المقالات و التقارير > رفح.. النفق المظلم.. والمعبر المظلم

رفح.. النفق المظلم.. والمعبر المظلم

 (1)

«هرّب أي حاجة إلا الزلط»

هكذا كتب على جدران مدينة رفح المصرية.. تصورتها «شفرة» مقصودًا بها التمويه على شيء ما خطير.. مستحيل نكون وصلنا لمرحلة «تهريب أى شيء إلا الزلط».

ولكن بعد خطوات وجدت من كتب على جدار منزله «لا للزلط من أجل حياة صحية».

واضح إن الموضوع جد.

فسرها لى صديقى ابن مدينة رفح قائلا:

ــ الناس اتخنقت من عفرة وتراب تهريب الزلط.

فمواد البناء لا تصل إلى غزة إلا تهريبا عبر الأنفاق ما يثير الربكة في رفح المصرية، فمنذ قررت حكومة عصام شرف في مايو 2011 فتح المعبر بشكل دائم وهو معبر للأفراد لا تمر منه البضائع  باستثناء معونات قطرية محدودة.

ولأننا مجموعة صحفيين أذكياء.. طلبنا من السائق أن يذهب بنا لمسجد مجاور للنفق الذي سنكتب عنه موضوعنا الصحفى.. فهز السيناوي رأسه بضجر من سخافتنا وقال بحسم:

ــ حوصلكم النفق اللى جنب المسجد.

كان منطقيا، فلا أحد يأتى من القاهرة ليزور المسجد المجاور للنفق.. هم يأتون للنفق.

انطلق بسيارته، حتى اعترض طريقنا عمود أسمتنى في منتصف الطرق لمنع التريلات المحملة للزلط من المرور، فالأهالى غاية أمانيهم حماية انفسهم من تهريب مواد البناء.

تجاوزت السيارة عمود الأسمنت بحركة بهلوانية، وتوغلنا داخل رفح حتى بدا السائق مرتبكا وقد التبس عليه «أى نفق نريد» فسأل أقرب شخص عن «اسم النفق» ليجيبه ببساطة قائلا:

ــ خامس بيت على الشمال.

العالم أكثر وضوحا مما نتخيل.. وصلنا فأشار السيناوى إلى النفق وقال:

ــ إنه من هنا.. لكن عمرى ما اخاطر وانزل نفق.. ده تراب فوق تراب.. العمر مش هين.

كانت لمحة رقيقة منه لأصدقائي قبل عبورهم النفق بتصريح رسمى مختوم من حكومة غزة.

على الجانب الفلسطينى ترى مضخات تهريب البنزين، وحياة كاملة يتأملها صديقى الفلسطينى ثم يقول لى:

ــ ما دمرنا إلا الأنفاق.. لو لا توجد أنفاق.. الناس تطلع مظاهرات يفتح معبر.. نحن بشر.. البشر لا تمر بضائعهم من تحت الأرض يا أحمد.

(2)

في رفح المصرية لا يمكنك الاتصال بأهلك، فشبكات المحمول مقطوعة بقرار مصري سيادى ما يضطر سكان المدينة إلى استخدام شبكة الجوال الفلسطينية بينما يستخدم آخرون شبكة أورنج الإسرائيلية ويجرون اتصالا دوليا بذويهم في أي من محافظات مصر.

يسمعنا أحد أبناء المدينة نتحدث عن زيارتنا لرفح الفلسطينية دعما لحصارها فينتفض قائلا:

ــ ابنى صنايعى يذهب إلى غزة ويقبض 250 جنيه.. هنا آخره 70 جنيه فى اليوم... إحنا اللى محاصرين وربنا.

واستكمل بغضب:

ــ ابنى كان يعمل في منزل أختى في رفح.. كانت كريمة معه..هم أهل كرم .. لكن الجود من الموجود .. هنا ما عندنا شيء.

كان الرجل يتحدث عن عائلته المقسمة، فعندما احتلت إسرائيل غزة وسيناء سنة 1967 لم يكن يفصل بين رفح المصرية والفلسطينية أي حدود قبل أن تتشتت العائلات بين دولتين.

المذهل أنه يصف أخته بأن «ربنا كرمها» بالعيش في رفح الفلسطينية لتنجو من الحياة في مدينة يصفها بأنها بلا خدمات ولا تنمية ولا أى شيء. 

(3)

أول مشهد تراه عند المعبر من الجانب المصري طفل يقفز سور الحدود أمام الضباط كأنه يعبر سور مدرسة، لا تفهم لماذا التشديد والتضييق الأمني والإصرار على أن يكون السفر لغزة بموافقة خاصة من الأمن الحربي إذا كانت الأمور بهذه السلاسة.

اللافت أن المعبر الفلسطينى أكثر نظافة بمراحل من المعبر المصري، والإجراءات هناك أسرع.

المرور من النفق يستغرق ثلاث دقائق، والمرور من المعبر يستغرق أربع ساعات، وبتجاوز المعبر الذي شيد بعد الانسحاب الإسرائيلي من سيناء سنة 1982 تنتقل الى «الحضارة».

ففي رفح الفلسطينية بكل مقهى ومطعم إنترنت بعكس رفح المصرية، والسيارات جديده زاهية بعكس السيارات القديمة الكئيبة في رفح المصرية التى تتبع بلدا يفرض جمارك على السيارات الحديثة أضعاف سعرها فتمتلئ شوارعها بقاذورات يفترض أنها سيارات قديمة.

كل ذلك لا يهم.. الأهم أن السلاح الخاص بفرد الأمن الفلسطينى على حدودهم كان أكثر تطورا من سلاح فرد الأمن المصري على حدودنا.

 (4)

ــ أكثر كلمة تسمعها في غزة هى «تنسيق أمنى».. تنسيق مع حماس أو تنسيق مع مصر أو تنسيق مع إسرائيل.. فأنت لا تعبر لأنك تريد أن تعبر.. أنت تعبر لأنهم سمحوا لك بالعبور.

هكذا يشتكى صديقنا الحمساوى من سوء الأوضاع.. فمياه الشرب بالغة السوء، والشوارع كئيبة مظلمة بسبب انقطاع الكهرباء.

ولكنه تذكر فجأه أنه فى السلطة فقال:

ــ الوضع الآن تحسن كثيرا.. قبل عام كانت الأمور أسوا.

نتحمس كأى إنسان لديه دم لتغيير هذا الوضع الشاذ لتمر البضائع فينتفض عضو حماس فور سماع كلمة «ضغط على مرسي» قائلا:

ــ سيبوه في حاله.. إحنا راضيين.

إخوان غزة يبررون للرئيس المصري، يتحدثون عن أن معبر رفح مخصص فقط لعبور الأفراد، والمواءمات والضغوط الدولية صعبة على الرئيس.

أخبرنا صديقنا ابن رفح الفلسطينية بأن محلات غزة تغلق في العاشره مساء،  مؤكدا أن أفضل ما لديهم الأكل والملابس، ولكن لا داعي لشراء أى شىء والأولى أن نشتري من مصر.

ثم التفت إلينا موضحا:

ــ كل حاجة في مصر رخيصة.

هززت له رأسي موافقا.. وابتسمت.

المصري اليوم


Navigate through the articles
Previous article الإخوان يقعون فى غرام اليهود لا يمكن لقضاء مبارك أن يظل يحكمنا بعد سنتين من الإطاحة به Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع