المقالات و التقارير > تونسيون في فخّ الربيع العربي وآخرون في فخّ التطبيع

تونسيون في فخّ الربيع العربي وآخرون في فخّ التطبيع

قد تسعى تونس ما بعد الثورة الى تجريم التطبيع مع  اسرائيل لكنها لن تقدر على كبح جماح بعض المنظمات الدولية لاستمالة بعض التونسيين للدفاع عن الكيان الصهيوني.. فمن هي هذه المنظمات ومن هم هؤلاء التونسيين؟

 عادت المجزرة الرهيبة التي ترتكبها هذه الأيام الآلة العسكرية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل لترمي بظلالها على مسألة التطبيع مع اسرائيل وتطرح أكثر من سؤال حول النوايا الحقيقية لدعاة التطبيع ومن يقف وراءهم وكيف يتمّ انتدابهم وشروط اختيارهم وطرق تكوينهم ومن ثمّة الزجّ بهم في واجهة الأحداث للتأثير على الرأي العام في بلدانهم وفي تونس لا تزال ردود الفعل في قلب الصراع داخل المجلس الوطني التأسيسي بعد التصريحات «المزعومة» لرئيس المجلس السيد مصطفى بن جعفر خلال زيارته لفيانا في شهر سبتمبر الماضي والتي قالت تقارير صحفية إن رئيس المجلس الوطني التأسيسي لا يعارض تجريم التطبيع مع اسرائيل في الدستور القادم للبلاد التونسية بل وقد يكون اتهم أقلية قومية متطرّفة داخل المجلس بإثارة هذا الموضوع.

 على صحّة هذه التصريحات من عدمها فإن مسألة التطبيع مع  العدو الصهيوني هي أولوية الأوليات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية بل إن مشروع الشرق الأوسط الكبير يرتكز أساسا على إجبار الأنظمة العربية بالقبول بوجود دولة اسرائيل كشريك سياسي واقتصادي وثقافي لا يختلف عن أي دولة عربية أخرى وأمام الرفض الشعبي لهذا المطلب تسعى الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها لوبيات صهيونية تتحكّم بشكل كبير في السياسة الخارجية الأمريكية الى استمالة بعض العرب سواء من الشخصيات السياسية أو من الوجوه البارزة في المجتمع المدني لتمرير مشاريعها والترويج لها وفرضها كأمر واقع وتسهيل استساغتها من قبل الرأي العام.

 ومن أجل هذا الهدف تشكّلت عديد المنظمات غير الحكومية في الولايات المتحدة التي تروّج لفكرة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ونجحت في استمالة العديد من المعارضين والنشطاء الحقوقيين والاعلاميين من خلال دورات تكوينية الهدف منها تذويب الكره التاريخي لأي مواطن عربي لدولة اسرائيل وتقديم هذا الكيان على أنه مجتمع ديمقراطي يكرّس مبادئ حقوق الإنسان على عكس بقية الدول العربية التي تحكمها دكتاتوريات تقمع شعوبها وتنهب خيراتها.

 وفي تونس شاركت العديد من الشخصيات السياسية والحقوقية والاعلامية ومدوّنون ونقابيون في هذه الدورات إما عن حسن نيّة أو عن قصد، منهم من بقي على علاقة بهذه المنظمات ومنهم من رفض التعامل معها بعدما اكتشفوا النوايا الحقيقية لهذه المنظمات الاستخباراتية المتستّرة خلف غطاء النشاط الحقوقي.

 «فريدم هاوس»

 شاركت العديد من الشخصيات السياسية المعارضة في فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي وكذلك حقوقيون وإعلاميون ومدوّنون ونقابيون في تربصات قامت بها هذه المنظمة التي تنتدب وفق شروط معيّنة أهمّها أن يكون المنتدب من الشخصيات الناشطة في ميدانه ومؤثرا في الرأي العام ومن قادة الرأي ولا يكنّ عداء للولايات المتحدة الأمريكية وكانت منظمة «فريدم هاوس» قد تأسّست سنة 1941 بدعم من وكالة الاستخبارات الأمريكية وبأمر خاص من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلت.

