مر عامان بالتمام والكامل على تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك، حينها ودعنا زمانه ونحن أقرب ما نكون إلى البينان المرصوص، فالمجتمع كان متماسكاً صحيح البدن والعقل توحده غاية بناء جمهورية جديدة عمادها العدل والحكم الرشيد والحرية، ولم يخرج عن نطاق هذا الإجماع الوطنى سوى قلة من المنتفعين والمرتبطين بوشائج قوية مع النظام السابق. آنذاك اعتقدنا أن القاطرة سوف تسير وستزيد سرعتها رويدا رويدا، لتنقلنا إلى ساحة الأمل الفسيحة والفرص الرحبة، وكنا نحظى بمساندة وتعاطف العالم، الذى تعامل مع ميدان التحرير بتقدير واحترام فائق باعتباره رمزًا ناصعًا لكل الحالمين بالتحرر من سطوة وبطش الأنظمة القمعية الفاسدة. لكن إذا بالذكرى الثانية لرحيل مبارك تحل وبلدنا فى حال يرث له، وتتصاعد الصيحات الداعية لرحيل الرئيس محمد مرسى، بعدما تلطخت يده بدماء المصريين الذين سقطوا ـ ولا يزالون ـ، وتسببه بسوء إدارته فى تأرجح البلاد على حافة الانهيار والاقتتال الداخلى، وبدا أن الكثيرين منا يجرفهم الحنين لأيام مبارك ويترحمون عليها، وكفروا بالثورة وبمبادئها وتلاشت ثقتهم فيها وفى الثائرين، بل وفى أنفسهم.
وأصبحت صورتنا مشوهة خارجيا، ويُضرب بنا المثال فى الفوضى، والعبث، وموجات العنف، والتطرف، والشطط فى الأداء السياسى بين فريقى المعارضة وأهل الحكم من الإخوان المسلمين، ولم تعد المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية شاعرة بالثقة والطمأنينة فى الدولة المصرية الفاقدة زمام السيطرة والتوجيه، ولما لا يكون موقفها هكذا؟
فكل شىء فى مصر يبدو متنافرًا لا يتسق مع ما يجاوره، وفضلنا السير فى الاتجاه المعاكس أو طريق "اللى يروح ما يرجعش"، وتشابكت الخيوط، حتى إننا لم نعد ندرى الحقيقى من المزيف، والصادق من الكاذب، والوطنى الشريف من العميل المنفذ لأوامر قوى خارجية وداخلية تضمر الشر للوطن ولناسه، علاوة على أن مساحات التلاقى اختفت، فكل فريق يود أن يؤمر فيطاع فورا ولا مجال للتنازل ومراعاة الصالح العام، وأن تحدثت بما يرضى جبهة المعارضين فأنت من الشرفاء الغيورين على الثورة والعامل على استمرارها بدون التقاط أنفاسها، وإن دافعت عن الإخوان أو قلت رأيا يحمل انتقادًا وتصويبا لسلوك المعارضة طعنت فى شرفك الوطنى وصنفت بفئة الخونة الأوغاد المؤازرين للدولة الدينية.
الصورة بهذا الشكل لا تسر وتبعث على الحسرة والتشاؤم، وأن استمرت على هذا المنوال فقل على مصرنا السلام، فالقادم سيكون بدون أدنى شك أسوأ بمراحل مما نتابعه الآن، فكيف سبيل الخروج من ورطتنا؟
سياسيا، يتعين توقف دعوات رحيل مرسى، نعم الرجل أثبت فشلا ذريعا فى الاختبارات المتتالية منذ توليه الرئاسة، وارتكب من الأخطاء والخطايا الكثير، غير أن فتح الباب لإسقاط الرئيس لأنه لا يعجبنى ولا يعجبك سوف يضعنا فى كارثة، فمن سيأتى بعده، حتى لو كان ملاكًا آتيا من فوق السحاب، لن يصمد أسابيع فى المنصب. ولننظر للموضوع برمته على أنه هدية من السماء فقد اختبرنا الإخوان عمليا وفشلوا، وأزعم أنه يستحيل أن يكونوا موضع ثقة مستقبلا. الرئيس من جهته عليه أن يتواضع ويقر بأنه خذلنا، ولم يبد ما يؤكد أنه كان رئيسًا لجموع المصريين، وأن يمد يده لمخالفيه ومعارضيه، سعيا للتوافق، وأن يحيط نفسه بكفاءات حقيقية وليس أشخاصا يتجاوبون مع ما يطلبه، وأن يعلن على الملأ انقطاع صلته بجماعة الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد.
المعارضة أيضا مدعوة للتعقل والابتعاد عن التشدد المقيت فى طلباتها وشروطها، وأنها تتحمل قدرًا من مسئولية هياج وغضب الشارع ومقتل العشرات فى الآونة الأخيرة، وأن تدين العنف بصوره المختلفة وتقف صفًا واحدًا مع الدولة لتفكيك الميليشيات التابعة للجماعات الدينية وللقوى الثورية، فهذه الميليشيات أضحت عبئًا خطيرًا لن يسهل الخلاص منه، ولنا أسوة ومثال فى روابط الألتراس. ولنترك عباءة الحزب والجماعة، ولنتصرف كمصريين واجبهم حشد قواهم وسواعدهم، لانتشال الوطن من مأزقه الآنى قبل أن يفترسنا الغول.
اليوم السابع