المقابلات و المؤتمرات > الحوار مع الاقتصادي الجزائري

الحوار مع الاقتصادي الجزائري

أجرينا هذا اللقاء عبر البريد الالكتروني مع الخبير الاقتصادي الدولي الأستاذ الدكتور بشير مصيطفى أحد أبرز وجوه النخبة الجزائرية الشابة، المعروف بدقة معلوماته وجرأة تحليلاته،فكان هذا الحوار الشيق أشبه بتشريح للوضع الاقتصادي الجزائري مع تقديم مقترحات مفيدة لتصحيح الأخطاء التي تعيق إنجازه  لكامل أهدافه،فإليكم نص الحوار.


1-كيف تقيمون، بصفتكم خبيرا اقتصاديا دوليا،إنجازات المخطط الخماسي الجزائري( 2010-2014)وهل تعتقدون أن هناك مؤشرات تحقيق كل أهداف هذا المخطط الضخم في الآجال المسطرة؟

 المخطط المذكور طموح ومهم بسبب المحفظة المالية المخصصة له وحجمها 286 مليار دولار ، هذا معناه انفاق عمومي قدره 57.2 مليار دولارا سنويا ما يساوي الناتج الداخلي الخام السنوي لكثير من الدول في العالم . من الناحية النظرية الخطة الخمسية تعني تحقيق معدلات نمو مقبولة خلال فترة الانجاز وبعدها ، تنفيذ استثمارات حقيقية بحسب القطاعات التي اختارتها الدولة للتنفيذ . وهنا نتحدث عن قيمة مضافة للأسواق الثلاثة كلها أي سوق السلع والخدمات، سوق العمل والسوق النقدية ، إلى جانب مالية الدولة التي من المفروض أن تتعزز بالجباية الناتجة عن تنفيذ المشاريع المخطط لها .

والأهمية الثانية للخطة تعني المجالات المستهدفة من الاستثمار وهي تنقسم إلى قسمين : الموارد البشرية والموارد غير البشرية . نتحدث عن التعليم والتكوين والصحة والتنمية البشرية  والهياكل التابعة لها ، وعن البنى القاعدية في قطاعات : السكن ، الفلاحة ، الطرق والمواصلات ، الري ، الأشغال العمومية ، محيط السكان ، تأهيل المؤسسات ، الإصلاحات المالية والبنكية . وهي جميعا قطاعات حاملة للنمو وتخدم الهدف الاجتماعي .

أما من الناحية التطبيقية فحقيقة هناك صعوبات في تنفيذ الخطة على الرغم من أنها خطة تنسب دائما لبرنامج رئيس الجمهورية . الصعوبات تخص ما يلي :

أولا - وتيرة الانجاز: حيث يبدو غير مؤكد تنفيذ استثمارات بمعدل 57.2 مليار سنويا في ظروف المؤسسة الوطنية المفككة وغير المؤهلة وهو ما يفسر لنا اللجوء للشراكة الأجنبية ما يعني الاحتكام لقانون الصفقات وقانون الاستثمار .

ثانيا – الاعتمادات المالية والتي تخص ميزانية الدولة للسنوات الخمس أي لقوانين مالية السنوات المعنية بالخطة . هذه الاعتمادات المالية ترتبط مباشرة بإيرادات الخزينة المرتبطة هي الأخرى بأسعار المحروقات في الأسواق الخارجية . الخطة تتناسب مع سعر النفط فوق الـ 100 دولار للبرميل وكلما نزل السعر تحت هذا السقف يتم اللجوء إلى التمويل بالعجز وهذا من شأنه أن يضغط على الميزانية وربما يؤدي إلى ترحيل بعض مشاريع الخطة إلى ما بعد الآجال المحددة أي بعد 2014 ، وخاصة في مجال السكن والطرق وتأهيل المؤسسات .

 

 2- لماذا تعثرت مجهودات تنويع الصادرات الجزائرية وتقليل الاعتماد على النفط كمورد رئيسي لمداخيل الجزائر ؟

 هذا يعود الى أسباب تاريخية محددة هي :

أولا - الانتقال غير المدروس من نظام التسيير الاشتراكي للمؤسسات إلى اقتصاد السوق دون عبور مرحلة انتقالية لتأهيل النسيجين الصناعي والفلاحي وكذا نسيج الخدمات . والنتيجة كانت تفكك المؤسسة الصناعية العام 1982 وبالتالي تعثر الاقتصاد الكلي العام 1993 .

ثانيا – غياب الرؤية الإستراتيجية للاقتصاد الوطني على سلم السياسات الاقتصادية والهياكل السيادية مما أفرغ القرار الاقتصادي من محتواه وأصبح ساحة لتدخل قطاعات متعددة يغلب عليها الطابع الإداري وليس الاستراتيجي .

ثالثا – الأسعار الجيدة للنفط خلال الثمانينات تحت ضغط الطلب الصيني والأمريكي والشركات النفطية المضاربة مما شجع على النمط الاستهلاكي للسكان منذ بداية الثمانينات  بدل النمط الإنتاجي للمؤسسات  الذي ساد إبان المرحلة الاشتراكية في السبعينات . الاعتماد المفرط على صادرات النفط والمحروقات عموما حول الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد ريعي أدخله في التقسيم الدولي للعمل والذي مازلنا فريسة له لحد الساعة .

والمطلوب الآن إطلاق وزارة سيادية معنية بالاقتصاد والتنمية المستديمة تتكفل بتعزيز الخيارات المفصول فيها حاليا بشأن تنويع الاقتصاد والتخطيط للمستقبل . كما يحسن إطلاق " مرصد " لاستشراف اتجاهات الاقتصاد العالمي بغرض التموقع المناسب لمواردنا الذاتية سواء من الجانب المالي أو المادي أو البشري .

 

3-ما هي انعكاسات أزمة دول اليورو على الاقتصاد الجزائري،وهل هناك مقترحات لمواجهتها؟

 الأمر يتعلق بالمبادلات التجارية بين الجزائر ومنطقة اليورو وهي مبادلات متقدمة تغطي 57 بالمائة من إجمالي مبادلاتنا الخارجية من جانبي الصادرات والواردات ، وترتفع هذه النسبة إلى 60 بالمائة في جانب الواردات . وبالتالي التأثير يكون مباشرا وسريعا عند كل أزمة تمس منطقة اليورو . هذه الانعكاسات هي :

أولا - تراجع الطلب على الطاقة تحت ضغط الركود وهذا ما يدفع بأسعار النفط إلى النزول  تحت عتبة المائة دولارا للبرميل وهو ما نعيشه الآن . هذا التراجع يؤثر على السعر المرجعي للنفط في الميزانية الجزائرية ويدفع لمزيد من العجز ويعطل مشاريع الإنفاق العام كما ذكرنا سابقا ، أما تأثير هذا العامل فيقاس بناء على تراجعات أسعار الطاقة في العالم وقد سبق لي أن توقعت التراجع إلى حدود 80 دولارا للبرميل هذه الصائفة ، ويلامس نفط تكساس الآن عتبة 82 دولارا للبرميل .

ثانيا – ارتفاع أسعار المواد الصناعية والغذائية للمدى ما بعد القصير في منطقة اليورو تحت ضغط شح السيولة وإفلاس الشركات الإنتاجية وعجز الموازنات في دول المنطقة المعنية بالأزمة ، هذا الارتفاع يغذي التضخم ويتم استيراده من قبل الدول المعنية بالواردات من منطقة اليورو شأن الجزائر التي عليها أن تدفع ثمن ذلك في شكل زيادات محسوسة في الأسعار الداخلية وهذا ما حدث بالضبط حيث سجل التضخم في الجزائر خلال الثلاثي الأول من 2012 وعند تفاقم أزمة اليورو رقما قياسيا لامس 5.7 بالمائة حسب الديوان الوطني للإحصاء . الأمر يخص المنتجات نصف المصنعة والصناعات الغذائية والمواد الفلاحية وخاصة الحبوب .

ثالثا – تراجع برامج التعاون المالي تحت ضغط الديون العمومية وشح السيولة ما يعني تراجع برامج المساعدات التقنية وبرامج التكوين والتأهيل مثل البرنامج الكبير " ميدا " بين دول الحوض المتوسط .

 

 4-حذرتم من نضوب الثروة الأساسية للجزائر المتمثلة في النفط والغاز دون توصل الجزائر إلى تحقيق نهضتها الاقتصادية التي تضعها في مصاف الدول الصاعدة،وهل زادت توجساتكم مع ظهور مؤشرات تراجع أسعار البترول في السوق العالمية؟

 نعم ، ما تشهده أسواق الطاقة هذه الأيام نبهنا إليه شهر سبتمبر من العام 2011 ، وقبل ذلك ما فتئنا نحذر من صدمة نفطية في الأفق . وحقيقة أحس حاليا بضرورة أقوى لهبة اقتصادية وطنية تسمح لنا بالاحتراز من انعكاسات قريبة عن طريق التوظيف الأكثر جدوى للاحتياطي المالي الذي تتوفر عليه البلاد . رفع هذا التحدي ليس مستحيلا ولا صعبا بالنظر إلى الامكانيات الكامنة في الاقتصاد الوطني وهوامش المناورة الواسعة لاحتواء أية أزمة متوقعة سواء على مستوى تفعيل القوانين أو تأهيل النسيج الصناعي و الفلاحي أو إدارة الميزانية أو محاربة الفساد والتبذير في استهلاك المال العام أو حتى ضبط السياسات الاقتصادية المتبعة لحد الساعة .

 

5-لماذا لا يتم  التركيز على أهمية المالية الإسلامية والاقتصاد الإسلامي إلا عند ظهور مراحل تأزم الاقتصاد العالمي الربوي التقليدي،ألم يقتنع خبراء الاقتصاد العالمي بأن الاقتصاد الإسلامي هوالبديل المنقذ للبشرية من سرطان المعاملات الربوية؟

 

هذا جانب مما قصدته بضبط السياسات الاقتصادية المتبعة لحد الساعة حيث يتعلق الأمر بالسياسات المالية ، النقدية ونمط التسيير العام لموارد الخزينة . الأمر يتعلق بتطوير السياستين المالية والنقدية على أساس تنويع الآليات والمنتجات ذات العلاقة بهما . وفي هذا الصدد مازلنا منذ عشرين سنة ندعو إلى تطبيقات الصناعة المالية الإسلامية وتفعيل آلية الزكاة كأداة جبائية مؤسسة في جانبي التحصيل والاستثمار . وأظن أن الوقت قد حان للاستفادة من كل التجارب الغنية في العالمين الإسلامي والعربي والعالم الغربي فيما له علاقة بإدارة السياسات النقدية للدول .

 

6-اقترحتم خطة لتفعيل صندوق الزكاة وتطويره بما يجعله عاملا مؤثرا في تطوير الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية،لماذا لم يجد اقتراحكم طريقه للتنفيذ وما هي الجهات المعرقلة له؟

 

 لست في موقع التنفيذ حتى أرد على هذا السؤال ولكن موقعي في جانب التفكير هو الذي أثمر بعد عشرين سنة من التحسيس  و الإعلام إعداد مشروع " بنك الزكاة الجزائري " بكل تفاصيله وآجال تنفيذه والشروط المادية والبشرية والمعلوماتية اللازمة لتنفيذه . والمشروع جاهز لاستغلاله من أية جهة تنفيذية تملك الصلاحيات لذلك . المشروع يعد إضافة نوعية للآليات الجبائية والاجتماعية المطبقة لحد الآن ، ويمكنه المساهمة بقوة في مساعدة العائلات المعوزة على تحقيق الحد المطلوب من التنمية البشرية كما يساهم في إثراء سوق العمل بفرص واسعة لتشغيل العائلات المستحقة للزكاة .

 

 7- نحن مقبلون على شهر رمضان المبارك،ما هي نصائحكم لحماية السوق في هذا الشهر الفضيل من المضاربة والاحتكار والتلاعب بالأسعار؟

الأمر يتعلق بآداب صوم رمضان حيث شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسن الصوم عندما قال " كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش " أو كما قال رسول الله . وهذا يعني أن للصوم مبطلات مثل الإضرار بالغير واحتكار السلعة والمضاربة في الأسعار والغش عند البيع وكثرة الخصام  والتعدي على حقوق الآخرين .

 

ومن الناحية الاقتصادية فإن في صوم رمضان آيات معجزة تخص استقرار الأسعار وتوازن الأسواق كلها ، ولكننا لا نتمكن من تحسس تلك الآيات إلا بعد أن تمتثل المجتمعات الصائمة لتعاليم الإسلام في صوم الشهر الفضيل . أما عدا ذلك فهو حصاد لسلوكات يرفضها الدين بل تدعو الشريعة لمحاربتها لأنها تفرز أضرارا تمس مباشرة توازنات المجتمع وهذا – للأسف – الغالب في سلوك التجار الذين يرون في رمضان فرصتهم الزمنية لتحقيق الأرباح العالية دون أن ينتبهوا إلى أن ذلك سيؤدي بهم إلى  خسائر جمة على سلم بركة المال في الدنيا وحساب الله في الآخرة . وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك عندما قال :

" كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به " .

البصائر


Navigate through the articles
Previous article الفوز الكاسح للأفلان محادثات حل الأزمة المالية ببوركينافاسو Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع