يرى البروفيسور، محمد طيبي، المختص في علم اجتماع النظم بجامعة وهران أن تراجع التمثيل السياسي الإسلامي لم يكن مفاجئا بل كان متوقعا ومنتظرا، لاعتبارات لها علاقة بهذا التيار، الذي لم يجدّد خطابه منذ سنة 1995، كما لم يجدد وعاءه الانتخابي، في حين أن الفوز الكاسح للأفلان يعود لتجذر التيار الوطني في الوجدان الجزائري ونجاحه في السياسات التنموية للبلاد. مضيفا أن التيار الإسلامي فضلا عن كونه شارك في صناعة القرار ولم يتحمل المسؤولية الأخلاقية وبدأ يظهر للرأي العام في شكل انتهازيات ذات لباس ديني، فكانت النتيجة أن فهمها الرأي العام وعاقبها بالامتناع عن التصويت لها.
أسفرت الانتخابات المحلية عن تراجع الأحزاب الإسلامية التي سجلت أسوأ نتيجة منذ أول اقتراع تعددي في 1990، ما هي قراءتكم لهذه النتائج؟
إن تراجع التمثيل السياسي الإسلامي الذي أكدته نتائج التشريعيات والمحليات الأخيرة، يعود إلى عدة عوامل أبرزها أن المسار التجنيدي للإسلاميين والقائم على ما اعتبروه مشروع الدعوة إلى السياسة بالدين قد وصل إلى نهايته كخطاب مقنع، وبالتالي الرأي العام بدأ يعيد صياغة علاقته بدينه خارج سلطان الأحزاب التي تعتقد أنها الوصي الشرعي على العقيدة.
ومن هذا الباب عندما شعرت هذه الأحزاب بهذا التحول في علاقة المجتمع بالدين وجهت خطاباتها نحو الوعود التي لا تمتلك كل أدوات تحقيقها. كما أنها عندما حكمت البلديات لم تنتج تسييرا عادلا فسقطت عنها شجرت التوت، وبدأت تظهر للرأي العام في شكل انتهازيات ذات لباس ديني، فكانت النتيجة أن فهمها الرأي العام وعاقبها بالامتناع عن التصويت لها.
لا يمكن أن نهمل عنصرا آخر في ظل هذا التراجع، يكمن في التمزق البنيوي للنسيج السياسي الإسلاموي، بحيث أن الإسلاميين بقدر ما أنهم بصفة عامة قد مالوا إلى التعايش مع النظام السياسي بغية الحصول على منافع، فإنهم في الوقت نفسه سقطوا في المناحرات الداخلية من باب التسابق على التحالف فظهروا كأنهم طلاب سلطة وليسوا أصحاب دعوة، وهذا ما أثر بشكل كبير على مصداقية الخطاب السياسي عندهم.
وبالإضافة إلى كل ما سبق ذكره، فإن جوهر أسباب الفشل يكمن في أنهم لم يغرفوا أبدا في التراث السياسي الجهادي الجزائري، فلا نجد للمرجعية الباديسية أثرا ولا للفكر الأميري بصمات ولا حتى لفقهاء التشريع والعقيدة من أمثال الشيخ السنوسي والشيخ الونشريسي وغيرهم.
يتعارض تراجع الإسلاميين في الجزائر مع وضعهم في العديد من دول المنطقة التي شهدت صعود هذا التيار، ما تفسيركم لهذا الواقع؟
التيارات الإسلامية التي ظهرت في عدد من الدول العربية المجاورة وبغض النظر عن أنها أسقطت ديكتاتوريات فإنها حتى الآن لم تستطع إرساء الاستقرار في مجتمعاتها، فانتشر الخوف في هذه المجتمعات وهو ما يحصل في مصر وتونس وسوريا وغيرها من الدول العربية، الشيء الذي جعل الجزائريين يأخذون حذرهم فصار الجزائري ينحى منحى الواقعية، بالإضافة إلى أن التجربة الجزائرية رغم أخطائها ونقائصها إلا أنها لم تنتج نموذجا يشبه النموذج المصري مثلا بل ظلت قريبة من الناس والوطن.
ألا تعتقدون أن ما كان مجرد اتجاه خلال تشريعيات ماي الماضي تأكد بشكل واضح في المحليات الأخيرة وهو رفض الإسلام السياسي؟
لم تكن نتائج الانتخابات المحلية وما أسفرت عنه من تراجع للتمثيل السياسي الإسلامي مفاجئة بل كانت في عمومها متوقعة ومنتظرة لاعتبارات لها علاقة بهذا التيار، الذي لم يجدّد خطابه منذ سنة 1995، كما لم يجدد وعاءه الانتخابي، في حين أن الفوز الكاسح للأفلان يعود لتجذر التيار الوطني في الوجدان الجزائري ونجاحه في السياسات التنموية للبلاد. إن الأحزاب المغروسة في المجتمع بمناضليها وأطروحاتها الفكرية والسياسية أخذت نصف ما تزن في المجتمع، أما التشكيلات الجديدة فلم تكن تمتلك عوامل القوة ونتائجها تترجم عدم تمكنها من التأثير في الرأي العام وما أخذته الأحزاب الإسلامية من مقاعد معدودة لم تأخذها لاعتبارات سياسية بقدر ما أخذتها بفضل روابط العصب والولاءات وتحصلت على ما يمثل الهامش الأنتروبولوجي في العلاقات داخل المجتمع.
إن نتائج محليات 29 نوفمبر الماضي أعادت الجزائريين للأصول التاريخية للسياسة والتي شيدت الدولة الوطنية وصنعت التاريخ الحديث للجزائر لأن الانتخابات تعكس المنطق العام للوعي السياسي الوطني بينما ما يدور من أحاديث التشكيك هو مجرد انفعالات وتعكس هشاشة الفكر السياسي في الجزائر. إن تجذر التيار الوطني في الجزائر هو نتاج للسياسات التنموية وانجازات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والمكانة الجيوسياسية للبلاد، ولولا هذه الجهود ولو اتسم تسيير البلاد بالفشل لكانت النتائج بشكل آخر، وبالمقابل فإن النتيجة التي تحصل عليها الإسلاميون كانت متوقعة فمن الجانب التنظيمي، التيار الإسلامي فقد رموزه المؤثرين على غرار محفوظ نحناح وبوسليماني،كما أنه لم يطور خطابه، فضلا عن كونه شارك في صناعة القرار ولم يتحمل المسؤولية الأخلاقية فظهر هذا الجزء من التيار الإخواني الذي كان مع الحكم بلا لون سياسي ولا هوية إيديولوجية تعطيه صبغة المعارض وتشرذم بين الأدوار الغامضة فقد جمع بين المعارضة والسلطة.
ألا تعتقدون أن الانتخابات المحلية عرت حقيقة تمثيل الإسلاميين، وأن »حمس« وباقي الأحزاب الإسلامية عادت إلى حجمها الطبيعي؟
الأحزاب لا تأخذ حجما نهائيا فقد تتوسع إذا كانت المطالب كبيرة وتميل الفئات إلى التيار المندد ضد التيار المنفر، وعندما تصبح لغة الخطاب السياسي واضحة بحكم أن الخطاب يظهر على المكشوف وركوب الموجة لم يعد مقنعا والمحاربين للفساد ينكشفون في هذه الحالة، تأخذ الأحزاب حجمها الحقيقي وتأخذ بالخطاب التقويمي التحجيمي، والواقع يؤكد أن الأحزاب الإسلامية في الجزائر لا تملك نخبا قادرة على التأثير في الرأي العام.
برأيكم هل يعد التشتت الحاصل في صفوف هذا التيار من أبرز عوامل هذا التراجع؟
لا شك في أنه أحد الأسباب، إنما الجوهري أن الأحزاب الاسلامية منذ نشأتها نجدها إما متذبذبة بين العنف والخطاب المنفر، أو نجدها تابعة طمعا في المشاركة. وفي الجزائر فإن ضعف الحركات الإسلامية بنائي بدليل أنها أخرجت قادة أحزاب ولم تخرج قادة رأي وتوجيه ومرجعيات تعطيها حجمها التأثيري، لذا لا يوجد لها أي مرجع يعتد ويعتمد، وهذا ما جعلها تميل نحو الشعبوية السياسية بالخطاب الديني فلم تتمعلم كقوة تفرض ثقلها.
صوت الأحرار
Navigate through the articles | |
اجتماع قادة الشرطة العرب في الجزائر | الحوار مع الاقتصادي الجزائري |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|