المقالات و التقارير > هل يجف نهر النيل

هل يجف نهر النيل

خرج علينا أحد المهرجين في برنامج ـ كثر أمثاله في الأشهر الأخيرة عبر محطات التهريج الإعلامي المصري ـ يصوّر لنا المشهد المحتمل للقاهرة ولمصر بعد سنوات، راسما صورة مأساوية لمصر غير تلك التي يعد بها الرئيس مرسي .. وفي المشهد يصوّر المهرج في قناة الحياة كيف أن المصريين سوف يستيقظون يوما ليروا أن مجرى النيل قد استبدل بـ"اوتروت" وأنهم سيتندرون حينها قائلين: "كان يا ماكان يوجد في هذا المكان شيء اسمه النيل".

بالتأكيد لن يكون هذا المشهد هو مستقبل النيل، ولكن الذي لاشك فيه أن هناك مستقبل صعب على الدولة المصرية أن تتعامل معه بكل حزم ويقظة لأنه يهدد ليس الأمن القومي بل يهدد "الوجود القومي"..فبعد أن أصبحت منابع مياه النيل بيد حلفاء اسرائيل وبعد أن ترك المصريون هذا الخطر عقودا من الزمن يتنامى دونما خطط علمية منهجية لمواجهته .. تبدو المشكلة اليوم وكأن لا حل دبلوماسي لها وكأنها دخلت في أكثر حلقاتها تعقيدا، بعد أن أعلنت أثيوبيا عن بدأ الأعمال في إنشاء سد ضخم يصرف مياه القسم الكبير من مياه النيل عن مجراها، الأمر الذي سيشكل ضربة عنيفة لحصة مصر والسودان .. والأمر لايقف عند هذا الحد بل هناك مخاطر من بناء هذا السد الذي يقع في منطقة جغرافية مهددة بالانهيار، الأمر الذي سيؤدي إلى كوارث في السودان ومصر من فيضانات عارمة.

عندما يسأل البعض عن كوارث اتفاقيات كامبديفد يجد الإجابة في كل مجال تعيشه مصر واحدها هذا الخطر الداهم الآتي من الجنوب..ففي حين كانت الدولة المصرية تتطبع مع اسرائيل وتبتعد عن الاشتباك معها في أي ملف الأمر الذي أدى لتراجع الحضور المصري في إفريقيا، لاسيما في دول المنبع وتركت المجال واسعا لنشاطات الموساد المدعوم بشركات الاستثمار الاسرائيلية، حيث بلغ نفوذ الموساد مداه في القرن الإفريقي، ولقد انصب عمل الموساد بالإضافة إلى جهوده الاستخباراتية على إفساد العلاقات المصرية الإفريقية وتقديم إغراءات كافية لإحداث القطيعة مع الدولة المصرية.

ماذا ستفعل مصر في حالة ما إذا أصرت اثيوبيا على مواصلة عملها الأحادي في إنشاء سد"النهضة" العملاق..فالمصريون منهمكون في نقاشهم السفسطائي حول دستور لايجد طريقه إلى الحياة العملية ويفرطون في لوك الكلمات الفارغة عن الديمقراطية والحريات الشخصية، ويهب بعضهم للحديث المعسل عن نهضة واستثمار وتشغيل للعمال وزيادة المرتبات.. المصريون اليوم في فوضى تلفهم من كل الجهات وهم يواجهون الخطر الداهم القادم من الجنوب بلا خطة ولا قدرة ولا برنامج..



هل تحارب مصر اثيوبيا ..قد يبدو ذلك احتمالا قريبا وهذا ماتريده إسرائيل وإن تسكت مصر على فعلة اثيوبيا فتقع الكارثة البيئية في مصر، وهذا ماتريد إسرائيل..إن مصر أمام تحديات خطيرة وحتى تنجح مصر في مواجهة المؤامرة لابد لها من تحالفات حقيقية إقليمية ودولية وقرارات حكيمة لإحباط المؤامرة فهل يدرك المصريون أنهم أمام خطر ويكفّوا عن فوضاهم التي زادت عن حدها.

الشروق


Navigate through the articles
Previous article ماذا سيحدث فى مصر يوم 6/30؟ إثيوبيا تختبر صبر المصريين Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع