رموز القذافى قتلوا أو فى السجن، أو هاربون، وهم من يخشى منهم على الثورة، وقانون العزل السياسى يواجه مشكلة التحصين دستوريا، والتدخلات السياسية بغرض الاستثناءات، وفى ليبيا اليوم من عطل بناء المؤسسات الاعتصامات والاحتجاجات وضغوط الرأى العام الذى يطالب بسرعة إصدار قانون العزل السياسى.
فى حواره مع «الأهرام العربى» قال حسن الأمين، رئيس لجنة حقوق الإنسان بالمؤتمر الوطنى العام فى ليبيا، وعضو اللجنة التى صاغت قانون العزل السياسى إن قانون العزل السياسى يواجه ثلاث إشكاليات متمثلة فى قضية التحصين الدستورى للقانون والاستثناءات من هذا القانون والجهة التى ستنفذه.
- لماذا قانون العزل السياسى فى ليبيا؟
نحن فى ليبيا فى فترة ما بعد الثورة ومعروف أنه عندما تتغير أنظمة الحكم وخصوصا الأنظمة الديكتاتورية والشمولية مثل نظام القذافى، لابد من أن تتخذ بعض الإجراءات الاستثنائية لتحصين الثورة وحمايتها خلال هذه المرحلة الانتقالية وهذه التجربة ليست جديدة، فنحن لم نخترع العجلة، دول كثيرة مرت بنفس هذه التجارب. والعزل السياسى نحن لا ننظر له كعقاب وليس معاقبة لأشخاص بقدر ما هو حماية للثورة، بل هو مسألة من باب الاحتراز لا أكثر ولا أقل، وما يهمنا هو أن هذا القانون لا يكون قانونا ظالما، بل يكون قانونا منضبطا من جميع النواحى، خصوصا من الناحية القانونية والناحية الحقوقية، بحيث إننا لا نظلم أحدا وفى نفس الوقت لا تكون فيه ثغرات، فهؤلاء الذين فعلا أسهموا فى إفساد الحياة السياسية يعفون لفترة معينة من ممارسة النشاط السياسى.
- كم ستكون مدة العزل السياسى فى هذا القانون؟
نحن حددناها فى مسودة القانون بعشر سنوات وربما عندما يبدأ المؤتمر الوطنى العام فى تناول ومناقشة هذا القانون ربما تقلص هذه المدة، لأن هناك من يرى أن خمس سنوات هى فترة طويلة.
- ماذا عن اللجنة التى شكلها المؤتمر الوطنى العام لصياغة قانون العزل السياسى؟
بعدما تداولنا الموضوع داخل المؤتمر الوطنى العام تم إقرار لجنة تتعامل مع هذا الأمر، وتم الاتفاق على أن يقوم كل عشرة من أعضاء المؤتمر بترشيح شخص ليكون عضوا فى اللجنة، ونظرا لعدد أعضاء المؤتمر وصلنا إلى العدد 19 لأن هناك أعضاء تم تجميد عضويتهم من قبل الهيئة العليا لمعايير النزاهة والوطنية.
- هل قمتم بمقارنة القانون بما حدث فى مصر؟
نحن اطلعنا على تجارب دول أخرى مثل المشروع التونسى والمشروع المصرى، وإلى جانب هذا فتحنا الباب لكل مؤسسات المجتمع المدنى والأفراد والنخب والأحزاب السياسية فى ليبيا من أجل أن تقدم مقترحاتها لهذا المشروع، وهو ما حدث فعلا وقدمت بعض الأحزاب مسوداتها لهذا القانون مثل تحالف القوى الوطنية وحزب الجبهة الوطنية، فقدمت لنا كما هائلا من المقترحات والمسودات وقمنا بدراستها وتفريغها وبدأنا بالمشترك بين كل منها، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
- اللجنة انتهت لصياغة القانون من مادتين
وديباجته نصت على عزل كل من عمل مع نظام القذافى من 1- 9- 1969 إلى 30- 10-
2011 وتضمنت المادة الأولى 36 فقرة لمن ينطبق عليهم العزل، وهى شروط قاسية ربما
تطول فاعلين فى المشهد السياسى الآن ومنهم أعضاء داخل المؤتمر.
فهل عندما سيتم عرض القانون على المؤتمر وهل سيتم
تنقيح القانون قبل أن يقر؟
بصراحة فى البداية كنا أمام خيارين إما أن نسهل عمل اللجنة بحيث إنها تقدم المشروع بسرعة، أو أننا نسهل عمل المؤتمر بمعنى أننا نأخذ وقتنا ونجتهد بحيث إن المسودة عندما تخرج من اللجنة وتعرض على المؤتمر ويتم إقرارها بسرعة. وكان الاتفاق فى البداية أن نسهل عمل المؤتمر، وبالتالى هذا يحتاج منا إلى وقت طويل حتى نصل لتوافق داخل اللجنة ربما يكون قريبا جدا من رؤى أعضاء المؤتمر جميعا. لكن للأسف تعرضنا داخل اللجنة لضغوطات كثيرة، والجميع يستعجل خروج هذا القانون، وبالتالى سهلنا على أنفسنا فى اللجنة برغم أن هناك نقاطا كثيرة عليها خلاف وجدل، ولكن مررناها وتركناها للمؤتمر للفصل فيها.
- من هم المستهدفون من العزل السياسى؟
من ناحية المستهدفين بالعزل السياسى أنا شخصيا أعتقد أن هناك مبالغة فيه، خصوصا أن هناك عناصر فى النظام السابق ليسوا مؤثرين ولا يشكلون خطرا على الإطلاق، وفى نفس الوقت هناك عناصر ربما قد نحتاج إليهم فى المرحلة المقبلة خصوصا من الجهاز البيروقراطى للدولة. فأنا شخصيا كانت فكرتى أن نضع جملة من المعايير الإيجابية التى لا تستدعى حتى أن نشير إلى منصب بعينه. لكن هذا ما خرجنا به، لأن اللجنة مكونة من أفراد مختلفين فى توجهاتهم وانتماءاتهم وكانت تمثل كل أطياف المؤتمر الوطنى، وكل شخص لديه وجهة نظر يدافع عنها.
- ما تأثير هذا القانون فى حال إقراره؟
قضية العزل السياسى فى حد ذاتها هى مطلب شعبى بالتأكيد وليست هناك إشكالية عليها، لأن الناس تريد قانون العزل السياسى ولكن أى قانون هنا السؤال. القانون إذا خرج بالشكل الذى عليه الآن لن ترضى عنه شرائح كثيرة، برغم أن هناك شرائح أخرى قد تفرح به جيدا. لكن سنرى بعد أن يتعاطى المؤتمر مع هذا القانون. إذا تمت هناك تعديلات فى هذه المسودة وربما حتى استثناءات إذن الأمر قد يختلف. إننا ندعو الآن لأن يكون هناك وفاق وطنى ومصالحة وطنية خصوصا أن لدينا الآن قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ونحن ندفع فى اتجاه أن تتصالح البلاد مع نفسها، وبالتالى فإنه إذا خرج القانون فى هذا الشكل هناك أناس ربما يجب علينا أن نكسبهم فى صفنا، وهناك عناصر كثيرة كانت فى يوم من الأيام مرتبطة مع النظام السابق ربما حتى مكرهة أو لأسباب ودواعٍ أخرى، وأنا أعرف بعض الشخصيات التى عملت مع النظام السابق لفترة طويلة كانت تعمل من باب إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتحاول إيقاف تدهور الأوضاع وبالتالى لديها مبررات. وأتمنى أن يكون المؤتمر الوطنى عقلانيا وموضوعيا إلى أبعد حد فى تعاطيه ومناقشته لهذا القانون، بحيث يخرج بشكل يؤدى الغرض منه وهو حماية وتحصين الثورة وفى نفس الوقت لا يظلم أحدا.
- لماذا لم يجرى المؤتمر الوطنى العام تعديلا دستوريا يسد الطريق أمام عدم دستورية هذا القانون؟
هذه قضية أخرى ولابد للمؤتمر الوطنى العام بعد ان يتم إقرار هذا القانون أن يقوم بتحصينه من هذه الناحية لأنه لو تم بهذا الشكل أو حتى أجريت عليه بعض التعديلات مازال عرضة لأن يتم الطعن عليه، وأنا متأكد أن الطعن عليه فى هذه الحالة سوف يقبل، وبالتالى لا مناص الآن من أن يكون هناك تعديل دستورى للمادة 6 من الإعلان الدستورى، وإلا فإن هذا القانون لن يصمد شهرا بعد خروجه، وأتوقع أن يقوم المؤتمر بالتعديل الدستورى قبل أن يقر هذا القانون.
- من الجهة التى ستنفذ هذا القانون؟ وما مصير الهيئة العليا لمعايير النزاهة والوطنية؟
الهيئة العليا لمعايير النزاهة والوطنية كانت ولا تزال هى الأداة التى من خلالها يتم فرز العناصر المتقدمة لتولى مناصب قيادية ومناصب سيادية، ولهذه الهيئة معايير معينة إذا انطبقت هذه المعايير أو لم تنطبق بناء عليه يتحدد قبول هذا الشخص فى المنصب أم لا. وعندما يخرج قانون العزل السياسى لن يكون هناك مبرر لهذه المعايير الموجودة لدى الهيئة العليا لمعايير النزاهة والوطنية، لأن ما ستستند عليه هو قانون العزل السياسي. ولكن قانون العزل السياسى لابد من آلية لتطبيقه بمعنى أنه لابد من أن تكون هناك جهة تشرف على تطبيقه ولا نستطيع القول إن القضاء هو الذى سيفصل فى هذه الأمور لأن القضاء يفصل فى المنازعات، وبالتالى إما أن تحل الهيئة العليا لمعايير النزاهة والوطنية وتشكل هيئة جديدة لإدارة هذا القانون، أو أننا نلغى معايير عمل الهيئة وتتولى هذه الهيئة الإشراف على تطبيق هذا القانون، وربما هذا يحتاج إلى بعض التعديل فى القانون الخاص بإنشاء الهيئة العليا لمعايير النزاهة والوطنية.
- هل تتوقع أن يتم تسييس الاستثناءات من القوى السياسية داخل المؤتمر؟
بالتأكيد ستكون هناك مساومات سياسية لأن هذا واقع سياسى وستكون هناك مناقشات طويلة وحسابات سياسية ومساومات سمها ما شئت، لأنه ربما هذا القانون يشمل عناصر تنتمى لهذه القوى السياسية بل حتى أسماء معروفة منها داخل المؤتمر حتى الآن قد يشملها، وبالتالى فإن كل طرف سيحاول أن يجد مبررا لاستثناء هذا أو ذاك. أيا كان الأمر فقضية الاستثناءات ستسبب كثيرا من الإشكالات لأن الكثيرين سينظرون لها بريبة إذا لم يكن هناك مبرر موضوعى وستفسر بأن هذه الاستثناءات جاءت نتيجة لمساومات سياسية، وبالتالى أنا أتمنى ألا تكون هناك استثناءات ولكن تكون فيه إعادة نظر فى هذه البنود لتكون عادلة ومنضبطة وموضوعية ولا تظلم أحدا.
- كيف ترى هذه الاستثناءات وما البنود التى تعترض عليها؟
الغالبية العظمى من رموز النظام السابق إما قتلوا أو فى السجون أو فارون ومطلوبون من قبل العدالة، وهذه هى المجموعات التى يخشى على الثورة منها، فهى الآن محجمة ومعروفة. بقت هناك عناصر ربما بشكل أو بآخر لم تجرم ولم تقتل ولم تعذب ولكن بشكل أو بآخر أسهمت فى إفساد الحياة السياسية وترسيخ وإطالة عمر النظام وأيضا هذه العناصر لأنها عملت لفترات طويلة مع النظام اكتسبت ثقافة فاسدة، هذه الثقافة لن تفيدنا فى هذه المرحلة على وجه الخصوص، وبالتالى لابد أن يتم التعامل معها. لأنهم أسهموا فى خلق منظومة قيم مفسدة فى البلاد طيلة عمر النظام السابق. أما الذين طبلوا وشاركوا فى مسيرات النظام السابق أو حتى من كان مديرا لشركة، فأنا لا أرى فيهم أى خطورة على الإطلاق، خصوصا الجهاز البيروقراطى للدولة وإلا فكيف ستعمل الدولة وهؤلاء البيروقراطيون يتوجب إعادة النظر فيهم. أما أهم البنود التى اعترض عليها فى هذا القانون هو ذلك البند المتعلق بازدواج الجنسية فأنا لا أرى له أى علاقة بالعزل السياسى على الإطلاق فهذه يصدر بشأنها قانون منفصل أو أن الدستور هو الذى يفصل فى امرها.
- ما إشكالات قانون العزل السياسى من وجهة نظرك؟
هى ثلاث.. متمثلة فى تحصين القانون والجهة التى ستكلف بتنفيذه والاستثناءات. فالأولى وهى قضية التحصين الدستورى لا مناص منها، وذلك يأتى من خلال تعديل المادة 6 من الإعلان الدستورى والحل الآخر هو الاستفتاء وهذا من الناحية العملية فى الوقت الحالى صعب خصوصا أننا مقبلون على انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور وانتخابات المجالس المحلية، وهو ما سيستغرق وقتا ونحن يهمنا أن يخرج القانون فى أسرع وقت خصوصا قبل الشروع فى انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور. وأعتقد أن قانون العزل أمامه أسبوعان من الآن قبل أن يصدر. أما فيما يتعلق بالجهة التى ستنفذ هذا القانون إذا لم تسند للهيئة العليا لمعايير النزاهة والوطنية فلن يكون هناك مبرر لوجودها إلا إذا أسندت إليها مهمة الإشراف وإدارة هذا القانون، وفيما يتعلق بقضية الاستثناءات فهى التى ستكون محلاً للتجاذبات السياسية بالمؤتمر.
حاوره: كامل عبدالله
الأهرام العربى