي لقوة دولية، إضافة إلى تعقيدات تكوين قوة أممية، خاصة أن قوات الأمم المتحدة غير جاهزة فوريا وتحتاج إلى مزيد من الوقت.

- فرنسا تريد إعطاء بعد إفريقي محلي للتدخل في مالي بدل تدويل الأزمة، حتى لا تثير مخاوف مالي وخاصة قبائل الشمال.

- السبب الأهم هو أن فرنسا تريد أن تكون الراعي الوحيد والأساسي في عملية الحسم لتداخل مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية. أما ''إكواس'' فسيكون دورها لتغطية عملية خططت لها وتنفذها فرنسا.

ما هي عوامل نجاح الحملة العسكرية الجاري الإعداد لها حاليا؟

 لابد من مواصلة مسار التفاوض قبل عملية التدخل العسكري، ومحاورة جميع الأطراف الداخلية بما فيها جماعة ''أنصار الدين'' و''حركة تحرير شمال مالي'' والقوى الخارجية بما فيها الجزائر، وذلك لضمان مرحلة ما بعد التدخل العسكري.

- العمل على عقد مصالحة وطنية تبدأ بعودة الدولة إلى الشمال وإنهاء تهميش هذه المنطقة، إضافة إلى تدعيم المؤسسات في مالي وتطوير جيش وطني وليس جيشا انقلابيا.

إلى أي مدى يمكن أن تنجح مهمة قوة عسكرية كلاسيكية في مواجهة جماعات تمارس حرب عصابات في الصحراء ؟

 لن تنجح على المديين المتوسط والطويل في منطقة تتجاوز مساحتها فرنسا وإسبانيا مجتمعتين. ولأن الجماعات المسلحة تتمتع بميزات لا تتوفر في الجيوش النظامية، إضافة إلى طبيعة تشكيلها كجماعات صغيرة وسريعة الحركة، ومعرفتها بتضاريس المنطقة، فإنها تؤرق الجيوش. ولذلك فإن تحفظ الجزائر مشروع، لتجربتها الأمنية الطويلة. لذا يعد إشراك القبائل المحلية وتدعيم جيش وطني ضمانة لإنجاح هكذا تدخل.

هل توافقون على الطرح الذي يقول إن منطقة الساحل بصدد التحول إلى أفغانستان ثانية؟

 لكل منطقة خصوصيتها وتركيباتها الاجتماعية. لكن يمكن القول إن حالة مالي مرشحة للوصول إلى أزمة إرهاب عالمية. جاذبية منطقة الساحل والفراغ الأمني فيها يجعل منها مقصدا مفضلا لكل أنواع الإرهاب. قربها من دول تعاني من عدم استقرار سياسي وأمني يسهل تغلغل الجماعات المسلحة ويجعلها ثكنة مفتوحة وآمنة. أما فرنسا فتعتبر الساحل منطقة نفوذ واستمرار لعلاقة استعمارية سابقة تحتوي على ثـروات حيوية، كاليورانيوم والذهب، وهي عوامل ترفع أسهم منطقة الساحل في ميزان الغرب، والخوف كل الخوف هو أن تواجدا مستمرا لقوات أجنبية دون مقاربة شاملة، يعطي مبررا لتجنيد المسلحين وتسويق ''الجهاد'' ضد ''المغتصب"

الخبر


Navigate through the articles
Previous article كنيسة الوطن ووحدة الوطن حول «الجمعية التأسيسية» و«الليبرالية» و«الشريعة» Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع