المقالات و التقارير > الجريمة الكاملة

الجريمة الكاملة

موقف "الإخوان المسلمون" ليس مدهشا، ولا يدعو لذرة من العجب.

هم جماعة استبدادية قائمة على مبدأ السمع والطاعة، ولديهم صورة وهمية لمشروع لا يوجد إلا في رؤوسهم، لكنهم مقتنعون به، ومستعدون للموت في سبيل تحقيقه، أو في سبيل ما يؤدي إلى تحقيقه، أو ما يؤدي إلى ما يؤدي إلى تحقيقه.

هم ليسوا فقط مستعدين للموت في سبيله، بل إنهم أيضا مستعدون للقتل والسرقة والكذب والتدليس والقوادة السياسية وكافة أنواع الإجرام، إعمالا لمبدأ أن "الحرب خدعة"، وهم بالطبع في حالة حرب مع المصريين، ومع العالم أجمع، حتى يتحقق ما يريدون.

لست مندهشا إذًا من موقف "الإخوان"، لكن ما يدهشني حقا هو موقف "العقلاء" و"المحايدين" و"الفلاسفة"، والذين تذكروا فجأة حرمة الدم، وحقن الدماء، وعدم وجوب الاقتتال بين المصريين، و"الشباب الطاهر اللي بيموت".

هؤلاء الذين يدعون "الطرفين" إلى التهدئة، ويقفون على مسافة واحدة بين "الجانبين" ويتحسرون على رفاق الأمس في الميدان الذين أصبحوا أعداء اليوم في الاتحادية.

والحقيقة أن هؤلاء أشد خطرا، في رأيي، من الإخوان أنفسهم، لأنهم يعملون بكل ما في طاقتهم لتسييل القضية الصلبة الواضحة المحددة التي لا تقبل القسمة على اثنين ناهيك عن تفتيتها بهذا الشكل المهترئ.

لا أتحدث هنا عن حق في مواجهة باطل، أو خير في مواجهة شر، أو ملائكة في مواجهة شيطان، فأنا لا أميل إلى إطلاق الأحكام الأخلاقية على أحد، فلا أحد يمتلك ميزانا للأخلاق، يدعي أنه الميزان المعياري المعتمد من الهيئة العالمية للقياسات، وإنما أتحدث عن دولة تدافع عن نفسها في مواجهة خطر الزوال.

نعم، الكلمة ليست مبالغة، والأمر أكبر بكثير من قرار أو إعلان دستوري، أو استفتاء على الدستور أو حتى على الدستور نفسه. ولنكن صرحاء، فنحن لم نصل بعد إلى مرحلة من التحضر والمدنية تجعل الدستور بالأهمية نفسها التي تتمتع بها دساتير البلدان التي أنعم الله عليها بالفهم والمدنية.

الموضوع وما فيه أن هذه الجماعة تسعى لابتلاع الدولة، وتسييد شكل من أشكال الحياة على مقاسهم بالتحديد، النوم من العاشرة، الاستيقاظ من الفجر، شكل معين للزي، طريقة معينة في الحديث، باختصار يريدون أن تصبح مصر كلها تنظيم "الإخوان"، السمع والطاعة ولا تناقش يا أخ علي.

منذ تولى مرسي الحكم، وجميع قيادات الإخوان، وبعض السلفيين المتحالفين معهم، يتحدثون كأنهم الرئيس: العريان والبلتاجي والشاطر وصبحي صالح وعبد الله بدر وطارق الزمر وحتى خالد عبد الله.

وجميع الإجراءات التي قام بها مرسي، عكس ما وعد به، كلها تصب في اتجاه تقليص أو تهميش أو إلغاء أركان الدولة من جيش وشرطة وقضاء ومحكمة دستورية وإعلام وخلافه لصالح مساحة أكبر للجماعة على الأرض، تتحول تدريجيا إلى أمر واقع يسهل تقنينه، أو حتى عدم تقنينه، فالقانون نفسه سيصبح بلا قيمة.

أعرف أن الفساد ضرب أركان الدولة في عهد العسكر منذ يوليو 52 وحتى الآن، لكن هذا يسهل حله بالتطهير الحقيقي، الذي يمكن أن يتم في أقل من ستة أشهر، لكن إلغاءه معناه أننا نسير في اتجاه القبيلة، ومع سيادة تنظيم "الإخوان" ستصبح مصر مجرد حلقة في مشروع أكبر، ونغرق قرونا في بحور الظلمات التي فصلتنا عن العالم الذي سبقنا بسنوات ضوئية حتى أصبحنا بالفعل خارج التاريخ.

لا أعلم كيف لا يرى "المحايدون" هذا؟ لا أعلم كيف يتحدث البعض، حتى الآن، عن الرئيس المدني المنتخب؟ لا أعلم كيف يتحدث البعض عما يجري في شوارع مصر بطولها وعرضها باعتباره صراعا بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه؟

لن أغرق هنا في تفاصيل من نوعية "من بدأ بالضرب؟" و"أي ميدان يتبع أي فصيل"، و"في أي جانب يوجد الشهداء"، هذه أمور ثانوية بجوار المجتمع الذي يريدون العبث في تركيبه الجيني، وتلك هي الجريمة الكاملة.    

المحيط


Navigate through the articles
Previous article حرب عرقية برعاية دولية ترتسم في شمال مالي لمصر.. رب يحميها Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع