ليس من حق أحد المطالبة باستقالة حكومة الدكتور هشام قنديل، حتى لو كانت غير قادرة على الفعل أو حتى رد الفعل. ولا يجوز لمواطن أو معارض أن يشعر بالغضب لمجرد ارتفاع فواتير الكهرباء أو المياه، أو الفشل فى مواجهة الانفلات الأمنى، أو حتى تراكم الزبالة، فضلاً عن مخالفات البناء وارتباكات المرور. وتجاهل الاحتجاجات الفئوية والمطالب المختلفة، وعدم الوفاء بالعهود والوعود.
كل هذا لا يبرر المطالبة بإقالة الحكومة، حتى لو كانت حكومة بلغاريا فعلتها لنفس الأسباب. فنحن لسنا بلغاريا، ولم نكن تونس، ولن نكون اليونان. ولا نخشى أن نكون صومال أو مالى. حتى لو توفرت الأسباب والعوامل المواتية.
لقد استقالت حكومة بلغاريا بسبب مظاهرات غاضبة من الشعب بعد ارتفاع أسعار الكهرباء، ولا نعلم على وجه اليقين ما إذا كان البلغار تفاعلوا معنا، أو عرفوا بحكاية الفواتير عندنا،. بلغاريا لا تعانى فقط من ارتفاع الفواتير وإنما من الفساد والاحتكار وباقى تركيبة الفساد السياسى والاقتصادى. وهى تقريبا نفس تشكيلة المشكلات عندنا، مضافاً إليها الفقر والعشوائيات. لكن الحكومة عندهم استقالت، بينما الحكومة عندنا وياللعجب تتمسك بمقاعدها وتصر إلحاحاً على أنها تعمل وتسهر وتحترق من أجل أن تنير للشعب، وترفع فواتيره، وتقطع كهرباءه، وهو نوع من العبقرية تنتمى إلى عصور ما قبل الحكومات واختراع وزراء الرى و«المحافظ الجلد».
اللافت فى القصة البلغارية أن رئيس الوزراء المستقيل بويكو بوريسوف قال إنه يرفض ضرب الشرطة للشعب وقال إن الأمر يجب أن يدار بالحوار. ويشعر كثير من البلغار بالاستياء ليس فقط من ارتفاع أسعار الكهرباء والاحتكارات، لكن أيضاً انخفاض مستويات المعيشة، والفساد. وهى مشكلات متوافرة عندنا بشكل منهجى، ومع هذا لا تؤدى إلى غضب لدى الحكومة، ولا تثير لدى الدكتور قنديل والوزراء والمحافظين أى نوع من الحساسية أو الانفعال.
البلغاريون عندما احتجوا، ضربتهم الشرطة، فاستقالت الحكومة وقال رئيس الوزراء بوريسوف «لن أشارك فى حكومة تضرب فيها الشرطة الناس وتحل فيها التهديدات بالاحتجاج محل النقاش السياسى». وكأن الرجل يقرأ من كتابنا ويشاهد تلفزيوناتنا وتوكشوهنا. وكأنه يعرف ما نحن فيه أنه يكاد ينطق بفم رئيس حكومتنا بعد أن يستقيل احتجاجا على أى حاجة.
لكن طبعا استقالة رئيس حكومة بلغاريا، لنفس أسباب غضب مصر، لا تثير أى اندهاش لدى حكومتنا ووزرائنا وقنديلنا، الذين ليسوا بلغاريين، ولا يونانيين. وطبعا لا تثير أى غضب لدى الرئيس، الذى جدد الثقة فى الحكومة، واعتبرها من هدايا السماء، ومواهب الصناديق، ربما لأن الرئيس يعرف أكثر عن إمكانيات حكومة الدكتور قنديل فى الرضاعة الطبيعية للاقتصاد، والتفاعل الإمبريقى مع معطيات السياسة والانتخابات. فى ظل النهضة البيضوية الكبرى.
ولهذا نعرف ونتأكد أن الحكومة والوزراء لا يستقيلون ولا يتزحزحون من أماكنهم ولو بالطبل البلدى، حتى لو انهدمت الدنيا أو تطربقت الأرض. فالوزير والمحافظ لدينا لا يخطئ، ولا يفشل، بل المواطنون هم الفاشلون، وهم الذين يتم حظر تجوالهم، ومطاردتهم بالطوارئ، لأنه لا يحق لهم الاعتراض أو الشكوى. وعلى المتضرر أن يطالب باستقالة حكومة بلغاريا.
اليوم السابع