المقالات و التقارير > أيها المصريون لا تخيبوا آمالنا

أيها المصريون لا تخيبوا آمالنا

سابقاً كنا ننهل من التجربة المصرية، فتأميم قناة السويس لم يكن حدثاً مصرياً، بل حدثاً عربياً، كان إنجازاً عربياً، والسد العالى لم يكن سداً مصرياً يروى بعض أراضى مصر، إنما كان سداً عربياً، وديمقراطية التعليم كانت منارة عربية، صحيح كان المصرى - المواطن- يستفيد من هذه الإنجازات وحده، لكنها كانت تعتبر ركائز المشاريع العربية المستقبلية.

سابقاً كان صوت الشيخ إمام عيسى يلهب الأكف والحناجر فى التظاهرات ضد الأنظمة، كان محور السهرات، وأم كلثوم وعبد الحليم وغيرهما الكثير ممن لونوا ليالينا بكل ذاك الطرب، وتلك الأغانى الوطنية منها والعاطفية، كانوا المدارس التى يطمح إلى التعلم منها كل من فى هذا العالم العربى، سابقاً كانت مصر كنزنا، نعم الكنز الذى منه نأخذ ما نريد، فى التاريخ والعلم والفن والاقتصاد.

فلماذا تغيرت مصر؟
لنا عليها أن تبقى الشقيقة الكبرى التى إذا عطست أصيب العالم العربى بالحمى، وليس لها أن تعترض على هذا الدور الذى اختارته لنفسها.

نعم ليس لمصر أن تعترض على دورها هذا حتى إذا كان كلامى يستفز العديد من المصريين، بل عليها أن تقول لنا لماذا تغيرت وتخلت عن الدور، حتى لا تضيع هذه الأمة؟

قبل اكتشاف الثروات الطبيعية الهائلة التى يختزنها التراب المصرى، أى فى أوائل القرن العشرين، كانت مصر الركيزة الاقتصادية العربية الأولى، يومذاك من لم يكن له صلة بهذه الأرض الطيبة كانت تجارته محدودة، واقتصاده يعانى من قصور كبير، وحين توالت الإعلانات عن اكتشاف الثروات، شخصت الأبصار إلى أرض الكنانة، لكن بدلاً من أن يتحول اقتصادها إلى الاكتفاء الذاتى غرقت فى دوامة الديون والفقر، وأغرقتنا معها، نعم أغرقت العالم العربى فى تلك الدوامة، لأن التجربة المتراكمة عبر مئات السنين لم تفد الشقيقة الكبرى فى تأسيس اقتصاد وطنى حقيقى، يستلهم، بالحد الأدنى، تجربة طلعت حرب ويبنى عليها، وتحول التأميم من نعمة إلى نقمة، والسد العالى لم يعد هو ذاك الإنجاز العظيم الذى كتب فيه وعن عذاباته عبد الرحمن الأبنودى أجمل القصائد العامية.

فمن المسئول؟ ولماذا حدث ذلك فى مصر؟
كنا نقرأ عن الدراسات التى تجرى فى الجامعات المصرية، ومراكز الأبحاث، سواء أكان فى الزراعة والأمن الغذائى أو الاقتصاد، وعليها تبنى الآمال العربية، فهى كانت تستفز عصب البحث والتعلم ويبدأ منها حك الأدمغة العربية، ومع ذلك أى إنجاز علمى عربى خارجها كان يبقى ناقصاً إذا لم يمر على العين المصرية تفحصه، تدقق فيه، تقرأ بين سطوره، تضيف إليه، أو بالحد الأدنى يلاقى الاستحسان ليكتسب الشرعية.

فلماذا تراجعت مصر علمياً؟ ومن المسئول؟
حتى فى المقاومة كانت التجربة المصرية المنارة التى عبر خيوط ضوئها تسير قوافل المقاومين، نكسة مصر كانت نكبة العالم العربى، وانتصارها فى العام 1956 كان الذخيرة التى بقيت، رغم نكسة العام 1967، تمدنا بأمل الانتصار الى ان كان العبور فى العام 1973، هذا العبور لم يكن عبورا مصريا، بل كان العبور العربى من زمن إلى آخر، ومنه بدأ التاريخ العربى الحديث، لكن (للأسف لكن فى اللغة العربية نافية لما قبلها) كل هذا تمخض عن خيبة، خيبتنا نحن العرب، فلماذا فعلت مصر ذلك بكل العرب؟

الدساتير العربية كلها كتبت بانفاس مصرية أو كانت فيها روح مشاريع الدساتير المصرية.. الدساتير التنويرية، نعم تنويرية، حتى مشاريع الدساتير التى كتبت فى أحلك المراحل المصرية كانت تنويرية... وعلى ذلك لن نزيد ليس خوفنا من القول اننا نتدخل فى الخيارات المصرية إنما لا نريد أن نخرج على قواعد مخاطبة الأخت الكبرى.. لكن فى الحلق مرارة!

حين يتحدث بعض اشهر علماء الاجتماع فى العالم عن ثورة 25 يناير انها الثورة التى ألغت مفاعيل الثورة الفرنسية وباتت معيارا للثورات الحديثة، ذلك يعنى لنا كعرب أن مصر عادت إلى دورها الحقيقى، ومنها نسترشد السبل فى مستقبل هذا العالم الغارق بالعتمة جراء انطفاء المنارة المصرية لعقود عدة، لكن هذه النار الجديدة رأيناها تخبو، وتتحول الى نيران فوضوية، ومنها راح ينبعث دخان الظلامية، فهل العصر المصرى الجديد هو عصر ردة، لا سمح الله؟

لن نقول ان الثورة الفرنسية استمرت 10 سنوات حتى ركزت دعائم الدولة الحديثة، وعلينا ان ننتظر مصر عشر سنوات، ففى دولة المؤسسات، التى لم يضعف القضاء فيها لحظة، ولم تتأثر مؤسساتها كافة بما جرى واستمر العمل فيها لكن بروح ثورية جديدة، لا يمكن القبول ابدا بالدخول فى مختبر التجارب، فهذه الدولة العظيمة.. نعم دولة عظيمة، ليست مختبرا للتجارب، ولا تقبل ان تخضع لكل مغامر ينظر بعين واحدة الى مصر.

كنا نقول فى بدايات الثورة المصرية ان مصر بعد عشر سنوات ستكون يابان العرب اقتصاديا، وستكون الدولة العربية التى منها سيتعلم العالم، نعم العالم ماذا تعنى الديمقراطية حين يتحمل الشعب المسؤولية ويقود ثورته بوعي، وبأقل الخسائر، البشرية والمادية، لكن اليوم وعلى ابواب العام الثالث للثورة باتت مخاوفنا اكبر من اى وقت مضى، لهذا كل الرجاء من المصريين ان لا تخيبوا امالنا، ولا تغرقوننا اكثر بالعتمة والظلامية، فمصر ليست لكم وحدكم، ليست ملكا لحزب او جماعة طارئة على تاريخها ومجتمعها انها فعل حضارة طالما بقيت الشمس تشرق كل صباح على جبين فلاح وعامل.

اليوم السابع


Navigate through the articles
Previous article مرسى أقوى رجل فى مصر من مناخ التحرر إلى واقع الحرية Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع