تعامل الرئيس بوتفليقة،
هذه المرة، مع مرضه بواقعية، عكس ما حدث في نوفمبر 2005، حين تكفّلت وسائل إعلام
فرنسية بنقل الخبر، أو في جانفي 2013 عندما كشفت، نفس المصادر، عن فتح المجال الجوي
الجزائري أمام الطائرات الفرنسية المتوجهة لـ''فتح مالي''، أو عندما استفاق
الجزائريون على خبر، مصدره إيطالي، يحدّثهم عن سوناطراك.
قد يكون الرئيس قاس حجم الدمار الذي لحق بمصداقية ''الاتصال'' المهترئ، ما جعله
يستبق الأحداث، ويقطع الطريق على النفخ في فتنة جديدة، عنوانها إشاعة موته بين
الناس.
والحقيقة أن وضعية الرئيس في الظروف الحالية التي تمر بها الجزائر، تجعل إشاعة موته
قضية تهدّد أمن واستقرار دولة. والسؤال الذي نتحاشاه، وهو في حاجة إلى إجابة، أليس
من مصلحة الجزائر والرئيس أن يقوم الأخير بتحضير فعلي للانتقال بالسلطة إلى بر
الأمان، بشكل قانوني وهادئ؟
قد يفهم من هذا الموقف أنه مساندة لمن يدعون إلى مساندة طرف على آخر. لا، فالدعوة
هي من أجل التغيير السلمي، وليست للإطاحة ''دستوريا'' برئيس من أجل إقامة دكتاتورية
بقناع، مكيّفة مع مطالب التغيير، بل الإطاحة بممارسات من خلال فتح مجال المشاركة في
صياغة التغيير. لهذا، وجب على الرئيس التفكير في صحته وصحة بلده من بعده. هو أمام
مسؤولية تاريخية، ليساهم إيجابيا في التغيير السلمي المؤدي إلى إقامة دولة
المؤسسات، بدلا من انتظار مفاجأة ''الأقدار'' التي تقوم بترتيب ما يجب أن يكون.
لو كنت وزيرا، لردّدت من باب الدفاع عن النفس وعن المنصب، فكرة أن السلطة تفعل
المستحيل من أجل الشعب. ربما ردّدت أن السلطة نجحت، وأنها ناجحة وستنجح دائما. لو
كنت هناك، فوق، ربما لقلت بذلك. لكن، لو كنت متبصرا، لفكرت أولا، قبل التفوه بكلمة
تحسب عليّ، لفكرت قبل الكلام، ولما تكلمت قبل التفكير فيما سأقوله.
تقول الحكومة وتقول السلطة، بأنها متحكمة في الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وترمينا
بأرقام ''مدهشة''. لو كان نصف بعضها حقيقيا، لكانت صورة الواقع أفضل. ترمينا بأرقام
عن البطالة، وعن النمو، وكأننا نعيش بعيدا عن بلادنا.. مغتربين، لا نرى حجم
المشكلة. نعم، نحن نعيش اغترابا، ونعيش الغربة الداخلية، إلا أنها غربة تجعلنا نقيس
بدقة حجم الفوارق وحجم المأساة.
وعندما تتأزم الأمور، كيف تتعامل السلطة مع المشكلة؟ الحكومة التي كانت تتكلم عن
التحكم في البطالة، لم تجد وسيلة لمعالجة مشكلة البطالة في الجنوب غير فتح التوظيف
في الشرطة والدرك، وفتحه لدى مؤسسات لحراستها، أو تنظيف محيطها الخارجي. فأي عبقرية
هذه التي تجعل الحكومة تعمى عن الحلول الحقيقية؟
لو كان هناك نمو فعلا، وتخطيط حقيقي، ولو كانت هناك رؤية اقتصادية، لتمكنت الجزائر
من استيعاب بطالتها، وتجاوز تخلفها في نقص التكوين، ولاضطرت إلى طلب اليد العاملة
الأجنبية بعدما تكون امتصت اليد العاملة المحلية. وليس من الشجاعة، ولا من الأخلاق
السياسية، أن يختفي وزراء وراء عدم التكوين لتبرير اللّجوء إلى اليد الأجنبية. فهل
يوجد برنامج أو مخطط وطني للتكوين؟ ومن يقوم به؟ مثل هذه البرامج هي مسؤولية
الحكومة. ولو كان لدينا برلمان يسير على قدميه، لحاسب الحكومة. لكن، ماذا يمكن
لمفطوم أن يفعله غير أن يرضع وينام؟ لهذا، أرى أن الرئيس أمام مسؤولية تاريخية
ليساهم في عدم ترك سفينة الجزائر تتقاذفها الرياح والأمواج. بمقدورك، أيها الرئيس،
أن تساهم في التغيير، لا تترك العنف يكون وسيلة التغيير، لأنه سيخدم البارونات،
وسيطحن الأحلام، ويؤجل الحلّ.
الخبر
Navigate through the articles | |
مكافحة الصيد غير المشروع | أنصار حرية الصحافة يدعون لإجراء تحقيق مستقل في هجوم أرض الصومال |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|