المقابلات و المؤتمرات > الضابط المتقاعد محمد شفيق مصباح في حوار لـ "الشروق"

الضابط المتقاعد محمد شفيق مصباح في حوار لـ "الشروق"

"المسيرة لا تزال طويلة وشاقة قبل اعتذار فرنسا للشعب الجزائري"

قال الخبير الاستراتيجي، محمد شفيق مصباح، إن الفرنسيين يعتقدون أن "الجزائر تمثل الباب المفتوح لعلاقات فرنسا مع إفريقيا والعالم العربي، ومع ذلك يعمدون إلى تفضيل الطرف المغربي على الجزائري"، وقدّر مصباح في حوار خص به "الشروق"، بأن ذلك له علاقة بقوة الديبلوماسية المغربية وعلاقات المخزن بالنخب الفرنسية. وتوقع استمرار الجزائر على موقفها القاضي بعدم مشاركتها العملياتية في التدخل العسكري في شمال مالي، دون أن يستبعد موافقتها على الإسناد اللوجستيي والإستخباراتي.

لو عدنا قليلا إلى الوراء، نجد أن كل رؤساء فرنسا منذ شيراك، يبدأون عــهدهم بزيارة للجزائر. كيف تعلقون؟

الجنرال ديغول كان يقول عن الجزائر إنها الباب المحتوم لعلاقات فرنسا مع إفريقيا ومع العالم العربي. كان يتصور أن الجزائر امتداد استراتيجي لفرنسا. ولم يخطئ في تقديره هذا.

لذلك نقول لا يمكن تماما للديبلوماسية الفرنسية أن تتجاهل الجزائر بالنظر إلى المعطيات الميدانية المتمثلة في كل ما يربط بين الجزائر وفرنسا من مصالح مشتركة في الميادين البشرية، الاقتصادية والثقافية. ضف إلى ذلك أنه سواء تعلق الأمر بالمغرب الكبير أو بإفريقيا أو بالعالم العربي أو حتى بحوض البحر الأبيض المتوسط، فإن الجزائر تبقى المتعامل الأساسي لفرنسا، حيث نجد أنه كلما حاولت فرنسا أن تتجاهل هذا الواقع دفعت دائما الثمن.

.

قبل مجيئه للجزائر، أوفد هولاند رئيس وزرائه إلى المغرب. هل ترون أن هذه المبادرة مجرد صدفة، أم أن الأمر مخطط له؟

لابد أن نقر بأن الديبلوماسية المغربية هي ذات فعالية أقوى من نظيرتها الجزائرية فيما يتعلق بقدرتها على التأثير في السلطات الفرنسية، إدارية كانت أو عسكرية أو اقتصادية. ضف إلى ذلك علاقات وطيدة بين النخب الفرنسية والسلطات المغربية التي تعرف كيف تلبي كل رغبات هؤلاء. على أية حال، تولي السلطات الفرنسية عناية خاصة، فعلا، للحفاظ على نوع من التوازن في علاقاتها مع الخصمين، الجزائر والمغرب. ومع ذلك، يبقى مصير فرنسا مرتبطا بالجزائر أكثر مما هو بالمغرب، لكن، مع الأسف، لا تستغل الديبلوماسية الجزائرية هذا الواقع، بل كثيرا ما نجدها تترك المجال مفتوحا للنشاط الديبلوماسي المغربي الحثيث.

.

العلاقات الجزائرية الفرنسية لازالت تبدو هشة بسبب مخلفات الاستعمار. هل توافقون من يرى أنه من المستحسن عدم ربط المستقبل بالماضي لبعث العلاقات الثنائية بين البلدين؟

لا هذا لا ذاك. إن المطالبة بالاعتذار أمر مشروع، ما في ذلك شك. الخلل يكمن في الطريقة المعتمدة في هذا الشأن. فعوض أن يتحول هذا المطلب إلى شعار فارغ في خطب المسؤولين السياسيين، كان من الأجدر أن يتم تأسيس مخابر ونوادٍ للبحث التاريخي والتحليل القانوني حتى نتوصل الى نظرة متكاملة علميا ونظريا تستطيع الجزائر أن تواجه بها، ليس السلطات الفرنسية فقط، بل حتى المؤسسات الدولية المختصة.

وحسب رأيي، من الأحسن، في الوقت الراهن، أن لا نجعل من هذا المطلب شرطا مسبقا لتوطيد التعاون بين البلدين. موازاة يجب طبعا أن يتماشى هذا التعاون مع ذلك المسعى الرامي الى تبرير مطلب للاعتذار.

.

إضافة إلى اشتراط الاعتذار، ألا ترى كيف أن الجزائر لا تحسن استغلال الفرص المتاحة لديها، مثلا، عندما تحرم طلبة جزائريين من الالتحاق بجامعات فرنسية علما أن الجزائر هي البلد الفرنكفوني الثاني في العالم بعد فرنسا من باب استعمال اللغة الفرنسية؟

ما هو هامش المناورة الذي يتمتع به هولاند مقارنة بسلفه ساركوزي فيما يتعلق بسياسة فرنسا تجاه الجزائر؟

هامش ضيق للغاية. إن الأجهزة الإدارية الديبلوماسية والعسكرية، إلى جانب الشركات الكبرى، هي التي تمتلك الهامش الأكبر للتأثير في السياسة الخارجية الفرنسية. هذا من باب التحليل السياسي فيما يخص السير العادي لنظام الحكم في فرنسا. يبقى أن دور الزعيم السياسي أو رجل الدولة يمكنه أن يكون قويا مع تأثير عميق في سير الديبلوماسية بفضل ما قد يتميز به من قدرات خاصة تتمثل في الكاريزما والتصور الاستراتيجي. هذا ما رأيناه مع الرئيس الفرنسي السابق، الجنرال ديغول، والمستشار الألماني السابق، كونراد أديناور، في ترتيب العلاقات بين بلديهما في تلك الفترة، لكن فيما يخص العلاقات الجزائرية الفرنسية، لا أرى في الأفق احتمال بروز قائدين من هذا الطينة يصنعان التاريخ حقيقة.

.

ما هو المجال المفتوح لتطور التعاون بين فرنسا والجزائر في ميدان الأمن والدفاع بعد زيارة هولاند؟

بالنسبة للتعاون الأمني، فإن الحصيلة متميزة ويعتبرها الطرفان إيجابية. للتذكير، فإن هذا التعاون بدأ منذ الثمانينيات في مواجهة النشاطات الإرهابية وتواصل، بل وتعمَّق في التسعينيات عندما صار الإرهاب خطراً يهدد الغرب ذاته.

في المجال العسكري، رغم المصادقة مؤخراً من طرف البرلمان الفرنسي على اتفاق سابق، يبقى التعاون مع روسيا، في هذا المجال، هو الغالب، سواء في مجال التكوين أو التزود بالعتاد، لذلك، تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، مثل فرنسا، نوعا من الهيمنة الروسية على المؤسسة العسكرية الجزائرية يبدو من المستحيل أن تزول عما قريب.

.

بصفة أعم، كيف تقيمون النتائج الرئيسية التي توصّلت إليها زيارة هولاند للجزائر؟

هناك ثلاثة ميادين أساسية يمكن أن ننظر إليها لتقييم زيارة الرئيس هولاند إلى الجزائر.

أولا، تصفية ما قد نسميه بجراح الذاكرة. لم يقم الرئيس الفرنسي بمبادرة جريئة، حيث اكتفى بالقول إن الاستعمار كان ظالما من دون أن يقدم الاعتذار للشعب الجزائري كما كان منتظرا منه، علما أن هذا المطلب يظل قائما لا محالة.

ثانيا، التعاون الاقتصادي. في هذا الباب الملموس هو ابرام صفقة لإنشاء مصنع السيارات "رونو". تجدر الإشارة إلى أن السلطات الجزائرية تصف هذه الصفقة بالمتوازنة والمفيدة للبلد. بعض الجرائد تنتقد هذه الصفقة التي قد تكون لفائدة الطرف الفرنسي. لننتظر المعلومات الفنية المالية والتجارية الكاملة ذات الصلة بالمشروع قبل ان نبدي رأيا يكون متشبعا بالرزانة. هناك مشاريع أخرى مثل مصنع "أفنتيس" للأدوية ومصنع "ألستوم" لمعدات السكك الحديدية لا نعلم عنها إلا القليل.

هناك كذلك نوع من التعتيم الإعلامي حول هذه المشاريع وكأن الجانب الجزائري لا يريد ان يفصح عن المتعلق بها.

ثالثا، التعاون العلمي والثقافي. في هذا المجال، مع الأسف، سمعنا الكثير من الوعود غير المجسّدة في صفقة واضحة تسمح للطلبة الجزائريين بمواصلة دراساتهم في الجامعات الفرنسية المتخصصة. أكاد أقول أن في هذا المجال، مثلما هو الأمر فيما يخص منح التأشيرات، هناك مجرد وعود لا تعهدات قانونية ملزمة.

.

بالنسبة للسياسة الخارجية، ما هي نقاط الاختلاف والاتفاق بين الجزائر وفرنسا؟

هناك ثلاثة ملفات تعني على الخصوص البلدين في مجال التشاور الديبلوماسي.

الملف الأول: يخص القضية الجوهرية التي تهم البلدين لأسباب استراتيجية جد واضحة، هي قضية الساحل أو بصفة أدق الوضعية السائدة في شمال مالي. بعد أن صادق مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة على لائحة تسمح - بشروط - بالتدخل العسكري في مالي، يظهر جليا أن نقطة الاختلاف بين الجزائر وفرنسا، بل مع كل المجموعة الدولية، تخص المنهجية أكثر مما تخص السياسة. في النهاية، يتضح أن الجزائر لا تعارض، صراحة قرار التدخل العسكري، بل انها ترى ان هذا الإجراء يجب ان يأتي بعد ان تبذل كل الجهود لتوسيع التوافق السياسي بين الأطراف المتنازعة حتى لا يبقى، في النهاية، سوى الجماعات الإرهابية التي ترفض المفاوضات والتي لا يمكن القضاء عليها إلا بالقوة.

ومع ذلك، تجدر الإشارة الى ان الجزائر، حتى وإن وافقت على هذا التدخل العسكري فهذا لا يلزمها بالمشاركة العملياتية فيه، ماعدا الإسناد اللوجيستي والاستخباراتي.

أما الملف الثاني: فيخص الأزمة المستمرة في سوريا. الجزائر بعد ان كانت تبدي نوعا من العطف على الرئيس بشار الأسد كرمز للأنظمة القومية في العالم العربي، بدأت تغير تدريجيا موقفها. اليوم، لم تعد الجزائر ترى في بقاء الرئيس بشار الأسد أمرا حتميا. إن هذا أمر طبيعي تماما، إذ كيف يمكن للجزائر ان تظل مصممة على الدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد بعد ان بدأت روسيا، حليفه الاستراتيجي، تتخلى عنه وصارت ترى ان إنسحابه من السلطة أمر لا مفر منه.

أما الملف الثالث: فيخص القضية الفلسطينية. فحتى وإن لم تكن مواقف الجزائر وفرنسا منسجمة تماما في هذا الشأن، إلا أن فرنسا تبقى تتميز بتفهم أكثر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ذلك الأمر الذي يجعل التشاور ذا فائدة بين البلدين ولو كان تأثيره قليل الجدوى.

.

هل تعتقدون بوجود جانب سلبي في زيارة هولاند للجزائر؟

بكل تأكيد. أرى ان الرئيس هولاند أولى العناية كلها للسلطات الرسمية وتجاهل تماما الشعب الجزائري. يمكن ان نلخص هذا الموقف بقولنا ان الرئيس هولاند زار الجزائر الافتراضية وتناسى الجزائر الحقيقية. لذلك، أقول إن أكبر مستفيد من زيارة الرئيس هولاند قد يكون الرئيس بوتفليقة وليست الجزائر بالضرورة.

الشروق

 


Navigate through the articles
Previous article "ساويرس" لـ"BBC" مندوب مقترح قانون تجريم الاستعمار موسى عبدي لـ ''الخبر'' Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع