المقالات و التقارير > أيها السياسيون رفقا بمصر

أيها السياسيون رفقا بمصر

لم أجد وسط الأحداث المهمة الواقعة في مصر إلا هذا النداء، أتوجه به إلى السياسيين في مصر، المخلصين منهم ومن يُتهم منهم بالحق أو بالباطل، رفقا بمصر.
تعاني مصر معاناة شديدة، استمر كثير من أوجه تلك المعاناه حتى بعد الثورة، التي كنا نأمل أن تكون انطلاقة جديدة، بعيدا عن المظالم والفساد والديكتاتورية والتهويل والتزوير والمديونية والتخلف والعبث الأمني والبطش بالمعارضة والمحاكم العسكرية والسجون، وبعيدا عن الخضوع عن الهيمنة الخارجية والابتزاز الاسرائيلي، وبعيدا عن استمرار برامج الاستدانة ومد اليد الى الآخرين حتى لو كان صندوق النقد الدولي.
كنا نتمنى ان تقوم حكومات ما بعد الثورة بالسعى الجاد لتحقيق أهداف الثورة الأربعة، عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية، من خلال رؤية واضحة وبرامج قابلة للتنفيذ وفق خطط إستراتيجية محكمة، وكما يقول المصريون ‘ما تخرش الماء’، ولكن الأماني والأحلام شيء، ويحتاج تحقيقها الى عقل وحكمة وعمل، والواقع الذي نراه في مصر اليوم شيء آخر بعيدا عن العقل والحكمة والعمل اللازم. ومن ثم جاءت حركة ‘تمرد’، وما كان لها ان تأتي لو أن أهداف الثورة وجدت سعيا جاداً ممن في الحكم وفي كل مؤسساته لتحقيقها. أما حركة ‘تجرد’ فهي رد فعل لا يستطيع أن يكافئ حركة تمرد مهما جمعت من أصوات.
ولذلك ترى أصحاب حركة ‘تجرد’، يهددون ويزأرون ويتهمون حركة ‘تمرد’ لإخافة الآخرين، والمهندس عاصم عبد الماجد وتصريحاته وكلامه أوضح مثال على ذلك.
وقد أوقع ذلك الرئيس المنتخب محمد مرسي وجماعته وحزبه السياسي في تحديات لم يعد من الممكن تجاوزها، وتمسكوا جميعا بنتيجة الصندوق أكثر من تمسكهم ببعض الثوابت التي قفزوا عليها، وحتى على بعض القيم التي هي من صلب المنهج الذي تربوا في أحضانه للأسف الشديد، ففقدوا حتى القدرة على السير في الشوارع من دون حراسات، وخسرت الدعوة خسارة كبيرة في ضوء المكاسب السياسية التي اعتمدت على ثقة الشعب في الاسلاميين ومشروعهم، ولكن ثقة الشعب ارتبطت كذلك بالوعود التي قطعها الاسلاميون على أنفسهم وضيعوها واحدا وراء الآخر.
الحالة في مصر حتى بدون 30 يونيو، الذي كثرت بشأنه التوقعات والأمنيات حالة لا تسر، يمكن ان نطلق عليها المثل الشائع، ‘وقع في حيص بيص’- نعم مصر في حيص بيص.
‘تمرد’ تجمع عددا كبيرا من التوقيعات، حتى اليوم لم يحدث في مصر من قبل ولا يقل عن نصف ما وعدوا به أي 15 مليون توقيع، وقد يشارك جزء كبير أو صغير من هؤلاء في 30 يونيو، وقد ينجحون في مهمتهم بشرط السلمية الكاملة، وأنا أرجو لهم النجاح لأن مرسي وحزبه وجماعته فشلوا في إدارة المرحلة وعجزوا عن الوفاء بالوعود التي قطعوها على أنفسهم، ولا يزالون يتهمون المعارضة وكأنها هي التي تحكم مصر، ويتهمون الثورة المضادة وكأنهم سعوا حقا في تحقيق أهداف الثورة، وأقاموا العدل، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وأنقذوا مصر من التخلف والهيمنة التي تزداد يوما بعد يوم، حتى أصبح لها مكانتها التي تستحق بين العرب والأفارقة والمسلمين.