وكانت أول رئيس لهذه المنظمة هي زوجة روزفيلت شخصيا السيدة ألينيور روزفيلت وساعدها في مهامها المحامي الصهيوني ويندل ويكلكي أحد أهم المتحمّسين أيامها لإقامة دولة صهيونية في الشرق الأوسط بل وكان أحد مهندسي دستور دولة اسرائيل المحدثة سنة 1948 على الارض الفلسطينية المحتلة.

 وإن كان الهدف من انشاء هذه المنظمة في البداية هو مقاومة النازية أولا ثم الشيوعية ثانيا فإنه بمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية سخّر اللوبي الصهيوني هذه المنظمة لخدمة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في العلن ومصالح دولة اسرائيل في السر. وعلى مدى فترة الحرب الباردة ساهمت منظمة فريدم هاوس في مواجهة الاتحاد السوفياتي بانتدابها لعديد المعارضين الروس مثل عالم الفيزياء اندري ساخاروف وحتى الرئيس السوفياتي صاحب نظرية البارسترويكا التي أطاحت بالنظام السوفياتي ومهّدت لانهيار الانظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية ميخائيل غورباتشيف.

 وموّلت المنظمة مشروع التقسيم في العراق بعد احتلاله من الولايات المتحدة الامريكية بدعم الأكراد وساندت الجيش الشعبي لتحرير السودان وقائده جون قارنق لزعزعة استقرار السودان وكانت طرفا في خروج جنوب السودان عن الجمهورية العربية السودانية بقيادة سيلفاكير وتمول الآن الأقباط المتطرفين لإقامة دولتهم في مصر.

 فريدم هاوس وتونس

 نجحت منظمة فريدم هاوس في استقطاب المئات من التونسيين لا يعادون الولايات المتحدة الأمريكية بدرجة أولى واسرائيل بدرجة ثانية وركزت جهودها ما بين سنة 2009 و2010 على المدوّنين بعد انتشار الانترنات في تونس.

 وتقوم المنظمة باقامة دورات تكوينية تعتمد على النضال السلمي مستلهمة طرقها من نظريات الزعيم الهندي غاندي في الكفاح السلمي ضد الاحتلال البريطاني.

وتركز المنظمة في دوراتها التكوينية الموجهة الى التونسيين على أهمية اختراق سيادة الدولة التونسية والاطاحة بنظام الحكم من خلال كتيّب او دليل يسمى «كاتالوج الثورة التونسية» يشرح كيفية  تنفيذ الإضرابات  والمقاطعة والاحتجاج  والمظاهرات والعصيان المدني  واستخدام  الاعلام في  تهييج  الجماعات الدينية والعرقية وطرق  الاستيلاء  على مراكز الأمن وفي هذا الكتاب 67 طريقة لقلب نظام الحكم في أي بلد عربي بدءا من تونس من خلال منظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية.

 المال الوسخ

  إن كانت منظمة فريدم هاوس مخصصة في صناعة العملاء تحت غطاء نشر الديمقراطية وتعليمها  فإن خطورتها  تكمن في تقديم دولة إسرائيل  كنموذج  للبلد الديمقراطي المسالم ومثال يجب على الدول العربية السير على خطاه من خلال التطبيع معه والقبول به كشريك سياسي واقتصادي   وثقافي ولتركيع الأنظمة العربية  الرافضة لهذا المشروع على غرار سوريا تسعى منظمة فريدم هاوس  إلى إرسال  تقارير لعملائها العرب للأمم المتحدة ليتم  تحويلها  إلى قرارات  داخل مجلس  الأمن تضفي الشرعية الدولية على التدخلات  العسكرية في هذا البلد أو ذاك.

  ولأن هذا النشاط يتطلب  تمويلات كبيرة فإن المنظمة تستند  إلى شخصيات صهيونية كالملياردير الصهيوني جورج سورس وهيئة الوقف القومي للديمقراطية الممولة من طرف اللوبيّات الصهيونية  في الولايات المتحدة الأمريكية  وفي المحصلة  فإن  هذه المنظمة لا تتوانى  عن فعل أي شيء من شأنه أن يخدم مصالح  الكيان الصهيوني  وجلب العرب إلى مثلث التطبيع والخنوع والاستسلام.

الشروق


Navigate through the articles
Previous article تدمير مصر من الداخل واقع مرسي الجديد لأخونة مصر Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع