الثورة الحقيقية هى التى تفرض قواعدها وقوانينها على أهل السلطة وليس العكس، ويقول آصف بيات المفكر الايرانى وأستاذ الدراسات الشرقية فى جامعة الينوى بأمريكا فى وصفه للثورة المصرية إنها أكبر من إصلاح وأقل من ثورة، والسؤال المهم كيف بدأت الثورة سلمية، ولكن العنف بدأ فى مرحلة التحول الديموقراطى بعبارة أخرى إن الأمر لدينا غريب بدأنا بسلمية ثورة ثم استكملنا بعنف سياسى، على الرغم من أن الأمر يحدث العكس عنف ثورى ثم عمل سياسى قائم على توافق وطنى من أجل إصلاح سياسى واقتصادى واجتماعى.
فى تقديرى أن السياسة أفسدت الثورة، وأننا قمنا بإزالة حاكم مستبد ومارسنا بدلاً منه الاستبداد نجحنا فى الثورة وفشلنا فى التحول الديموقراطى، ومن هنا يظهر الفشل الدائم فى فكرة المشاركة والتوافق بين الفرقاء الثوريين والسياسيين، وإذا استرجعنا ذاكرة الأيام الأولى للثورة نجد أنه كان هناك اتفاق على إسقاط نظام حكم مبارك، ولكن لم يكن هناك توافق على شكل وملامح النظام الجديد فالثورة المصرية، قامت على فرضية الشعب مقابل النظام ولكن شرط تلك الفرضية انهار بسبب عدة عوامل لعل أهمها خطيئة التصلب الفكرى وصياغة الواقع المصرى، وفق افتراضات أيديولوجية كل طرف يرى أنه هو الأصلح وأن النزاع مازال على هوية الدولة المصرية، وبالتالى التحول الديمقراطى فى مصر يتم إجهاضه فمن كان ينادى بالتحول الديمقراطى وهو فى المعارضة أصبح يكرس لمفهوم سلطوى ومستبد الآن، وهو فى السلطة وأقصد هنا الجماعة الحاكمة جماعة الإخوان المسلمين.
وأن الجماعة لم تدرك أن هناك مشكلات كثيرة على أولوياتها الأزمة الاقتصادية الراهنة، التى لها أبعاد وحلول فنية قد تكون بداية نقاط مشتركة لأن المشكلات الاقتصادية لها حلول فنية قد يتفق عليها الفرقاء السياسيون المختلفون أيديولوجياً، فمشكلة جماعة الإخوان المسلمين أنهم غير مدركين أن الخلاف معهم وليس عليهم بدليل أن الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة لولا أصوات القوى المدنية والثورية لما نجح الرئيس مرسى بعبارة أخرى، أن الخلاف على السياسات وليس السياسيين، أن تعليق جماعة الإخوان المسلمين والرئيس مرسى الفشل فى إدارتهم للبلاد منذ توليه حتى الآن، على قيادات جبهة الإنقاذ والثورة المضادة المخططة، هو فشل الجماعة وبالتالى الرئيس لأن الحديث من جانب جماعة الإخوان المسلمين عن التخريب هو تخريب من جانب واحد، بمعنى هو تخريب ناتج من عقولهم الخاوية من إيجاد حلول واقعية ومشروع حقيقى لمصر ما بعد الثورة، لأن جبهة الإنقاذ هى جزء من المشهد وليس الصورة الكاملة للمشهد، وأن الواقع يقول إننا أمام جماعة تريد الاستئثار وحدها بالسلطة وحكومة عاجزة وفاشلة عن إدارة البلاد ورئيس وزراء يتحرك فى ضوء محدودية قدراته وكفاءته.
أما جبهة الإنقاذ فقد ظهرت ككيان كرد فعل للإعلان الدستورى فى 21 نوفمبر 2012، وادعاؤها بأنها تسير الجماهير نوع من الاستعلاء ويضعها فى موقف حرج.
فى تقديرى أن جبهة الإنقاذ لن تعبر تعبيرا كاملا عن مطالب ثورية حقيقية هى بالنسبة لشريحة كبرى مشاركة فى الثورة هى مطالب حتمية وضرورية لم يستوعبها كل من الأحزاب السياسية ومرشحى الرئاسة السابقين، فمطالب الكثير من شباب الثورة بالتغيير الحقيقى لم تستوعبه جبهة الإنقاذ لأن مفهوم التغيير بالنسبة لهم أسرع من الفهم البطىء للنخبة السياسية بحكم غياب التقارب الجيلى كما أن البعض منهم لا علاقة له بالنزعة الثورية على الإطلاق.
بعبارة أخرى الفجوة الجيلية هى أحد أسباب الأزمة الراهنة لأننا منذ عامين اعتدنا على الفشل، ولم نكتشف النجاح بسبب إدارة المرحلة من جيل مع كامل تقديرى واحترامى له أن مساحة الاختلاف لديه أكبر من مساحة الاتفاق وهذا بحكم الممارسة المتراكمة من غياب ثقافة ديمقراطية صناعة القرار والحوار.
اليوم السابع