المقالات و التقارير > سيناء تستغيث فهل من مجيب؟

سيناء تستغيث فهل من مجيب؟

كلما وردتنا المزيد من الأخبار التعيسة السيئة من سيناء بسقوط شهداء هجمات الغدر والخسة، نضع أيدينا على قلوبنا الموجوعة مرددين "استر يارب"، ثم تأتى قوافل المعلقين والمحللين الذين يطلقون صيحات التحذير من أن سيناء تضيع، وأنها أضحت ملعبًا واسعًا لجماعات جهادية متطرفة وللموساد الإسرائيلى، يلى ذلك ذهاب وزراء من الحكومة للعريش، للإطلاع على حقيقة الأوضاع المزعجة على أرض الواقع والإدلاء بتصريحات تفيد بأن الأمر تحت السيطرة، وأنه لا تهاون مع الإرهاب، وتشديد الإجراءات الأمنية بزيادة عدد الأكمنة الثابتة والمتحركة. بعدها تهدأ العاصفة وتنزوى أنباء سيناء فى ركن بعيد، انتظارًا لحلقة جديدة من حلقاتها بمهاجمة سيارة شرطة وقتل من فيها أو تفجير أنبوب الغاز أو قطع الطرق الرئيسية، احتجاجا على تدهور الأمن فيها.

الصورة بهذا الشكل تتضمن كل عناصر وسمات العبث والاستهتار من قبل الحكومة ومعها الشعب المصرى ونخبته البائسة، وأن بقيت على حالها هكذا فليس ببعيد أن نستيقظ فى الصباح لنجد سيناء أثرا بعد عين، وأزدك من الشعر بيتا بأن استعادة سيناء من يد خاطفيها وقطعها سيكون المقياس العملى المعترف به بنجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير، وعلى كل المؤمنين بالثورة والحريصين على عدم إجهاضها توجيه أبصارهم وسواعدهم لتلك البقعة المهمة من مصرنا العزيزة بالفعل لا باللسان.

وبدون مواربة لنتصارح بشأن حفنة من الحقائق الماثلة أمامنا ونغض الطرف عنها، فى أعقاب الثورة، وكلها تقودك إلى أن ما يحدث فيها لا يبغى سوى كسر أُنفَ الدولة المصرية. فسيناء ترزح تحت إهمال أمنى لا لبث فيه، وأخبرنى بالله عليك، كيف يهاجم ملثمون فى واضح النهار دورية للشرطة فى العريش بهذه السهولة والجرأة، إلا إذا كانوا مطمئنين إلى أن أحدًا لن يعوقهم، كذلك كيف تستمر الهجمات على قوات الشرطة والجيش، رغم تنفيذ عملية واسعة النطاق اسمها "النسر"؟ فما نراه من دلائل واقعية تفيد بأن سيناء أقرب لساحة شاسعة بمقدورك فعل أى شىء فيها بدون أن تخشى من عقاب أو مساءلة.

الصراحة تقتضى أيضا القول: إن بدو سيناء يتحملون مسئولية عظمى عن تردى أحوالها، فكونهم قاسوا ما قاسوه من عذاب وتهميش وذل خلال عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، لا يجيز لهم تقديم مصلحتهم، وإجبار الدولة على العفو عن معتقلين من أبنائهم يتاجرون فى المخدرات وتهريب البشر والسلع. ففى الوقت الذى كانت فيه أقسام الشرطة خالية، عقب حادث العريش الأخير، قطع بعض البدو الطرق الرئيسية، للمطالبة بإسقاط الأحكام الصادرة بحق نفر منهم منذ الثورة.

فأين تكاتفهم ووقوفهم كصف واحد فى مثل هذا الظرف العصيب؟ وأتساءل: أليس أهل مكة أدرى بشعابها، بمعنى أن قبائل سيناء تعرف على وجه اليقين مَنْ الغريب والدخيل عليهم، ومَنْ الذى يُنفذ الهجمات، لأنهم بكل تأكيد لم يأتوا من المريخ أو كوكب آخر، بناء عليه فإنهم مطالبون بتقديم الصالح الوطنى على الفئوى، رغم معاناتهم التى لن تعرف طريقها للحل بين يوم وليلة. ونحن كمواطنين نتحمل نصيبًا من المسئولية، فكلنا ومعنا مكونات المجتمع السياسى والدينى نكتفى بمصمصة الشفاه، وإطلاق الحناجر عن مؤامرة إسرائيل للاستيلاء على سيناء، وإعدادها كوطن بديل للفلسطينيين، ولم أر أحدا من الجهابذة الذين يصدعوننا من كثرة ظهورهم فى الفضائيات، حيث ساحة نضالهم الوحيدة، يدعو الأتباع والمريدين للمشاركة فى جهاد يحبه الله ورسوله بتعمير هذا الجزء المهم من البلاد، لكنهم يهتمون أكثر بما يجرى فى سوريا تاركين الموقع الأمثل لجهادهم وعرقهم. نحن آثمون ولا أجد تكفيرًا مناسبًا عنها سوى فى إسراع الحكومة بتوفير اعتمادات مالية تسمح بإنعاش اقتصاد سيناء سريعا، وأن يمد البدو يدهم لإخوانهم فى الوادى لإخراجهم من أزمتهم وبؤس حالهم، وأن تتصرف قوات الأمن بحرفية فائقة تمكنها من السيطرة على المكان، وأن نبدأ حملة قومية لنجدة سيناء ليس بالمال، بل بالفكر والجهد بدلا من إضاعة الوقت فى الدعوة لمليونيات تزيد من انقساماتنا وخلافاتنا فسيناء تستغيث بكم، فهل من مجيب؟

اليوم السابع


Navigate through the articles
Previous article الرسالة الى بابا دول أوروبية تبحث عن ممول للعملية العسكرية في شمال مالي Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع