المقالات و التقارير > هل ضاعت سيناء؟

هل ضاعت سيناء؟

على مدار عقود طويلة ونظام مبارك يتعامل مع سيناء على أنها مجموعة من المنتجعات السياحية التى يحيط بها مجموعة من «الأشرار» والخارجين على القانون، فارتاب فى أهلها، وهم الذين حاربوا من أجل مصر، ورفضوا أن يكونوا جزءاً من سياسة المحتل الإسرائيلى، وهم أيضا الذين تحملوا التهميش والقمع، خاصة بعد عملية طابا الإرهابية فى أكتوبر 2004، وتعرضوا لأكبر حملة اعتقالات فى تاريخ سيناء، حين قامت أجهزة الأمن بتوسيع دائرة الاشتباه واعتقلت 4 آلاف مواطن سيناوى، ومارست أبشع أنواع التعذيب بحق كثير منهم تاركة جرحاً لم يندمل بعد بين أجهزة الدولة وخاصة الشرطة، وأهل سيناء.

ومنذ ذلك التاريخ والنظام يتعامل مع أهل سيناء كمواطنين من الدرجة الثانية، وجاء مرسى وظل حال أهل سيناء على حاله، وأصبح هناك المميزون من الأهل والعشيرة، والمهمشون من عموم الناس.

ونالت الجماعات الجهادية نصيباً كبيراً من هذا التمييز بعد أن تحالفت مع الرئيس وجماعته ودعمته أثناء الانتخابات الرئاسية، وبدأ بعضها فى نقل أنشطته من «الدعوية الجهادية» إلى «السلفية الجهادية» العنيفة، وتحركوا فى سيناء كما يحلو لهم دون أى رادع حتى قاموا بجريمتهم الأخيرة واختطفوا جنودنا السبعة فى رسالة فيها من التحدى والصلف الكثير.

والمؤكد أن انقسام النخبة وتعمق الاستقطاب السياسى وفشل الإخوان فى إجراء أى إصلاحات على مؤسسات الدولة وانشغالهم بتصفية الحسابات والانتقام منها كل ذلك ساهم فى إضعاف الدولة وغيابها شبه التام عن سيناء، حتى أصبحت مرتعا لكل الجماعات الخارجة عن القانون، يدفع ثمنها أهل سيناء قبل غيرهم.

وقد عمق من فشل الدولة هذا التواطؤ الإخوانى المريب مع جماعات جهادية صغيرة وجديدة فى نفس الوقت، فقد تغير شكل الإرهاب ودوافعه عن ذلك الذى شهدناه فى السبعينيات والثمانينيات، فهو أولا يغلب عليه الطابع الفردى لأشخاص لا ينتمون إلى أى من التنظيمات الجهادية الكبرى ( الجهاد والجماعة الإسلامية والقاعدة) وليس لهم أى رغبة أو حتى حرص على صياغة مشروع فكرى أو عقائدى يوضح الهدف النهائى من ممارسة هذا العنف، وهم لا يتحملون البقاء لفترة طويلة فى تنظيم محكم ببناء صارم، وشاهدنا انتقالاً من مرحلة «الفكر الجهادى» إلى عصر «الفعل الجهادى»، الذى أصبح «مهمة فردية» تمثل نوعاً من الخلاص أو الانتقام الفردى الذى يصنع ـ أو يبرر ـ حادثة إرهابية فردية، ولا يحمل أى رؤية جماعية أو مشاريع عامة لتغيير المجتمع أو إسقاط النظام كما فعل أعضاء التنظيمات الجهادية من قبل.

والمدهش أن الإخوان هاجموا الجماعات الجهادية حين كانوا فى المعارضة واتهمتهم الأخيرة بالعمالة للنظام الطاغوتى واعتبرهم الإخوان ينفرون الناس من الإسلام الوسطى والصحيح، وتغير الحال مؤخراً وتحالف الإخوان مع الجماعة الإسلامية التى حاربوها من قبل، وصارت ملاذاً جهادياً آمناً لتبرير سياسات إخوان الحكم فى تحول لافت لا يخلو من مائة دلالة.

كارثة الوضع فى سيناء أننا تعاملنا مع جماعات العنف فيها مرة بالقبضة الأمنية الحديدية التى أخذت «العاطل بالباطل» ولم تنجح فى مواجهة الإرهاب إنما ساهمت فى توتر العلاقة بين الدولة وأهل سيناء، وفعلنا فى المرة الثانية العكس حين تواطأ من فى الحكم مع هذه الجماعات وتركوها تعيث فى الأرض فساداً، وفى كلتا الحالتين دفع المواطن المصرى فى داخل سيناء وخارجها ثمن غياب الدولة وفشل السياسة.

المصري اليوم


Navigate through the articles
Previous article ما بعد تحرير الرهائن سلفيو‮ ‬تونس‮.. ‬تجربة‮ ‬أردوغان‮ ‬أم‮ ‬طالبان؟ Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع