عدت مرة ثانية بعقارب الساعة إلى الوراء وفتشت فى دفاترى القديمة عما كتبت أثناء العدوان الإسرائيلى على غزة فى ديسمبر 2008، وكيف وضع نظام مبارك مشاكل مصر فى مواجهة مشاكل فلسطين، واعتبر نفسه «حارس مصر أولاً»، وأوهم الناس بأن القوى الإسلامية والقومية ترغب فى محاربة إسرائيل وإهدار خيرات مصر على الفلسطينيين، كما فعل عبدالناصر.
وجاء مرسى وذهب مبارك، وتعامل البعض على أن الأول هو رجل «غزة أولا»، ووضعوا مصر فى مواجهة غزة، واعتبروا أن شهداء القطار فى صعيد مصر بسبب التضامن مع غزة، وكأن دعم غزة تسبب فى استشهاد هؤلاء الأطفال وليس فشلنا وخيبة حكامنا الثقيلة.
الطبيعى أن يهتم المصريون - مثل كل شعوب الأرض - ببلدهم أولا، ثم بعد ذلك بأشقائهم وجيرانهم، ولا يجب أن نعيد خطاب «مبارك معكوسا»، ونعتبر تعثر الرئيس الحالى وإخوانه فى حل مشاكل مصر بسبب التضامن مع غزة، والحقيقة أنهم تعثروا لعدم وجود رؤية سياسية للتعامل مع المشكلات الواقعية، ورغبتهم فى الاستحواذ والاستئثار لا الإصلاح والنهوض بالبلد.
حين اشتدت حملة رجال مبارك على الشعب الفلسطينى وكالت له تهماً كثيرة بعضها وصل لحد العنصرية السفيهة، وربط البعض بين انهيار صخور من جبل المقطم على سكان منطقة الدويقة وبين ضرورة عدم دعم الفلسطينيين، فقلت: «غزة ليست فى مواجهة الدويقة» فى مقال نشر بـ«المصرى اليوم» وجاء فيه:
كلما زاد الحصار حول غزة، وبدا واضحا تواطؤ النظام الدولى، وعجز النظم العربية، خرج علينا خطاب يقول إن علينا أن نهتم بمشاكلنا، وإن غزة ليست أولى من «الدويقة»، وإن مصر مليئة بمشكلات اقتصادية وسياسية لا حصر لها، علينا أن نواجهها أولاً قبل أن نهتم بدعم غزة والقضية الفلسطينية، عملا بالمثل الشعبى «ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع».
وقد قامت أجهزة الأمن بجهود «مخلصة» ودؤوبة لمنع وصول أى مساعدات تذكر إلى هناك، وإغلاق الحدود فى وجه الفلسطينيين والمصريين على السواء، ومنع أى قافلة من الذهاب إلى قطاع غزة، حتى لو لم تضم إلا بعض السياسيين والقضاة ونواب الشعب.
يجب ألا يتصور أحد أن من يقول إن مشكلات مصر سببها القضية الفلسطينية هو صادق فى كلمة واحدة مما يقال، فقد أوقفت مصر حروبها مع إسرائيل منذ أكثر من ٣٥ عاما، وانفردت بتوقيع اتفاقية سلام منذ ٣٠ عاما، ورغم ذلك فشلت فى تحقيق التنمية الاقتصادية والإصلاح السياسى ببراعة وحكمة تحسد عليهما، ومازالت تردد نفس هذا الكلام البالى عن أن من يحتاج إلى الدعم هو فقط المواطن المصرى.
والمؤكد أن مصر غير مطالبة بالدخول فى حروب أو مغامرات عسكرية ضد إسرائيل، ولم يطلب منها أن تهمل مشكلات المصريين لصالح حل مشكلات الفلسطينيين، ولكن فشلها فى حل مشكلات المصريين جعلها تخلق تناقضاً وهمياً بين التعاطف مع القضية الفلسطينية وبين مشكلات المصريين.
إن تعاطف مرسى مع فلسطين وغزة لا يجب أن يدفع بالبعض نكاية فيه إلى كراهيتهما، فالمطلوب هو دعم القضية الفلسطينية بقدر ما نستطيع، وأن هذا الدعم لن يكون مؤثراً إلا إذا نجحنا أولا فى أن يكون عدد شهداء حوادث القطارات فى مصر أقل من شهداء العدوان الإسرائيلى على غزة.
المصري اليوم
Navigate through the articles | |
واقع مرسي الجديد لأخونة مصر | هذه مصر التي انتظرناها |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|