كثير من الذين خرجوا لنصرة د. مرسي في الانتخابات أو بعضهم على اقل تقدير وممن لا يعنيهم إلا مصر واستقرارها، هم ممن يطالبون اليوم بإنهاء حكم الاخوان أو حزب الحرية والعدالة ممثلا في مرسي.
تطالب حركة ‘تمرد’ بسحب الثقة من د.مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. هذا حق واضح ضمن نظام الديمقراطية لا يمكن تجريمه ولا الاستهزاء به، ولعل يوم 30 يونيو يستطيع تصحيح المسار في مصر، بعد أن ظن بعضهم أن الثورة قد ماتت، وليس هناك قيادة ثورية تواصل مسار الثورة، فإذا بهذا الشباب الثوري، الذي ترك الخوف جانبا، ويحسن استخدام كل أدوات العصر، يعيد الكرة من جديد، وسيعيدها مراراً وتكراراً حتى تتحقق آماله وطموحاته ومطالبه، حتى إن تعرض للاختراق أو الهزيمة هذه المرة. كبار السياسيين لا يعرفون حقيقة ما يدور في عقلية هؤلاء الشباب، وبعض من في الحكم حاولوا ولا يزالون التصرف بعيدا عن فهم هؤلاء الشباب. الثورة كســـرت حاجز الخوف قبل أن تطيح بمبارك ونظامه وهذا أبرز المكاسب التي تحققت على ايدى الثوار.
أرى ان استمرار د.مرسي في الحكم، كان يحتاج إلى أساسين هما: الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه، وهي تشكل جزءاً من الرؤية والاصلاح المنشود، كما كان لا بد ان يعتمد على السعي في تحقيق أهداف الثورة وفق خطة واضحة المعالم، أما صندوق الانتخابات فكان ضروريا لممارسة الديمقراطية واحترام إرادة الشعب، ولكنه وحده لا يغني عن الوفاء بالوعود أو تحقيق أهداف الثورة أو الاصلاح المنشود أو حسن الادارة، فكل تلك الأسس تقوم شاهدة على الاستمرار في الحكم أو السلطة من عدمه.
أما على مستوى الإدارة التنفيذية، أعني الحكومة بقيادة د. هشام قنديل، فلم تشهد مصر في تاريخها، في ظني، أضعف من هذه الحكومة مع صلاح معظم أفرادها، أفرادا او مواطنين أو مسلمين أو أزواجا أو جيرانا.
تمر المشكلات على مصر بوجود هذه الحكومة وتزداد، والحكومة في معظمها كما يقول المثل’ ودن من طين وأخرى من عجين’، انقطاع الكهرباء، معالجة أخطار المياه، خصوصا بعد سد ‘الوكسة’ وليس النهضة، وانتشار الجريمة، وخطف الجنود الذي أراد د. مرسي وحكومته الضعيفة ان يعتبروا عودة الجنود إنجازا، في حين أن الأصل ألا يُختطف جندي واحد، الانفلات الأمني، الأزمة مع الإعلام والإعلاميين، الأزمة مع الثقافة والمثقفين، الأزمة في البنزين والسولار، الأزمة مع القضاء، أزمة النائب العام الذي يطلق عليه النائب العام الخاص حاليا، التخبط الذي صاحب الهروب من السجون أيام الثورة وضرورة إبراز الحقيقة، أعتقد أن مصر كلها تنتظر نتيجة ما ستسفر عنه مناسبة 30 يونيو وما قبلها وما بعدها، المعارضة الأصيلة والكرتونية وجدت حركة شبابية قوية منتشرة لتقف وراءها، تطالب برحيل مرسي وسقوط حكم الاخوان، وتطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، والقفز على الدستور المعيب الذي أطلق عليه أصحابه: أعظم دستور لأعظم شعب، وما هو كذلك. والاخوان بشكل عام، ينذرون ويحذرون، ويستعدون لذلك اليوم المرعب، بعضهم يقلل ويهون من أهميته، وبعضهم يضخم منه ويعتبره جريمة، وهو حق سياسى أكيد، وبعض الجماعات والاحزاب السياسية الاسلامية أعلنت موقفها مستقلا عن موقف الاخوان، والجماعة الاسلامية تطلق لنفسها العنان، تحمي النظام ولا ترى فساده ولا ترده الى الحق والعدل والمساواة والشورى الحقيقية، ومنهم من يثير الفتن الكثيرة في خطابه ويسعى في الاستقطاب ووضع الزيت على النار المشتعلة بدلا من الاصلاح والخطاب الوسطي، الذي يقدر حق المواطنة، وحق التظاهر السلمي في الاطار الديمقراطي الصحيح.
