يبدو أن"التيار
السلفي الجهادي" في تونس يستعجل المواجهة مع النظام القائم
ويستسهلها ويحاول جاهداً جرّه إليها جرا وهو كارهٌ لها.
منذ أشهر عديدة وهذا التيار يوجه التهديد تلو الآخر للنظام الذي تقوده حركة النهضة
الإسلامية، قبل أن يجرؤ بعض المنتسبين إليه على حمل السلاح في وجهه والدخول في
مواجهة معه في جبال محاذية للحدود الجزائرية، بينما وجّه زعيمُه "أبو عياض" منذ
أيام تهديداً صريحاً للنظام بقرب المواجهة المسلحة الشاملة معه بذريعة أن النهضة
"تتدثر بغطاء الإسلام وهو منه براء؟" وتمثل "حكم الطاغوت" على حدِّ زعمه، ليقع بذلك
في نفس المنطق التكفيري الذي جلب مآسي كبيرة إلى بلدان عديدة يعرفها الجميع.
والمفارقة أن هذا التيار كان يحرص أشد الحرص على تفادي مواجهة النظام الديكتاتوري
لبن علي برغم أنه سامهُ سوءَ العذاب وحارب الحجاب والتعدد ومختلف مظاهر التديُّن،
قبل أن يخرج إلى العلن بعد أن قام شبابُ تونس بكسر حاجز الخوف بثورته العارمة في
ديسمبر 2010 وجانفي 2011، ويسعى إلى المواجهة مع النهضة المنتخَبة
شعبياً، ليُثبت بذلك أنه غير ديمقراطي بالمرّة ولا يكترث
بالخيارات الحرّة للشعب التونسي ويريد حكمَه بالقوة.
في مصر، حينما اشتدت مناهضة العلمانيين لحكم الإخوان وأصبحوا يهددون بإسقاطه، تناسى
السلفيون خلافاتهم مع الإخوان وهرعوا إلى نجدتهم وشدّ إزرهم لأنهم يعرفون أن
المستهدفين هم كل الإسلاميين دون تمييز بين فصائلهم، أما في تونس فقد أصبح هذا
التيارُ، وتحديداً الفصيل الذي يسمي نفسه"جهادياً"، يحلب في إناء العلمانيين
المناوئين لحكم النهضة، بقصدٍ أو غير قصد، بل يبدو أنه أشدُّ خطراً من العلمانيين
الذين جنحوا إلى السلم أخيراً وقبلوا حكم الصندوق والتعايش مع النهضة.
حركة النهضة تيار إخواني وسطي واع، يعرف جيداً أن تطبيق الشريعة دفعة واحدة بعد
عقود طويلة من الاستعمار ثم الاستبداد العلماني، أمرٌ متعذر قبل مرور سنوات طويلة
من الآن، ولذا آثر انتهاجَ التدرّج والمرحلية في تنفيذ سياسته، وهو يسعى إلى تكرار
تجربة إخوان تركيا في الحكم بمنح الأولوية القصوى للتنمية الاقتصادية أسوة بأردوغان
الذي انتقل بهذه السياسة بتركيا من بلدٍ متخلف إلى المرتبة الـ17 عالمياً في قائمة
أكثر البلدان تطوراً من الناحية الاقتصادية، فلماذا يرفض السلفيون منح الغنوشي
الوقت الكافي لتطبيق التجربة وهو صاحبُها الأصلي وأستاذ أردوغان؟
لا شك أن تطبيق الحدود جزءٌ رئيس من الشريعة، ولا أحدَ بإمكانه مناقشة أحكام
الخالق، ولكن النهضة ترى أن الظروف الداخلية والدولية المتشابكة تتطلب البدء بتحقيق
التنمية الشاملة أولاً وتوفير العمل وظروف العيش الكريم للناس، ثم بعدها يمكن
محاسبة السارق والفاسق والحديث عن تطبيق الحدود.
لقد ركَّز إخوانُ تركيا على الجانب التنموي فنجحوا وكسبوا قلوب الأتراك ولم
يستَعْدوا العالمَ ضدهم، وآثر طالبان أفغانستان التركيز على الجانب الأخلاقي قبل
توفير مقوِّمات العيش الكريم لشعبهم فوصلوا إلى طريق مسدود، هو درسٌ هادىء لسلفيي
تونس إذا لم يكفِهم درسُ العشرية الحمراء الجزائرية التي ألحقت أفدح
الأضرار بالوطن وبشعبية الإسلاميين معاً.
الشروق
Navigate through the articles | |
هل ضاعت سيناء؟ | الجزائر تستعد لعهد جديد مع مرض بوتفليقة |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|