المقالات و التقارير > لا يمكن لقضاء مبارك أن يظل يحكمنا بعد سنتين من الإطاحة به

لا يمكن لقضاء مبارك أن يظل يحكمنا بعد سنتين من الإطاحة به

من الطبيعى أن نواصل هذا الأسبوع دعوتنا السابقة إلى الخلود للسكينة والهدوء والاستعداد للانتخابات البرلمانية ، وتحكيم آلية الصندوق والتنافس المؤسسى . ولكن طرف مايسمى جبهة الانقاذ ليس فى هذا الوارد. من الناحية الوطنية لابد أن ينتهى من قاموسنا السياسى مؤقتا على الأقل : اعتصامات .. اضرابات.. وقفات .. خيام فى ميدان التحرير .. مليونيات .. مظاهرات . فمن يريد التعاون مع الحكم والحكومة فليفعل ، ومن يريد أن يراقب عملها ليحاسب الحزب الحاكم فى أقرب انتخابات فليفعل ، ومن يريد معارضة حكم مرسى معارضة شعواء فليفعل ولكن من خلال استعداده للانتخابات الوشيكة حيث يمكن إسقاط حزبه . وعلينا أن نتعود على هذا المناخ الجديد ، والفيصل فيه أنه بات لدينا انتخابات حقيقية . والمفيد فى هذا الأسلوب الجديد علينا فى الحياة السياسية أن الحياة تسير بإنتظام ، والمعارضة تمارس دورها . وبعض حسنى النية لايقبلون هذا بسهولة ، ويقولون كيف سنترك الاخوان يحكموننا لمدة 3 سنوات أخرى ونصف السنة ( نسبة للمتبقى من فترة حكم مرسى )ونقول لهم : بل أمامكم 3 شهور فقط لتجعلوا أغلبية البرلمان من غير الاخوان ولتقوم هذه الأغلبية بتشكيل الحكومة . ولكن الذين لايثقوا فى أنفسهم ولايعملون على المدى الطويل لايريدون أن يقبلوا هذه القواعد الديموقراطية المعروفة فى مختلف تجارب العالم . الذين تقتلهم شهوة الحكم يريدون أن يحكموا الآن وليس غدا . وكل واحد يتحدث عن نفسه وقد طفحت أمراضهم النفسية ، فهذا يقول : إن مصر تحتاج لرجل دولة وأنا هذا الرجل . والآخر يقول سترونى فى القصر الجمهورى قريبا !! والمعروف أن شهوة السلطة أقوى من شهوة المال والنساء !

ولسنا من ناحيتنا مشغولين بالدفاع عن مرسى أو الاخوان ، بل لنا ملاحظات جوهرية على أداء الاخوان فى الحكم ومنذ سقوط مبارك وحتى الآن . ولكن من الطريف أن مايسمى جبهة الانقاذ لا تركز على الأخطاء الجوهرية للاخوان ، بل تركز على الأخطاء الثانوية ، بل تركز أكثر على تهم باطلة وسخيفة لاتفيد إلا فى هدم ماحققه الشعب المصرى من إنجاز ديموقراطى . فيقولون مثلا إن الاستفتاء مزور دون أى دليل دامغ واحد .. فى متابعة لإعلام الأكاذيب الذى استخدم خلال مناقشة مشروع الدستور.

والواقع أن أداء الاخوان فى الحكم منخفض بصورة جلية وواضحة ، بل يتجه إلى الانخفاض لا الارتفاع . وهناك إصرار على الفشل وكأنه هدف مبتغى بالإصرار على ترقيع حكومة هشام قنديل ، بإجراء تعديل محدود . وأكرر مرة أخرى إن الاخوان بترتيبات مع المجلس العسكرى يتحملون ترك السلطة التنفيذية لمدة عام ونصف فى يد عصام شرف ثم حكومة الجنزورى التى باركوها وصفقوا لها ، وعندما طالبوا بتغييرها كان الوقت قد أزف لانتخابات الرئاسة . وهم يتحملون المسئولية المباشرة عن السلطة التنفيذية منذ 6 شهور فى ظل رئاسة مرسى ورئاسة وزراء قنديل ، بل منذ 5 شهور لم يعد المجلس العسكرى شريكا رسميا فى الحكم. وهذه الفترة ليست كافية لحل أى مشكلات كبرى بطبيعة الحال ولكنها فترة كاشفة للأهداف والمقاصد والغايات والأساليب والسياسات . وفيما عدا الملف الديموقراطى الذى يهاجم فيه مرسى بغير حق ، فهو الملف الذى حقق أكبر الانجازات ، وانعكس فى مواد مهمة بالدستور الجديد. فيما عدا هذا الملف فنحن أمام استمرار دقيق لنفس سياسات النظام البائد فى الاقتصاد والسياسة الخارجية ( باستثناء تحسن ملحوظ تجاه غزة ظهر فى العدوان الأخير ). وقد مللنا وغيرنا من تقديم الملاحظات والنصائح سرا وعلنا ، ولكن يبدو أن آلية اتخاذ القرار الرئاسى والحكومى تسير فى دوائر محدودة للغاية ، وغير مستعدة للانفتاح التشاورى مع دائرة أوسع. ولانعترض كما يردد العلمانيون على اتصال مرسى بحزبه والتشاور معه . فهذا أمر طبيعى ويجب أن يجرى فى العلن بدون أية حساسية ، باعتباره الحزب الحاكم الذى رشحه وسانده حتى النجاح وقدم له برنامجه الانتخابى ( الذى لم نعد ندرى ماهو؟! ولكن هذه قصة أخرى ). بل على العكس طالبنا ونطالب الاخوان بتشكيل كل الحكومة والمحافظين من أعضائهم وأنصارهم وأى شخص آخر يرجحونه لأداء هذا المنصب أو ذاك . والحساب يكون بالجملة فى آخر المدة . ويكون من خلال استجوابات البرلمان القادم.

نحن فى حزب العمل لدينا فصل كامل بين عملية إنهاء المرحلة الانتقالية ووضع البلاد على خريطة التحرك الطبيعى ، وانتهاء الأعمال الثورية فى الشوارع ، وإخضاع العملية السياسية للدستور الذى وافق عليه الشعب ، لحين إجراء أى تغيير عليه بالوسائل الشرعية. لدينا فصل كامل بين هذه العملية وبين موقفنا من سياسات الاخوان المسلمين ، فالاخوان هم الحزب الحاكم الشرعى بإرادة الشعب التى يجب أن تحترم ، لحين الإفصاح عن إرادة أخرى فى أى انتخابات قادمة . وقد تناولت فى هذا المكان العديد من القضايا الخلافية مع الاخوان المسلمين من خلال الممارسات العملية . وسنواصل توضيح مواقفنا فى المرحلة المقبلة بصورة أكبر ، ولكن ذلك لن يجعلنا نغفل القضية الأهم وهى قضية الذين يعرقلون عودة مصر للحياة الطبيعية. وهذه هى القضية الوطنية الأولى فى مصر الآن لا تأييد الاخوان أو معارضتهم لأن فى هذا المجال تختلف الرؤى ، فهى وجهات نظر وسيظهر الطريق الثالث الحقيقى بين الاخوان والانقاذ المزعوم.

العودة إلى الشرعية الحضارية الاسلامية تعنى فى الجوهر استقلال مصر الحقيقى لذلك فهى مرحلة حياة أو موت بالنسبة للمستعمرين . ورغم أن تركيا لم تشهد ثورة كثورة 25 يناير، إلا أنها حققت الكثير من خلال التدرج الانتخابى فى ظل غياب التزوير وفى ظل استخدام الحركة الاسلامية بذكاء لورقة الانضمام للاتحاد الاوروبى . ولكن اتجاه تركيا للأسلمة يعنى انفلاتها من قبضة الغرب . لذلك ليس صحيحا مايشاع أن الغرب معجب بالنموذج التركى ويريد تعميمه . فهذا تحليل استاتيكى ثابت يفترض أن تبقى تركيا على نفس الحال ، وهذا غير مضمون على الاطلاق من وجهة نظر الغرب وهويرى الثقافة الاسلامية تطل برأسها أكثرفأكثر فى كل يوم بتركيا. هل تعلمون مثلا أن رجب طيب أردوجان تعرض لسبعين محاولة إغتيال منذ توليه رئاسة الوزراء لأول مرة . ومنذ أيام قليلة تم الكشف عن وجود أجهزة تنصت فى مكتبه لم يكشف عن مصدرها حتى الآن !

فى البلدان الخاضعة للنفوذ الأمريكى يتم تأسيس منظمة كبرى سرية للحفاظ على هذه الهيمنة الأمريكية وقد بدأ هذا الأسلوب فى أمريكا اللاتينية حيث وجدت مبكرا المعارضة المسلحة للوجود الأمريكى فخلقت أمريكا منظمة كونترا جاريللا ( مكافحة المقاومة !) ويقدر عدد أعضاء هذه المنظمة فى تركيا ب 100 الف على الأقل . وهو عدد كاف لإجراء المظاهرات المصطنعة وبعض أعمال العنف والاغتيالات ، وهذا التنظيم يضم مثقفين وأساتذة جامعات وضباط شرطة وجيش متقاعدين وأناس من كل التخصصات ، ومهمتهم عمل كل مايلزم وفق التعليمات لاستبقاء البلاد فى قبضة الأمريكان وبعيدا عن الاسلاميين. رئيس وزراء تركيا الراحل بولنت أجافيد ( 1925 – 2006 ) تحدث مرة عن هذه المنظمة باستنكار فتمت تصفية أحد أصدقائه حتى لايفتح فمه بمثل هذا الكلام . وهذا يدل على أن هذه المنظمة عريقة وقديمة منذ عشرات السنين فى تركيا . بدأنا نشعر ببصمات منظمة مماثلة فى مصر وإن كانت لم تستخدم بعد أسلوب الاغتيالات لبعض الرموزكما حدث فى تركيا . ولكنها بلاشك قتلت مواطنين فى المظاهرات وقتلت جنودنا فى رفح .

والملحمة التركية فيها مايكفى من القصص التى لاتنتهى فى هذا المجال أشير لحادثة واحدة أحدثت دويا عام 2005 وهى محاولة إغتيال مثقف كردى ،ثم تبين أن القائمين على المحاولة من العاملين فى الجيش وعثر معهم على خطط لاغتيالات أخرى . وتمت الاطاحة بالنائب العام الذى ظن أن بإمكانه التحقيق بجد فى الموضوع ، وتم تحويل المتهمين لمحكمة عسكرية وتمت تبرئتهم!!

وأثناء انتخاب عبد الله جول رئيس للجمهورية حدثت أحداث شبيهة بأحداث الاتحادية فى مصر. فليلة الانتخاب نشر مصدر عسكرى على موقع هيئة الأركان بدون توقيع نوع من التهديد للبرلمان . تبع هذا البيان مظاهرات حاشدة ضد حكومة أردوجان وتم الاتصال ب 225 جمعية من جمعيات المجتمع المدنى للمشاركة فى الاحتجاجات . ثم صدر حكم من المحكمة الدستورية بمنع جول من الترشح . ولكن أمريكا لم تعط الضوء الأخضر النهائى وتوقفت المحاولة عند ذلك ، ونجح جول فى الوصول لموقع الرئاسة فى نهاية المطاف. نجد نفس الخيط بين المؤسسة العسكرية والأمنية ومنظمة ( مكافحة المقاومة ) وهى تشتمل فى مصر على بلطجية نخنوخ وساويرس ( لاحظ أن مسئولين اثنين فى المخابرات الحربية قالا للزميل شوكت كما ورد فى حديثه للشعب أن مخابرات عالمية تحمى نخنوخ !!) ونجد الخيط ممتدا للمحكمة الدستورية فهى تركيبة واحدة وخلطة مجربة .

القضاء حصن الطغيان أو العدالة

أكرر دائما أن إضفاء صفة القداسة على القضاء تكتيك معروف لكل الطغاة فالقضاء دوما على حق ، وهو عنوان الحقيقة حتى وإن قال الشمس تطلع من المغرب ويدرك الطغاة أنهم يحتاجون للقضاء أكثر من احتياجهم للأمن المركزى ، لأن المستبد يحكم بالمشروعية وليس بمجرد القدرة على البطش . لأنه لاتوجد قوة فى العالم قادرة على حكم شعب بالبطش وحده وطول الوقت . والقضاء خاصة ذلك المتعلق بقضايا الحكم الكبرى ( المحكمة الدستورية ) يجب أن تكون تحت السيطرة الكاملة للحاكم المستبد ليضمن أوضاعه الأبدية فى الحكم.

لذلك فإن النظم المستبدة الفاسدة لاتحيا بدون قضاء فاسد ، ولأن القضاء فى مصر عريق وله تقاليد تاريخية ، فقد احتاج المخلوع لوقت طويل حتى يفسد بعض أجزائه وأهم مفاتيحه . ومجرد نجاح الزند فى انتخابات نادى القضاة هو مؤشر على تخطى الفساد حاجز ال 50% .

ولم تفلح الثورة ولم يفلح مرسى فى اتخاذ أى خطوات حقيقية لتطهير القضاء سوى معركة النائب العام والتى أخذت وقتا طويلا ، لأنها جاءت متأخرة ولم ترتبط بإجراءات أخرى تحميها . فنحن فى وضع شديد الطرافة : لقد قمنا بثورة أطاحت بالمخلوع وبسلطته التنفيذية والتشريعية وحتى بأتباعه من قادة الجيش والأمن ولكننا نحتفظ بقضاء مبارك ليقول لنا هل نسير بخطوات سليمة فى تحقيق أهداف الثورة أم لا ؟! هذا عبث نعيش فيه منذ عامين ونفتح لفقهاء القانون والأدعياء ساعات مهولة للتناظر الفقهى والقانونى فى مسألة عبثية . الثورة الفرنسية عندما أطاحت بالملك ألغت كل محاكمه ، وإذا لم تفعل ماكانت ثورة ولا كنا سمعنا عنها . هل كان يمكن لايران الثورة أن تطيح بالشاه ثم تحتفظ بقضاته لمراقبة أعمال الثورة . وهل كان مجلس قيادة الثورة فى عهد عبد الناصر يعرض قراراته على مجلس الدولة ؟!

لقد قال لى أحد المتصلين بالمؤسسة العسكرية بمنتهى الثقة والفخر والافتخار دون أن يلحظ أنه يرتكب إثما ، أو يكشف عملا فاضحا : إنه كان يعلم بحل مجلس الشعب وأن ذلك كان مرتبا منذ اللحظة الأولى بين المحكمة الدستورية والمجلس العسكرى . طبعا لم أكن فى إحتياج لهذه المعلومة المعروفة والتى نشرتها صحيفة أمريكية على لسان قاضية المحكمة الدستورية والتى يمكن استنتاجها بكل بساطة بالتحليل السياسى ، ولكن قادة الاخوان لم يتيقنوا من ذلك إلا عندما قالها لهم الجنزورى بصريح العبارة !!

العسكريون يعجبون بأنفسهم ويشعرون أنهم ضحكوا على الاخوان ودوخوهم وليكن ، ولكنهم عبثوا بمقدرات البلاد التى عاشت حتى الآن بدون سلطة تشريعية وستجبر على تحويل مجلس الشورى إلى التشريع مؤقتا.

ولايبدو أن المادة الانتقالية للدستور تضمن تطهير القضاء فمازالت المحكمة الدستورية بنفس تركيبتها بعد الخلاص من 8 أعضاء وبقاء 11 بدون تحديد مدة محددة . وبالأمس قرأنا على لسان أحد مصادر هذه المحكمة أنها ستبحث دستورية مجلس الشورى والتأسيسية. فهذا عبث جديد ولكنه أصبح محصنا بالدستور الجديد حتى تتم عملية تشريع القانون الخاص بالمحكمة الدستورية !!

هذا البلطجى المدعو الزند ينشر الفساد فى الأرض ويفتخربه فى زمن وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه : يصبح فيه المعروف منكرا والمنكر معروفا . فالكوسة والمحسوبية بتعيين أبناء المستشارين الحاصلين على مقبول بالنيابة العامة بالمخالفة للقانون والأعراف والتقاليد المستقرة أصبحت هذه المحسوبية هدفا مشروعا يتم الدفاع عنه فى الاجتماعات العامة للقضاة بسبب الكسب الانتخابى الرخيص . وتحت شعار شاء من شاء وأبى من أبى وهو شعار يقال عادة عن تحرير القدس لا عن ارتكاب المعاصى . هذا الترخص والتبذل والانحطاط هو من أعراض انهيار الأنظمة ، وقد انهار النظام بالفعل ولكن هذا القسم لم ينهر بعد ومازال ينفث سمومه ( مارس 2012 ). وسبق للزند أن هدد المجلس الأعلى للقضاء دون أن يحاسبه أحد . وهذا دليل أنه يعرف أنه مسنود بدولة عظمى أو دليل على أنه مجنون وهو مالانراه. وثبت أخيرا أن تنظيم ( مكافحة المقاومة ) المصرى يحمل المسدسات ، ثبت أن الرصاص الذى أطلق أمام نادى القضاة كان من داخل النادى ومن الوكلاء المحيطين بالزند .

الشعب الجديد


Navigate through the articles
Previous article رفح.. النفق المظلم.. والمعبر المظلم عدو مصر عدو فلسطين Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع