المقالات و التقارير > غير المسكوت عنه في مالي

غير المسكوت عنه في مالي

ليس جديدا على جيوش فرنسا أن تقوم بحرق المكتبات وتدمير الحضارات، فذلك شأنها منذ بدأت حملاتها الصليبية على الأمة مشرقا ومغربا، فكلنا يتذكر أن ما يقارب المليون كتاب في مكتبة الجزائر حرقتها القوات الفرنسية في اليوم الاول الذي ارتفع فيه العلم الفرنسي في الجزائر مدشنا حقبة استعمارية عنصرية.. ومن هنا بالضبط ينبغي أن ترتفع الأصوات في العالم منددة بالسلوك العنصري والمتخلف للقوات الفرنسية التي ما فتئت تقدم المشهد تلو المشهد مؤكدة أنها لم تبرح موقعها الإجرامي.
في تمبكتو أراد الفرنسيون من خلال قوات حلفائهم من الزنوج تدمير الوجود العربي بتدمير المكتبات وحرق الكتب التاريخية التي يعود بعضها لمئات السنين.. هذا وقد نقلت يومية "الوطن" الموريتانية عن مصدر في حركة تحرير أزواد أن الطائرات الفرنسية هي التي قصفت مكتبة "أحمد بابه التمبكتي" التي تضم ثمانين ألف مخطوط من التراث العربي والإسلامي، والتي كانت نموذجاً في العطاء العلمي.
إبادة الأطفال وقتل الشيوخ والحرق للمنشآت المتواضعة وحرق المكتبات كل ذلك هو نتائج للحملة الفرنسية على مالي.. فبأي حق وأي قانون تتدخل فرنسا في منطقة لا علاقة لها بها من جهة التاريخ والجغرافيا والحضارة؟ بأي حق تتدخل في إقليم تربط عناصره علاقات من الثقافة والجيرة والتداخل التاريخي الواحد؟؟ ونريد أن نسأل عن موقف المثقفين الفرنسيين والمفكرين والأدباء والصحفيين الفرنسيين أين هم دعاة حقوق الإنسان وحماة البيئة وجمعيات تملأ الدنيا دويا؟ أين هم من مشهد الكتب المحروقة والأطفال الممزقة أجسادها؟!
رغم ذلك كله لن تستطيع فرنسا ترتيب الإقليم كما تريد ولن تستطيع فرنسا أن تجر دول الساحل الصحراوي إلى معركتها الخاسرة ولن تستطيع فرنسا أن تسيطر على اليورانيوم والمعادن النادرة في الإقليم، وذلك لأن الوجه الاستعماري للتدخل العسكري الفرنسي لم يترك فرصة لتعاطف شعبي أو رسمي في الإقليم.. وستجد القوات الفرنسية أياما سوداء، وسيكون السراب المتكون على سطح الرمال الساحرة قادرا على سحب القوات الفرنسية إلى مهالكها، وستتكبد الخزينة الفرنسية أرقاما أكثر بكثير مما تذيعه المؤسسة الفرنسية، الأمر الذي سيتجلى قريبا في أوضاع اجتماعية فرنسية منهارة.
العجيب أن الموقف العربي والإسلامي لم يرتق إلى مستوى الحدث وكان من المفترض أن تتآزر الجهود العربية لعدم السماح لفرنسا بأن تدخل مربعا عربيا حيويا، وكان على الدول الإسلامية الكبرى التحرك الدولي الكافي الذي لا يسمح لفرنسا باحتلال مالي.. وهذا يعني أن العرب لم يدركوا بعد أن عمقهم الإفريقي سياج أمني يجب عدم العبث به.. ولذا، فإن المنطقة ستشهد تفجيرات وتشعبا للعنف الأعمى بل ومناخات لتوليد العنف وتصديره.
الاستنكار وحده لا يكفي.. والإدانة وحدها لا تكفي ومن المفترض المسارعة في التحقيق في قضية حرق المكتبات وإبادة الأطفال وتحويل ذلك إلى محاكم دولية متخصصة ويجب أن لا تفلت فرنسا من فعلتها المشينة.. فهي التي تتحمل مسؤولية كما يحصل الآن في مالي من عنف وتطرف وقتل وتدمير.
الشروق

Navigate through the articles
Previous article بين تنحى مبارك ورحيل مرسى النظام المصرى والحاجة للاستثمار الأجنبى والعربى Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع