أحد أهم التحديات التى تواجه الإخوان المسلمين، وقد وصلوا إلى السلطة، هو التفكير بعقلية الجماعة - أى جماعة الإخوان - وليس التفكير بعقلية الجماعة الوطنية المصرية، وقد كان حلم جماعة الإخوان أن تصل إلى الحكم لأنه السبيل لتحقيق المشروع والحل الإسلامى، وبعد تحقيق هذه الأمنية العزيزة بعد الثورة، اكتشفت الجماعة أن المعارضة كانت أسهل من الحكم وممارسة السلطة، فلأول مرة فى تاريخ الجماعة تجد نفسها فى مواجهة مجتمعها، ويفاجئها أن هناك من يتجرأ على الذهاب إلى مؤسساتها ومقراتها للعدوان عليها وحرقها، ولأول مرة نرى هتافات ضد دولة المرشد والجماعة، ولأول مرة نجد الرئيس الإخوانى محاصرا فى قصره وحوله جماعات تهتف بسقوطه ولما يبلغ بعد فى السلطة نصف عام.
الثقافة السياسية للجماعة التى تقوم على التعاضد والتضامن الداخلى، وعلى السمع والطاعة، وعلى الوحدة والالتزام، وعلى الجندية والتنفيذ، واحترام ما يقرره المركز تجاه الأتباع، كل هذه الثقافة السياسية تتعرض للاختبار والاهتزاز مع عنف التحولات التى عرفتها مصر بعد ثورة 25 يناير. ثقافة الشباب الذى قام بالثورة وبعضهم من كوادر الإخوان الذين تم فصلهم من الجماعة - تقوم على توسيع دائرة العمل مع الحركة الوطنية من خارج الجماعة، وتقوم على المسؤولية الفردية والقرار الميدانى الذاتى دون عدم الالتزام بضرورة مراجعة المركز والمكتب، وتقوم على تغليب مصلحة الوطن وجماعته على مصلحة التنظيم ورؤيته، وتقوم على مشاركة واسعة نبيلة لكل من شارك فى الثورة وساهم فيها، وتقوم على أن الشباب الذين قاموا بالثورة قادرون على أن يشاركوا فى السلطة، وأن يساهموا ويتخذوا قرارات ويتحملوا المسؤوليات.
تميل الثقافة السياسية لجماعة الإخوان إلى أن السلطة والدولة بأدواتها قادرة على تحقيق الإنجازات على الأرض لتحقيق مشروع الجماعة الإسلامى، ومن ثم فإن فكرة الفرض من أعلى على نمط التنظيمات الماركسية ذات الطابع اللينينى انتقلت، وإن من منظور إسلامى، إلى بنية الجماعة، ومن ثم فإن من يحكم قادر على أن يفرض ما يريد على المجتمع والجماعة كوعاء للتنفيذ والسمع والطاعة.. الثقافة السياسية للمصريين بعد الثورة تغيرت فقد سقط الخوف من السلطة التى سقطت تحت أقدام شباب المتظاهرين، وبدا هؤلاء الشباب الثوريون أقرب لروح مطالبة بالحرية لحد أنهم لا يطيقون للسلطة التى كانت تحت أقدامهم بالأمس تعود لتفرض عليهم روحها المتسلطة المقيتة، ويبدو شباب الثورة كشبكة اجتماعية تقوم على التماثل والتفاعل المرئى القريب الحى بعيدا عن تلقى سلطة من مركز غائب كأنه إمام غائب، هذه الشبكة تتيح لهؤلاء الشباب المشاركة، والتفاعل، والتواصل بطريقة عفوية أقرب لروح الفطرة الثورية، نحن جميعا إخوة ومتساوون ومصريون تجمعنا أرضية الثورة التى هى نظرة للمستقبل ومشاركة فى الحاضر قرارات الرئيس حتى ولو لم تكن الجماعة تشاركه فى صناعتها أو تغريه باتخاذها تنبع فى الواقع من الثقافة السياسية للجماعة والتى ليست لها أية علاقة بطيبة الإنسان الشخصية أو تدينه أو زهده وورعه، وهنا فإن أحد أهم التحديات التى تواجه جماعة الإخوان فى السلطة هى تغيير ثفافتها السياسية لتتواءم مع طبيعة الروح الثورية للمجتمع المصرى بعد الثورة، ولتنتقل من ثقافة رجال التنظيم المتحد المتضامن إلى ثقافة رجال الدولة القادرين على تحقيق التوافق، وبناء صيغ للمشاركة الواسعة، والخروج من حلول الجماعة وشبحها فى العقل والذات إلى فضاء الجماعة الوطنية المصرية، دراسة الثقافة السياسية لجماعة الإخوان هى المفتاح الحقيقى لفهم تناقضات الحكم والسلطة الحالية وتغييرها هو السبيل الوحيد لبناء كوادر للدولة تتجاوز ثقافة التنظيم المغلق إلى رحابة عالم السياسة المفتوح.
اليوم السابع