لا يستطيع عاقل أن يصدر أو أن يقبل بيانات مثل التي نُسبت الى الجماعة الاسلامية والتي تدعو أعضاء الجماعة الى التحرك يوم 30 يونيو لإلقاء القبض على قادة الفوضى السياسيين ومن يساهدهم من الإعلاميين ورجال الأعمال، والتحفظ عليهم حتى تتضح الرؤية. هذا طبعا يذكرنا بجماعة ‘حازمون’ وما فعلوه أمام المحكمة الدستورية وما فعلوه أمام مدينة الانتاج الاعلامي والشعار الذي رفعه من رفعه ‘يا مرسي إدينا إشاره نجيبهم لك في شيكارة’، ولا يمكن ابدا ان تكون هذه شطارة مهما كان المنتصر فيها، بل هي بداية لفوضى عارمة وربما – لا قدر الله تعالى ـ حرب أهلية ولو على سبيل التجربة. ماذا سيكون عليه وضع المساجد والكنائس والاسواق والتجمعات والمحطات الإعلامية الاستقطابية، كل ذلك أو جزء كبير منه سترصده عدسات رجال الاعلام الداخلي والخارجي، الذي يتابع منذ الأمس القريب هذه المناسبة الفريدة في العالم العربي. انعكاس ما سيحدث في مصر على بقية بلدان الربيع العربي سيكون كبيرا، بل وانعكاساته على حكومات وسلطات بلدان غير الربيع العربي، سيكون كبيراً ايضا وسلبا اكثر منه ايجاباً.
هناك مجموعة من الاسئلة التي يجب دراستها من جميع المعنيين، وتوضيح الرؤية بشأنها، من هذه الاسئلة ماذا سيكون موقف الامريكان بشأن هذه المناسبة؟ للاسف اصبحنا رهينة للنظام العالمي الجديد، لا نتحرك إلا بعد ان نحسب الف حساب، في مصر الثورة، في سورية، في الخليج، وفي غيرها من البلدان. وماذا سيكون عليه الوضع في إسرائيل، وكيف سنتعامل مع ذلك اليوم ومع نتيجته؟ وكيف لا وما هو موقف دول الخليج، خصوصا قطر رغم انشغالها بالتغيير المحدود داخل السلطة، والسعودية والامارات العربية التي تستضيف رأس الثورة المضادة في مصر وفلسطين، أعني الفريق شفيق ودحلان؟
الانقسام مستمر في المجتمع، حتى إن بعض ضباط الشرطة استنادا الى حقهم الانتخابى دستوريا، كما قررت المحكمة مؤخرا، سيتظاهرون مع المتظاهرين، أي انهم سيقفون مع تمرد ضد مرسي وضد السلطة القائمة، ولعل هذا ايضا سيلقي الضوء على بعض نتائج قرارات المحكمة الاخيرة بشأن السماح للعسكريين.
بالتصويت في الانتخابات، ماذا سيكون عليه الوضع في الجيش، وهو المؤسسة الوحيدة المتماسكة في مصر، التي تستطيع إن أرادت أو تهيأت لها الاجواء أن تضبط الاوضاع، انطلاقا من حب الناس لها رغم أخطاء المرحلة الانتقالية الكارثية، ولكنها كانت أهون مما عليه الوضع اليوم تحت حكم الاسلاميين.
مصر كلها مشغولة بما دعت إليه حركة ‘تمرد’، كل حزب وكل جماعة وكل حركة مدنية أو حتى القوات المسلحة والشرطة. منها ما هو مشغول ويدرس ويراقب ويحذر، ولكن المجهول أخطر من المعلوم. أسأل الله تعالى أن يحفظ مصر والامة والعالم، من شر الانس والجن، وان يمنحنا القوة والقدرة على الخروج من التخلف والاستقطاب والتلون والتخبط، الى الإنصاف والموضوعية والعدل والتقدم وتحقيق أهداف الثورة. والله الموفق

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article فتح مصر الاخوان المسلمون في مصر يلجأون لقوة الخبز Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع