يرى وزير الشؤون الخارجية، مراد مدلسي، في
هذا الحوار الذي خصّ به ”الخبر”، أن الجزائر ما تزال رابضة على موقفها تجاه الأزمة
السورية، والتي ترفض أن تختار بين الأطراف السوريين. كما أكد بأن الجزائر قدمت ورقة
العمل التي بني على أساسها القرار النهائي والمنصب حول كيفية خلق الظروف المناسبة،
حتى يتحوّل مؤتمر جنيف الثاني من مشروع إلى حقيقة، بالإضافة إلى حيثيات لقائه
بالرئيس المصري محمد مرسي.
كيف ترى النتائج التي وصل إليها اجتماع وزراء الخارجية العرب
الأخير، وما هو موقف الجزائر بشكل عام من القضية السورية؟
الأكيد أن موقف الجزائر كان دائما نفسه، ومن غير الممكن أن جزائر الثـورة،
الجزائر الصديقة والشقيقة لسوريا، أن تختار ما بين الأطراف السوريين، بالعكس موقف
الجزائر يدعم تلاحم الأطراف، وهذه كانت القاعدة الأساسية لموقفنا منذ بداية الأزمة
في سوريا، وتم تأكيد هذه المبادئ في اجتماع وزراء الخارجية العرب، وكان الهدف منه
أن يخرج الوزراء العرب بموقف منسجم من أجل الدفع للأمام، والحل والوحيد للأزمات،
خاصة الأزمة السورية. الوضعية الآن مركّبة جدا والحرب بيّنت بكل وضوح أنه ليست لها
آفاق، غير الدمار والقتال، واليوم نحن أمام نافذة مشجعة ولو ضيقة ولا بد من توسيعها،
هذه النافذة تجعلنا كل واحد على حده أو بصفة جماعية، ندفع ونشجع ما يسمى بمؤتمر
جنيف الثاني، الذي له بوادر ايجابية، ولكن له بعض المشاكل لا بد من معالجتها في
أقرب وقت. أولى هذه البوادر أن المجتمع الدولي والسوريين خرجوا بقناعة واحدة، وهي
أنه من غير الممكن مواصلة الحرب بدون ما نجعل من سوريا دويلات ومنطقة عدم استقرار
مستمر، إذن الحل العسكري أصبح بصفة واضحة حلا فاشلا. والشيء الثاني الإيجابي، هو أن
دولتين عضوين في مجلس الأمن، قررتا أن تعملا مع بعض من أجل الحل السلمي والحوار بين
السوريين، وذلك شيء جديد، لأنه قبل أشهر كان المجتمع العربي والدولي يخرج بملاحظات
مبنية على عدم انسجام في مجلس الأمن واستعمال حق الفيتو لتجميد بعض المبادرات. لكن
اليوم نرى العكس، روسيا والولايات المتحدة خرجتا بمبادرة. والشيء الثابت الذي من
الممكن أن يجعلنا نفتح باب الأمل، هو أن الحكومة السورية صرّحت باستعدادها للمشاركة
في المؤتمر. أما بالنسبة للمشاكل، نستطيع تقسيمها على فترتين، وهي أن نتجاوز
المشاكل الأولى قبل انطلاق المؤتمر. والفترة الثانية، تتمثل في المفاوضات التي
ستنطلق بعد المؤتمر، وربما تكون طويلة ومعقّدة. لكن قبل ما ننطلق في المفاوضات،
لابد أن نعمل جاهدين، كل واحد على مستواه حتى نجعل هذا المشروع ”جنيف 2” حقيقة
ونعطيه نقطة الانطلاق. في هذه الفترة الأولى، أثقل مشكل هو كيف نجعل المعارضة تخرج
بتمثيل ذي مصداقية ومقبول، ليس من كل الأطراف، لكن على الأقل من طرف الأغلبية، لأن
المشكل اليوم مرهون بالمعارضة واستعداداتها وإمكانياتها ورزانة أعضائها وقوة نضالهم
من أجل بلادهم، حتى ربما يعملوا بين قوسين بعض المشاكل ويفضلوا حماية الوطن على كل
الاعتبارات الأخرى حتى يكون فيه انسجام، نوعا ما اجتماع الأمس كان مشجعا في هذا
الاتجاه. طبعا لازالت أمامنا أسابيع قليلة حتى نسجل انطلاق جنيف 2، وهذه الأسابيع
ستكون حاسمة حتى يكون التحضير جيدا، وطبعا الأمم المتحدة والمبعوث العربي الأممي
المشترك السيد الأخضر الإبراهيمي يبذلان مجهودات في محيط موجود فيه الولايات
المتحدة الأمريكية وروسيا، وبصفة أوضح الجامعة العربية كطرف مشجع لهذا الحوار،
والمشاكل التي ممكن أن تكون في الفترة الثانية هي مشاكل عديدة ومتعددة. أول مشكل من
الممكن أن يطرح، هو ما نستطيع أن نسميه الشرط المسبق الذي نعمل على أساسه، وهو وقف
القتال حتى لو كنا نعتبر هذا الشرط غير مسبق للحوار، لكن الأكيد أن هذا الشرط سيكون
في محيط الحوار بصفة مستمرة، وأتمنى أن أقل شيء يكون فيه مجهود من الطرفين،
المعارضة والنظام، وحتى من الأطراف التي تغذي العنف بصفة مباشرة أو غير مباشرة،
ونتمنى أن تخرج كل هذه الأطراف بقناعة أن هذا الحوار السياسي لابد أن يكون سهلا أو
أسهل إذا كان المحيط فيه تنازل قوي عن العنف في الميدان، وربما يمكن معالجة
الصعوبات الأخرى بذكاء وبإرادة جميع الأطراف، وعلى وجه الخصوص قضية الحكومة المؤقتة
وتشكيلها. وأكثر من هذا، قضية صلاحياتها، لكن اليوم سبق الأوان حتى نخرج بملاحظات
دقيقة بالنسبة للفترة الثانية، وكان المجهود الذي خرجنا به بالجامعة العربية
وبمشاركة قوية جدا للجزائر، التي قدمت ورقة العمل التي بني على أساسها القرار
النهائي، أن ينصب المجهود العربي والجزائري باتجاه رئيسي، وهو كيف نخلق الظروف
المناسبة حتى يتحوّل مؤتمر جنيف الثاني من مشروع إلى حقيقة.
ولكن الإبراهيمي قال إنه لا يمكن الحديث عن تاريخ جنيف
الثاني حاليا، وأنه سيلتقي بمسؤولين أمريكيين وروسيين في الـ24 من الشهر الجاري؟
السيد الأخضر الإبراهيمي قال بصفة واضحة ما قلته لك بصفة دبلوماسية، قلت لك
إن المشكل الذي يواجهنا اليوم من يمثل المعارضة؟ والمجهود المبذول اليوم والسيد
الإبراهيمي وبعض الأطراف يسعون لحل المشكل، وقالها في تصريح له إنه على اتصال مع
النظام والمعارضة، هذه الاتصالات إن شاء الله ستسمح لنا بأن نجد حلا لهذا المشكل،
وبهذا فالأسابيع المقبلة ستكون حاسمة.
لكن المعارضة كانت ممثلة في الاجتماع الوزاري، وحضر عنها
هيثم المالح، كما أن ائتلاف المعارضة ممثل في مقعد بالجامعة العربية؟
المالح كان ممثلا للمعارضة وقد حضر الاجتماع المغلق، وقدم شهادة عن الوضع
السوري، وعندما انتهى من ذلك انسحب. وحتى يومنا هذا مجلس سوريا في الجامعة لازال
شاغرا، واجتماع الأربعاء الماضي كان بدون ممثل سوريا، لكن المجلس سجل اهتماما
وإصغاء كبيرا لشهادة المناضل هيثم المالح، الذي أتانا بمعلومات عن الواقع المؤلم
والمؤسف والمأسوي، وكانت شهادة قوية جدا وتم تسجيلها.
وكيف ترون موقف حزب الله اللبناني ومشاركته في الصراع الدائر
على الأراضي السورية؟
قضية حزب الله ذكرت في الاجتماع، وأستطيع القول إنه كانت فيه مواقف متناقضة
نوعا ما، البعض يقول إنه ليس لحزب الله الحق في التدخل في شؤون دولة أخرى بهذا
المستوى من العنف، والبعض الآخر قال إن حزب الله أخذ هذه المبادرة لسبب رئيسي،
وهدفه حماية لبنان وليس التدخل في الشأن السوري. وموقف ثالث وهو موقف الجزائر
المبني على أساس أن كل تدخل أجنبي، بما فيه حزب الله أو غيره، يدان. وحاولنا من
خلال هذه المواقف الثلاثة، أن نخرج بصياغة توافقية نوعا ما، لكن كان الأمر صعبا جدا،
لأنه في الوقت الذي نطلب فيه من كل الأطراف الفاعلة في الميدان، التنازل عن العنف
والسلاح، يصعب علينا تقبل أن فلانا أو دولة أو منظمة تدخل في ميدان الحرب وتزيد
الطين بلة.
في الوقت الذي تتحدّثـون فيه عن وقف العنف والقتال في
الأراضي السورية، تواصل عدد من الدول العربية تسليح الجيش السوري الحر، ومنها قطر،
فما تعليقكم؟
الهدف من الاجتماع الأخير وما سبقه من لقاءات، أن ضمير كل عربي، سواء أكان
مسؤولا أو مواطنا، يجب أن يعمل من أجل خفض العنف. وإذا كان فيه مثلما قلت أطراف
تغذي العنف، يجب أن تتراجع عن موقفها، لأنهم إذا استمروا في العنف، فالعنف بصفة
مباشرة أو غير مباشرة يلحقهم فيما بعد.
هل نواجه مخططا أمريكيا صهيونيا لإعادة تقسيم المنطقة من
جديد؟
عندما نكون أمام أزمات، كالأزمة السورية، فكل واحد يخرج بتحليل، وأنا مسؤول
ولست محللا. لكن أستطيع أن أتفهّم هذا التحليل، حتى وإن لم تكن لدي أدلة واضحة تؤكد
بصفة مباشرة تورط هذا الطرف، عربيا كان أو غربيا، لكن الاحتمالات تبقى مفتوحة
والتاريخ سيبين ويوضح كل هذه الأمور.
وماذا عن لقائك بالرئيس المصري محمد مرسي؟
اللقاء كان هاما جدا، ويأتي عشية اجتماع اللجنة الكبرى التي سيترأسها رؤساء
الحكومة بداية شهر جويلية، وسيكون مسبوقا باجتماع للجنة المتابعة يترأسها وزراء
خارجية البلدين، وسيكون بالجزائر يومي 27 و28 جوان وجاري التحضير للاجتماع من زاوية
قوية، ألا وهي إرادة الطرفين حتى تتحوّل العلاقات من حسن إلى أحسن وتجسيد الإرادة
السياسية بصفة ملموسة حتى هذه الشراكة جد مشجعة تصبح مثالية، لأن الدولتين لهما
إمكانيات وتجربة واضحة. بالنسبة للتعاون الثنائي، لنا مشاريع وبرامج واضحة حددت
سواء بالنسبة للطاقة أو السكن والعديد من فروع الصناعة، وعلينا أن نحوّل هذه
المشاريع إلى أرض الميدان.
وماذا عن المحيط الإقليمي ودول الحدود المشتركة؟
طبعا تكلمنا عن المحيط الجهوي الذي يعنينا ويعنيهم، فمصر جارة ليبيا وسوريا
ونحن جيران ليبيا، والمحيط الليبي وقضية الساحل وارتباطها مع الأزمة التي كانت في
ليبيا، كل هذه القضايا كانت مجالا لتبادل الآراء والقناعات، والقناعة المشتركة هي
أنه من غير الممكن الفصل بين الأمن وضرورة التنمية، إذ لابد من الأمن حتى نتجنب
الخطر والعنف وعدم الاستقرار لمعالجة الأمر في أساسه في المنطقة، وخاصة المنطقة
المتعلقة بالإخوة في مالي الذين هم في حاجة وينتظرون منذ فترة الإنعاش الاقتصادي
لتحسين ظروفهم المعيشية، حيث إنه من الضروري إعانة مالي والمنطقة الساحلية كلها،
ليس من طرف الجزائر ومصر فقط، وإنما من طرف كل المجتمع الدولي، وتسخير الإمكانيات
الطبيعية والبشرية الموجودة في المنطقة، حتى تسمح للشعوب بأن ينتقلوا إلى ظروف عيش
مقبولة، وهذا الشرط الوحيد حتى نتجنب العنف. أما قضية مفهوم الإسلام، فهي قضية
تهمنا كمسلمين ولا بد من جمع شمل المسلمين حتى نبلغ رسالة صحيحة للإسلام، لا رسائل
مشوهة لديها أغراض أخرى، وقد اطلعنا على هذه المواضيع كقناعة مشتركة، وطبعا اغتنمت
الفرصة وبلغت للرئيس محمد مرسي الرسالة الأخوية والحميمة من الرئيس بوتفليقة.
الخبر
Navigate through the articles | |
المؤتمر لمناقشة أهم القضايا التي تواجه مصر | افتتاح مؤتمر “التيكاد” للتنمية الأفريقية في اليابان |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|