المقالات و التقارير > بطة مقديشو العرجاء!

بطة مقديشو العرجاء!

كان الرئيس الصومالي الشيخ شريف شيخ أحمد قد نجح في المعركة السياسية التي دارت بينه وبين رئيس وزرائه المستقيل عمر عبدالرشيد علي شارماركي، من أجل البقاء علي الكرسي، لكنه ( الرئيس شريف) نسي حينها أمرا آخر، حيث لم يكن الرئيس يعرف وقتها أنه لاينجح في اختيار الشخصية التي يرغبها (هو شخصيا) لشغل منصب رئيس الوزراء خلفا لعمر شارماركي.

فعملية تعيين رئيس وزراء جديد، أوتشكيل حكومة جديدة للصومال، دائما تخضع لتأثيرات إقليمية ودولية، إلي جانب التوازنات الداخلية القبلية التي تحكم تلك العملية!.

فمثلا، الدول المجاورة للصومال ( إثيوبيا، جيبوتي، كينيا) لها كلمة مسموعة في تغليب كفة مرشح علي آخر، أو استبعاد بعض المرشحين حسب تأثيرها المتفاوت علي عملية صنع القرار في المشهد السياسي الصومالي.

كما أن هناك قوى أخري (إقليمية ودولية) تطمع في خلط الأوراق في مثل هذه الحالات، وذلك بحثا عن أدوراها وتأثيرها علي عملية صنع القرار في المشهد الصومالي الضعيف أصلا!.

ولهذه الأسباب، اضطر الرئيس شريف أخيرا القيام بجولة مكوكية للدول المجاورة للصومال خلال الأسابيع الأخيرة، فقام بعدة زيارات مختلفة منذ استقالة شارماركي من منصبه، وزار كلا من أديس أبابا، حيث أجري مباحثات مع رئيس الوزراء الإثيوبي ميلس زيناوي، ثم زار جيبوتي واجتمع مع الرئيس جيلي، ثم توجه إلي نيروبي والتقي مع الرئيس الكيني مواي كيباكي.

وكانت زيارات الرئيس شريف المكوكية للعواصم المجاورة تهدف إلي إجراء مزيد من المشاورات، والاستماع إلي مشارواتهم، حول تعيين رئيس الوزراء الجديد، وكذلك تشكيل الحكومة المقبلة.

ولهذا، فإن رئيس الوزراء الصومالي القادم الذي سيعنيه الرئيس شريف خلال الأيام القليلة القادمة، سيكون مجرد بطة عرجاء، كما يقال سياسيا، بمعني آخر، سيكون رجلا مقيدا يجلس على كرسي، تتحكم العواصم المجاورة بقوائمه الأربع.

هذا الوصف (بطة عرجاء) لايعني تهكما علي شخصية رئيس الوزراء القادم، وخير دليل علي ذلك أن لاأحد – سوى الرئيس شريف وربما عدد قليل من مستشاريه – لايعرف من سينال ثقة الرئيس بل وثقة العواصم المجاورة، وأكرر ثقة الدول المجاورة؛ لأن لها تأثير كبير علي اختيار رئيس الوزراء الجديد الذي سيشغل هذا المنصب الشاغر.

باعتقادي لن يكون رئيس الوزراء الصومالي القادم الذي سيعينه الرئيس شريف خلفا لرئيس الوزراء المستقيل عمر شارماركي، شخصية تتم اختيارها برغبة وإرادة صومالية محضة، وبدور منطلق من المصالح الوطنية، شخصية يتم اختيارها بالكفاءة والخبرة السياسية التي تتمتع بها، تلك الخبرة التي تعطيه قدرة تمكنه من إخراج البلاد من الأزمة الراهنة، بعيدا عن التأثيرات الخارجية، بل ستكون (بلاشك) شخصية تخضع لتأثيرات وضغوط خارجية، وتخضع بصفة كبيرة لاملاءات دول المنطقة، لا تقوم على أساس مصالح صومالية، مما يعني أن رئيس الوزراء القادم سيكون مجرد بطة عرجاء، لاتتحرك كثيرا.

وعلي الرغم من ذلك فلم تخل العاصمة مقديشو خلال الأسابيع الأخيرة عن تحركات سياسية، في دوائر البرلمان الانتقالي، إلى جانب حركة استقطاب قبلية لضمان ترشيح الرئيس شريف، لكن هذه الأطراف الصومالية نسيت أمرا مهما، هو أن الثأتير الخارجي أقوى من أي تاثير داخلي، بمعني أن رئيس الوزراء ستكون شخصية تمت اختيارها بإرادة غير صومالية، لا تقوم على مصالح صومالية، بل على ضغوط!.

وبالنسبة لتأثيرات الدول المجاورة للصومال، التي قلنا إنها صاحبة كلمة مسموعة لكن بشكل متفاوت، فيما يتعلق بعملية صنع القرار في المشهد السياسي الصومالي!.

فلنبدأ من إثيوبيا مثلا، فعلي الرغم من عداء أديس أبابا السابق للرئيس شريف أثناء قيادته للمحاكم الإسلامية؛ إلا أنها غيرت سياساتها بعد انتخاب الرئيس شريف رئيسا للصومال في يناير من عام 2009.

ويعتقد أن الرئيس شريف أصبح حليفا مقربا، يحظى بالدعم العسكري والسياسي الإثيوبي، وأصبحت أديس أبابا بقيادة زيناوي، الداعمة الرئيسية للرئيس شريف، وبهذا نرى أن أعداء الأمس أصدقاء اليوم!.

أما أوغندا فهي المساهم الأكبر في قوات الاتحاد الأفريقي العاملة في مقديشو، وهذا يجعل من أوغندا أيضا سندا مهما للرئيس شريف، الذي يجتاج إلي الدعم العسكري لصد هجمات حركة الشباب والحزب الإسلامي. ويتفاوت تأثير الدول المجاورة للصومال علي المشهد السياسي الحالي في الصومال، حيث تعتبر أثيوبيا في المقدمة تليها أوغندا ثم جيبوتي وكينيا!.

أما جيبوتي فإلي جانب احتضانها لتحالف المعارضة الذي قاده الشيخ شريف، فإنها هي الأخرى حليف قوي للرئيس شريف، وتمت علي أراضيها المفاوضات بين المعارضة التي كان يقودها الرئيس الحالي الشيخ شريف، والحكومة التي كان يقودها الرئيس السابق عبدالله يوسف أحمد لعدة أشهر، التي انبثقت عنها الحكومة الحالية، التي يقودها الرئيس شريف.

أما نيروبي فتعد المقر الرئيسي للمنظمات الدولية العاملة في الصومال، ويتواجد فيها سفراء الدول المهتمة بالشأن الصومالي، إلي جانب المكتب السياسسي التابع للأمم المتحدة في الصومال، الذي يرأسه المبعوث الخاص للأمين العام الي الصومال.

الشاهد


Navigate through the articles
Previous article سد النهضة العظيم الجيش.. الأخونة أم التسييس؟ Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع