لم يقل الرئيس مرسى فى حواره أمس الأول أى جديد، وبدأ مبكرًا جدًا فى إرسال رسائل سلبية للشعب المصرى من حيث انتهى حسنى مبارك بعد ربع قرن، وإنه أفضل له ولنا ألا يتحدث كثيرًا، لأنه يكرر نفس الكلام والمعانى مثلما كان الحال مع مبارك حين كان يردد بعد 30 عامًا من آخر حرب خاضتها مصر مع إسرائيل أن سبب مشاكلنا هو الحروب، وعاد مرسى ليتكلم فى أمور لا علاقة لها بالواقع ولا جوهر المشاكل التى تتحدث عنها المعارضة وقطاع واسع من الرأى العام.
تكلم الرئيس بعد حوالى 5 ساعات تأخير عن الموعد المعلن لحديثه فى فضيحة متكاملة الأركان، فلم يحدث أن تحدث رئيس جمهورية مصرى إلى شعبه بعد الواحدة صباحًا إلا مبارك يوم 29 يناير، حين كانت البلاد تشهد لأول مرة فى تاريخها المعاصر ثورة شعبية، وجاء مرسى ليضرب أى تقاليد عرفتها هذه الدولة حتى مقارنة بما كان يحدث فى عهد مبارك الذى اتسم بالفوضى والفساد.
إن «الأحاديث الليلية» للرئيس تدل على أن الإخوان يديرون الدولة بطريقة الجماعة السرية التى اعتادت أن تعمل ولو مضطرة فى الليل، وحين جاء النهار وأتيحت لها فرصة العمل فى النور رفضت وأصرت على العمل فى الظلام، فكل قرارات الرئيس تأتى في الليل، وكل أحاديثه تبدو أنها أُعدت مسبقًا خارج الرئاسة وداخل مكتب الإرشاد، وأعاد على الشعب المصرى نفس الذكريات الأليمة التى عرفها حين كانت شلة جمال مبارك تقرر للبلد كله وليس للحزب الوطنى ولا الرئاسة.
أما مضمون حديث الرئيس فلم يقل فيه أى شىء جديد، فمدهش أن يتحدث فى كل شىء إلا ما تقوله المعارضة وتيار واسع فى الشارع عن ضرورة تغيير النائب العام الذى عينه بنفس طريقة مبارك، أى بقرار من السلطة التنفيذية، وتقنين وضع «الجماعة المختارة» التى ترفض أن تحترم قوانين الدولة التى تحكمها، وتشكيل حكومة محايدة لا يكون فيها رئيس الحكومة عضوًا منتدبًا من مكتب الإرشاد، وأضاف مجلس الشورى كارثة أخرى حين فصّل قانون انتخابات على مقاس الجماعة الحاكمة دون أى حوار مجتمعى، وتناسى أنه مجلس منتخب من 6% من المصريين.
الرئيس لم يناقش أيًّا من هذه القضايا، وتكلم عن أن البعض يرغب فى رحيله، لكنها ليست إرادة شعب، ولكن السؤال: لماذا يطالب تيار برحيله رغم أنه لم يبق على وجوده فى السلطة غير 8 أشهر؟ هذا ما كان يجب أن يجيب عنه الرئيس.
صحيح هناك من يترصد للإخوان ومن يكرههم ومن يسعد بوجودهم فى السجون، لكن هذا لا ينفى مسؤوليتهم الأولى عن خسارة دعم تيار كبير من الشعب المصرى انتخبهم وقال دعنا نجرب هؤلاء الذين اضطُهدوا طوال عقود طويلة، فاكتشف أنهم يتصرفون كجماعة سرية معارضة تدافع عن مصالح أعضائها وليست جماعة حكم تدافع عن كل الشعب المصرى.
الرئيس مرسى لم يعرف طبيعة المشكلة، ولم يجد شخصًا يقول له إن هناك شرخًا فى المصداقية والثقة بين الإخوان والناس، وإن استعادة جانب من هذه الثقة تستلزم إجراء تحولات جذرية فى أداء الجماعة وطريقة تفكيرها بعد أن فجّرت كل هذه الأزمات وهددت العملية السياسية برمتها، وليس بالهروب للأمام بالحديث عن مشكلات أغلبها سطحى وإنجازات أغلبها وهمى.
لم يراجع الإخوان أنفسهم ويحتاجون لمعجزة لفعل ذلك.
المصري اليوم