يتأكد كل يوم أن الدائرة المحيطة بالرئيس محمد مرسى لا تتميز بالخيال الخصب ومهارة إمداد الرئيس ببدائل واقتراحات تكسبه شعبية فى الشارع الغاضب وتزيد ثقة مواطنيه، الذين أصيبوا بالضجر والملل من طول انتظارهم أمس لحواره مع عمرو الليثى، وخاب أملهم فى الخروج بجمل مفيدة منه، أو قرارات ومؤشرات تسهم فى تهدئة ثورة الرأى العام، وتفتح الطريق لخيارات مقبولة تنهى أزمتنا السياسية المستفحلة.
فالإنكار كان الجملة الأكثر استخداماً على لسان الرئيس، فلا يوجد عصيان مدنى، ولا محاولات لأخونة الدولة ومؤسساتها بما فيها القوات المسلحة والشرطة، وحكومة هشام قنديل ليست فاشلة ومن حقها استكمال فرصتها الكاملة فى إنهاء مشاريعها التنموية، وأن مشاكلنا كلها من ميراث النظام السابق، وأن هناك من يتأمر على الثورة، وأنه ليس صحيحا وجود جفوة بينه وبين رموز المعارضة، وأن الداعين لرحيله من السلطة لا يمثلون عموم المصريين، وأنه رئيس لكل المصريين.
كل هذا عظيم وبديع ولن يتسبب فى رفع ضغط دمك، لكننى كنت أترقب أن تترافق إطلالة مرسى على الشاشة فى ساعة مبكرة من صباح الاثنين بمفاجأة مدوية من العيار الثقيل كان بمقدورها تغيير دفة الأحداث لمسار يخدم المصلحة العليا للوطن.
فالرئيس فى حواره أعلن اعتزامه زيارة بور سعيد وسط حراسة وحاشيته الكبيرة بطبيعة الحال، فكيف سيكون الحال إذا دعا لمرافقته فى رحلته كل من محمد البرادعى، وحمدين صباحى، وعبد المنعم أبو الفتوح، وأبو العز الحريرى، وخالد على، وإبراهيم عيسى، وباسم يوسف، وبلال فضل، وشادى غزالى حرب، ونشطاء من القوى الثورية المعارضة لحكمه ولبقاء الإخوان المسلمين فى السلطة؟
وما ظنك إذا قال مرسى إنه سيذهب مع هذه الكوكبة الوطنية للالتقاء مع أهل بور سعيد لمناقشتهم فى مطالبهم والرد عليها، وأنه لن يحول المدينة الباسلة لثكنة عسكرية خلال زيارته، وأنه سيتوجه إليها مع أقل عدد من حراسه الشخصيين، لأنه سيكون بين ناسه الذين سيتولون حمايته ومَنْ معه، وأنه لا يريد حواجز بينه وبينهم، وأنه سيتجول بعدها فى مدن القناة الأخرى.
هل فكر الرئيس ودائرته الضيقة لثانية واحدة فى مردود مثل هذا الإعلان وتأثيره على بور سعيد وبقية محافظات الجمهورية، وأنه سيدلل عمليا على أنه رئيس للجميع وليس لفئة منهم؟ الفكرة قد تبدو فى نظر الكثيرين غارقة فى الرومانسية وغير واقعية، خاصة مع تجارب أكدت أن الرئاسة لا تلقى بالا باتخاذ قرارات صائبة فى التوقيت المناسب، وأن الفجوة عميقة بين الرئيس ومعارضيه، وأنه لن يضع يده فى أيديهم.
وردى أن هذا الرأى قد يكون صحيحا وفى محله، غير أن الرئيس عليه تذكر أن الحاكم الحاذق هو من يغذى قنوات الاتصال مع رعاياه طوال الوقت، ويشعرهم بأنه أقرب ما يكون إليهم وإلى آمالهم ومتاعبهم وآلامهم، وأن الرئيس السابق حسنى مبارك، كان منفصلا عن الواقع المصرى وعما يؤلم الناس مما مهد السبيل لاندلاع ثورة خلعته من كرس استقر عليه 30 عاماً، وليت مرسى يدرس جديا مقترح الذهاب لبور سعيد وغيرها من مدننا الثائرة مع معارضيه، فحينئذ ستكون الرسالة قوية وسنظهر كيد واحدة همها الأول والأخير عبور حاجز الاختلاف إلى واحة التوافق والوئام الوطنى، فهل من عاقل يستقبل ذلك؟
اليوم السابع