المقالات و التقارير > الجيش.. الأخونة أم التسييس؟

الجيش.. الأخونة أم التسييس؟

صبيحة السبت الماضى قامت المحكمة الدستورية العليا بالرد على مشروعى القوانين المرتبطة بالعملية الانتخابية المرسلة إليها عبر مجلس الشورى، حيث احتوى هذا الرد على ثلاثة عشر مادة غير دستورية طالبت المحكمة بتعديلهم ليتماشوا مع مواد الدستور، إحدى تلك الملاحظات كانت شديدة الفكاهة والدلالة وهى مادة إجرائية يذيل بها أى قانون, حيث ينص دوما على نشر القانون فى الجريدة الرسمية وعلى تاريخ العمل به، فقام جهابزة مجلس الشورى بالنص على أن يعمل بالقانون من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، بينما الدستور الذى شارك كثير منهم فى صياغته ينص على أن يعمل بالقوانين بعد شهر من تاريخ نشره أو يعمل به من اليوم التالى لنشره إذا نص فى القانون على ذلك وأقر بأغلبية الثلثين.

كما تضمن رد المحكمة أشياء سبق لى أن توقعتها فى مقال سابق منذ حوالى شهر تحت عنوان "قوانين الانتخابات كلاكيت رابع مرة", كعدم دستورية تقسيم الدوائر فى بعض المحافظات وعدم دستورية السماح بالشعارات الدينية فى الانتخابات.

لكن بكل تأكيد أهم ما احتوته ملاحظات الدستورية هو تأكيدها على أن إعفاء أفراد القوات المسلحة والشرطة المصرية من مباشرة حقوقهم السياسية بالتصويت فى الانتخابات وهم مازالوا فى أثناء الخدمة, يعتبر غير دستورى.

هذا الحكم الفاصل والنهائى نقل معارك الصراع السياسى فى مصر إلى مساحة كانت من المساحات القليلة للغاية المتفق عليها مجتمعياً وسياسياً بابتعاد العسكريين أثناء الخدمة عن المعترك السياسى برمته.

أريد أن أوضح بعض النقاط بخصوص ذلك الأمر :-
أولا: إن حكم الدستورية سليم من الناحية الشكلية والقانونية باستنادهم إلى نصوص الدستور, وليس مطلوباً من قضاة المحكمة أن يقوموا بموائمات سياسية ويتركوا نصوص الدستور والذى تغافل عن ذكر ذلك الإعفاء وإحالته للقانون لتنظيمه كما كان فى دستور 71, والمسئولية على الهواه واضعى الدستور الحالى بعيدا عن أى توافق أو كفاءات.

ثانيا: طبقا لتصنيف "جلوبال فاير بور" العلنى لعام 2013 تمتلك مصر قوات مسلحة مصنفة الرابعة عشر على العالم بالمقارنة بإسرائيل التى تأتى فى المرتبة الثالثة عشر وتركيا فى المرتبة الحادية عشر وإيران فى المرتبة السادسة عشر, بينما أقرب دولة عربية تلى مصر هى السعودية والتى تأتى فى المرتبة السابعة والعشرون رغم كل صخب صفقات السلاح باهظة التكاليف التى تشتريها المملكة الشقيقة, فالقوات المسلحة المصرية تمتلك من الكفاءة القتالية والتقاليد الراسخة والحرفية المهنية والعقيدة القتالية الوطنية الخالصة غير المحزبة أو مسيسة, ما أهلها لتبوأ تلك المكانة عالميا.

سيدى القارئ: لك أن تتساءل ماذا تمتلك مصر فى أى مجال آخر مصنف عالمياً بهذا الشكل لتعرف أننا لا نمتلك شيئا من مؤسسات الدولة الحديثة إلا القوات المسلحة.

ثالثا: من حق العسكريين التصويت بالانتخابات فى الدول الراسخة ديموقراطياً, مع العلم أنها لم تعط ذلك الحق لجنودها إلا بعد الرسوخ الكامل للنظم السياسية والتوافق عليها كما فى أوروبا الغربية وأمريكا, ولنا فى تركيا مثال التى رغم كل ما أحرزته من تقدم إلا أنها لم تعطى العسكريين حق التصويت بعد.

رابعا: لم تنجو أى مؤسسة مصرية من اختراقات إخوانية فعالة إلا القوات المسلحة, حتى القضاء نجد بينهم من أعلن انتماءه صراحة للإخوان ودعم مواقفهم السياسية عن باطل أو عن حق.

خامسا: قبلت جماعة الإخوان المسلمين على مضض عدم قدرتها على السيطرة الفكرية على القوات المسلحة فى مقابل حياديتها فى المشهد السياسى المباشر والتزامها بالعقيدة الوطنية الخالصة فى عملها, فهل من المجدى أن نخسر كفاءة قواتنا المسلحة, ونفتح الباب ونوجد المبرر للأخونة ليتحول الجيش إلى ميليشيات مسلحة عقائدية؟ وذلك تحت تأثير وهم أنه من المؤكد أنهم لن يصوتوا للتيارات الدينية حالياً, أو على النقيض يصبح النظام السياسى المدنى فاشلاً تماما ينتظر المدد من العسكريين؟

أختتم حديثى بتصريح للفريق أول عبد الفتاح السيسى بالأمس، حيث قال نصياً إن القوات المسلحة لا تعقد صفقات ولن تُسيس أو تُحزب وستظل مؤسسة وطنية" رغم أن ذلك التصريح لم يحمل قبولاً أو رفضاً لموضوع التصويت إلا أنه أكد لى وطمأننى أن ذلك المبدأ المذكور لابد أن يظل هو المعيار والحكم والفيصل.

اليوم السابع


Navigate through the articles
Previous article بطة مقديشو العرجاء! سيناء.. أرض الفيروز والإرهاب ومفتاح مصر Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع