لم يبقَ على الثلاثين من يونيو سوى ستة أيام تمر فى مصر شديدة الثقل على البعض، بينما يشعر بها البعض الآخر كنسمات الهواء الرطب فى صيف قائظ. وبينما يواصل المواطنون المصريون العاديون ومئات من الحركات والأحزاب والقوى السياسية، على رأسهم حركة تمرد، التوقيعات على مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة والاستعداد لبدء النزول للشوارع والميادين يوم الأحد المقبل، يبدو واضحاً على الجانب الآخر، حيث تقف جماعة الإخوان المسلمين ومن بقى من حلفائها القليلين، أن ثمة خوفاً وصل إلى حد الهلع من هذا اليوم وما يمكن أن يحدث فيه أو يتلوه من تطورات وأحداث تشير كلها إلى أن الحكم الحالى قد وصل إلى الحد الأقصى لفقدان الشرعية والمشروعية معاً.
ولمواجهة هذه التخوفات، وسعياً إلى إفقاد الثلاثين من يونيو مضمونه الواضح والبسيط والسلمى، وهو إعادة القرار إلى الشعب مرة أخرى فى انتخابات رئاسية مبكرة، تبلورت خلال الأيام الأخيرة استراتيجية محددة اتبعتها جماعة الإخوان المسلمين وحزبها وحلفاؤها القليلون تضمنت عدة محاور ونقاط تهدف كلها عبر تحركات عملية ونشاطات إعلامية إلى تحقيق هدفين: الأول هو تشويه صورة ومضمون التحرك الاحتجاجى المنتظر يوم الثلاثين من يونيو، والثانى هو إثناء المصريين بكل السبل عن الانضمام إليه والدعوة له.
وفى إطار السعى المحموم من الجماعة الحاكمة وحلفائها وتابعيها لتطبيق محاور استراتيجيتهم لمواجهة الاحتجاجات الشعبية المتوقعة بعد أيام ستة، تحولت محاورها الرئيسية إلى أكاذيب ومزاعم يجرى ترويجها بصورة شديدة التكثيف عبر كل الوسائل التى يمكن أن تصل إليها أيادى الجماعة ومن هم معها.
وأولى هذه الأكاذيب هى القول بأن الانقسام القائم اليوم فى مصر هو بين معسكر إسلامى وآخر- بحسب تعبيرات عاصم عبدالماجد ومحمد البلتاجى- «شيوعى» «قبطى» «عسكرى»، الأول يدافع عن الدين الحنيف والحكم الحالى الذى يمثله برئاسة الدكتور محمد مرسى، والثانى يسعى لهدمه وإقامة حكم معادٍ له ولتعاليمه ومقاصده العليا.
والحقيقة أنه لا شىء فى مطالب أو وثيقة «تمرد» والمعارضة المصرية الداعية ليوم الثلاثين من يونيو يشير من قريب أو بعيد إلى أى معنى دينى من هذه التى يروّج الإخوان وحلفاؤهم لها، وليس هناك فيها من مطلب سوى الانتخابات الرئاسية المبكرة التى لا صلة لها لا بالإسلام ولا بأى دين آخر سماوى ولا حتى وضعى.
والحقيقة أيضاً أنه لا شىء يدل فى الواقع العملى على أن الرئيس مرسى وحكمه قد وضعا أى تشريع أو اتخذا أى قرار يمكن وصفه بأنه إسلامى حتى تصح الكذبة القائلة بأن الانقسام هو حول تطبيق الإسلام وزعم البعض أنهم يدافعون عنه. والحقيقة الثالثة هى أن المنضمين للدعوة ليوم الثلاثين من يونيو يشملون عديداً من الأحزاب والقوى ذات المرجعية والتاريخ الإسلاميين أبرزهم حزب مصر القوية بقيادة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والتيار المصرى، الذى يضم شباب الإخوان المسلمين الثوار المنشقين عن الجماعة.
وثانية هذه الأكاذيب القول بأن الواقفين وراء يوم التمرد يسعون إلى قلب نظام الحكم وإدخال البلاد إلى فوضى، بالمخالفة لقواعد الديمقراطية، التى تعطى الرئيس شرعية لا تهتز. والحقيقة أنه لا شىء فى مطالب التمرد سوى الانتخابات الرئاسية المبكرة، وهى لا تعنى فى جوهرها سوى العودة لنفس صندوق الانتخاب الذى أتى الرئيس مرسى عبره، فضلاً عن أن مطلب الانتخابات المبكرة هو جزء من الممارسة الديمقراطية المجربة والمستقرة فى عديد من دول العالم، سبق لشعوب كثيرة أن طرحته وطبقته دون أن يتهمها أحد بأنها تقوم بانقلاب أو تدفع إلى الفوضى.
ولا تكتمل هذه الكذبة دون الثالثة التالية لها فى حملة الترويج الإخوانية، وهى أن القول بأنه على المعارضة- طالما أن لديها هذا التأييد الشعبى الواسع الذى تزعمه- أن تتوجه فوراً إلى انتخابات مجلس النواب لتحصل على الأغلبية فيه، وعبرها يمكن لها تشكيل الحكومة وتغيير الدستور ومحاكمة رئيس الجمهورية إذا شاءت.
وتحمل هذه الكذبة مغالطتين على الأقل: الأولى أن هذه الانتخابات البرلمانية يمكن أن تتم بحرية ونزاهة فى ظل حكومة تابعة للإخوان وحركة أخونة واسعة للمحافظين والقيادات العليا للدولة، وقبلها قانون لها قامت أغلبية الجماعة وحلفائها فى مجلس الشورى بوضعه. والثانية أن الدستور الحالى لا يمكّن المعارضة سوى من تشكيل الحكومة إذا ما حصلت على أغلبية بسيطة، أما تغيير الدستور ومحاكمة الرئيس فيستلزمان الحصول على ثلثى أعضاء مجلسى البرلمان، وهو ما يستحيل على أى قوة سياسية فى البلاد.
أما الكذبة الرابعة فهى مزدوجة وتقوم على مفهوم واحد هو العنف. الشق الأول منها هو الترويج لأن الاحتجاجات القادمة للرافضين لاستمرار حكم الرئيس والإخوان ستكون عنيفة، وسيتم استخدام الوسائل غير المشروعة فيها والاعتداء على مرافق الدولة والممتلكات الخاصة، وهو ما يهدد البلاد بفوضى واسعة وعنف متبادل بين الأطراف كافة.
والحقيقة أن هذا الشق الأول من الكذبة ينفيه تماماً كل تصريحات وتحركات الداعين ليوم الثلاثين والتى تؤكد كلها على التزام السلمية ورفض أى تورط فى العنف، بينما تؤكد تصريحات حلفاء الإخوان وتهديداتهم أن الاحتمال الوحيد للعنف سوف يأتى من جانبهم. وهنا يظهر الشق الثانى للكذبة، وهو السعى لتخويف وترويع المصريين عبر هذه التصريحات والتهديدات لمنعهم من النزول يوم الثلاثين، تحسباً لما يمكن أن تقوم به قوى الإخوان وحلفاؤهم المدربون، كما يشيع البعض على ممارسة العنف.
والحقيقة أنه لا أحد كان مدرباً وقادراً على مواجهة الحشود الجماهيرية بالعنف بقدر قوات الأمن المصرية فى عهد الحكم السابق، وهو ما فشلت فيه أمام تدفقها وإصرارها على إسقاطه، فكيف تستطيع مجموعات أو جماعات مهما بلغ حجمها وتدريبها المزعوم أن توجه شعباً أو جزءاً كبيراً منه يتدفق مصمماً على مطلبه، وما هى ردود فعله إذا ما أوصل الحمق وسوء الحسابات بعضاً منها إلى محاولة فض احتجاجاته السلمية بصورة عنيفة؟ الإجابة معروفة وربما لا يدرك البعض حتى الآن أبعادها الخطيرة، إذا ما حدث هذا لا قدر الله.
أما الكذبة الأخيرة والتى تحمل تناقضات هائلة فهى القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد الحكم الحالى فى مصر، وهى لن تتركه ينهار تحت أى ضغوط مهما بلغ قدرها.
والحقيقة أن الجزء الأول من الكذبة قد يكون صحيحاً، فواشنطن تؤيد الحكم الذى يؤمن بأمن إسرائيل وحرية المرور العسكرى فى قناة السويس والأجواء المصرية ويتطابق مع موقفها فى مواجهة الحكم السورى الحالى، وهو ما قام به نظام الرئيس مرسى بجدارة فى عامه المنصرم.
أما الجزء الثانى من الكذبة فلا يوجد سند واحد من التاريخ العالمى ولا التاريخ المصرى يؤكده، وآخره الموقف الأمريكى أثناء ثورة يناير العظيمة، وكيف تحول من مساندة نظام صديقه وحليفه مبارك إلى التخلى عنه والمطالبة برحيله، فور التأكد من الإصرار الشعبى الكبير على إسقاطه. الولايات المتحدة هى واضعة فلسفة البراجماتية وعلومها وتطبيقاتها، أى اتخاذ المواقف العملية بحسب المصلحة، وسياساتها الخارجية منذ سبعين عاماً على الأقل مثال يدرس فى الالتزام بها، وهى اليوم فى انتظار الثلاثين من يونيو لكى ترى ما سوف يقوم به المصريون لكى تتخذ موقفها الأخير والمعلن بحسب اتجاه الربح والمصلحة.
المصري اليوم
Navigate through the articles | |
التحالف الإسلامى الجديد فى مصر | صوماليون يخبرون عن تجارب الزواج بالإكراه من عناصر حركة الشباب |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|