المقالات و التقارير > وصيتى للإخوان

وصيتى للإخوان

لأنه كان مشهداً فريداً ورائعاً وعظيماً، فقد وجب علينا ألا نمل من استدعائه، بل الوقوف أمامه بكل التقدير والإجلال والاحترام.. إنه مشهد خروج عشرات الملايين من الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو غضباً واحتجاجاً ورفضاً لحكم الدكتور مرسى والإخوان، الذى استمر لمدة عام واحد فقط.. كنا نتمنى من أعمق أعماق قلوبنا لهذا الحكم أن ينجح، لكنه للأسف خيب أملنا وأمل الجميع، وحقا ليس بالتمنى وحده تتقدم الشعوب.. كان لابد من قوة مؤسسية لها قدرتها وقدرها واحترامها، لتحقيق إرادة هذه الملايين، وإزاحة أى عائق يقف فى طريقها، ولم يكن سوى القوات المسلحة من يستطيع القيام بذلك، ولولاها لكانت العواقب وخيمة، لا أحد يتصورها أو يتحمل تبعاتها.. ومما لا شك فيه أن هذه الملايين خرجت بإرادتها الحرة، وما كان لأى جهة مهما بلغت أن تحركها، أو تتحكم فيها أو تسيطر عليها.. لقد كان المجتمع كله فى حالة احتقان وغليان.. كان على وشك الانفجار، حيث أدت ممارسات مرسى والإخوان إلى حنق وسخط كل الشرائح والفئات.

لقد أحدث عزل الدكتور مرسى عن منصبه اهتزازات عنيفة على المستويين الإقليمى والدولى.. فقد أعربت السعودية ودول الخليج عن رضائها، وعلى النقيض كان موقف تركيا.. وكما العادة، مارست الإدارة الأمريكية ضغوطا فى البداية للحيلولة دون عزل الرجل.. ومع الوقت باعته كما باعت مبارك من قبل، وقد أرسلت «وليام بيرنز»، مساعد وزير خارجيتها، كما بعث الاتحاد الأوروبى «كاثرين أشتون»، الممثل الأعلى لسياسته الخارجية والأمنية، إلى مصر للقاء كل الأطراف، للوقوف على حقيقة الأمر.. كان ضرورياً الاطمئنان على مسار العملية الديمقراطية بما يحقق تبييض وجه الإدارة الأمريكية أمام الجمهوريين والشعب الأمريكى، والتأكيد على أنه لن يكون هناك أى تغيير بالنسبة لسياسة مصر تجاه «إسرائيل» فيما يتعلق باتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام.

كانت الإدارة الأمريكية تتصور أن الإخوان هم الجواد الرابح، الذى يمكن أن تراهن عليه فى تحقيق مشروعها ومصالحها فى المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فضلاً عن التورط فى قيادة محور سنى فى مواجهة آخر شيعى، وقد تأكد لديها أن الإخوان فشلوا فى إدارة شؤون البلاد، ولم يتمكنوا من تحقيق الاستقرار السياسى، أو أن يضعوا حلولاً للوضع الأمنى، أو مخرجاً للأزمة الاقتصادية الحادة، ولأن الإدارة الأمريكية، والغرب عموماً، يعتمد فى سياسته على الفلسفة الداروينية الحديثة، وهى أن البقاء للأقوى، أو للأصلح، لذا لم يكن هناك أدنى مشكلة لدى الإدارة الأمريكية أن تغير ثوبها، وتخلع رداءها، وأن تولى وجهها شطر وجهة أخرى.

لذا أوصى الإخوان بأن يثوبوا إلى رشدهم.. وألا يستمعوا لمن يدفعون بهم إلى مزيد من الفشل والتردى،إذ تحت دعوى الدفاع عن الشرعية قبلوا للأسف – بوعى أو دون وعى – أن ينقادوا لعناصر من خارج جماعتهم..

أرجو أن ينهوا اعتصامهم، وأن يبتعدوا عن أى أعمال عنف من شأنها أن تزيد من كراهية الناس لهم.. لقد فقدوا خلال هذا العام رصيدهم لدى الشارع المصرى، وتراجعت شعبيتهم، وها هم الآن يفقدون ما بقى.. عليهم أن يدركوا أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأصبح من المستحيل إعادة الدكتور مرسى لسدة الحكم.. فهل يستمعون؟! وهب أنه عاد، فما الذى يمكن أن يفعله، خاصة أمام هذا الرفض الشعبى الهائل، وبعد هذه الدماء التى سالت؟ لقد كانت تحت يديه سلطات واسعة فأساء استخدامها، وكانت أمامه فرص كثيرة، لكنه – للأسف – ضيعها وأهدرها.

أيها الإخوان: لقد استعجلتم قطف ثمار لم تنضج بعد، وتقدمتم لتحمل مسؤوليات لم تكونوا مستعدين لها.. عليكم أن تعيدوا حساباتكم، وأن تعملوا على استعادة ثقة الناس بكم.

أيها الإخوان: إن الحفاظ على مؤسسات الدولة، مع ما فيها من خلل وقصور، واجب وطنى وقومى وحضارى، ولنعلم جميعا أن محاولة النيل من الجيش المصرى، معنويا أو ماديا، كناطح صخرة، لن يجنى سوى الفشل والهلاك، فضلا عن أنه خيانة وطنية..

إن تاريخ الجيش يؤكد أنه كتلة صلبة متماسكة غير قابلة للتشرخ، أو التصدع تحت أى ظرف، وذلك لطبيعة تركيبته وتكوينه، العضوى والعقدى والثقافى والوطنى والتاريخى.. والذين أتيح لهم شرف الالتحاق بالقوات المسلحة يعرفون ذلك جيدا.

المصري اليوم
 


Navigate through the articles
Previous article أفرجوا عنه أو حاكموه حديث الانقلاب Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع