المقالات و التقارير > هل زادت التعقيدات في مصر عقدة؟

هل زادت التعقيدات في مصر عقدة؟

ما الذي أصاب مصر الوطن، ومصر الثورة، ومصر الاسلاميين، ومصر العلمانيين، ومصر الليبراليين، ومصر الناصريين والاشتراكيين واليساريين والقوميين، ومصر كل شيء وأي شيء محترم وعزيز؟
أنظر الى الوطن اليوم بعد مرور سنتين وسبعة أشهر تقريبا على بدء ثورة 25 يناير 2011 التي أبهرت أنظار العالم بسلميتها، وأعادت المطرودين والمهاجرين الى أوطاونهم، وأعادت الوطن الى أبنائه بلا خوف من مواجهة الظلم، وتقديم الشهداء للتحرر من القيود التي عطلت الوطن عن التنمية، بعد أن حكمته طغمة ظالمة فاسدة، أثرت على حساب الفقراء والفلاحين والعمال وسكان القبور والعشوائيات. لم يعد هناك بعد الثورة محظور سياسي، فحصل كل من يريد على ترخيص حزبي سياسي حتى زادت الأحزاب في مصر عن 70 حزبا سياسيا .
أرى الوطن وقد مر بمرحلتين هما: حكم المجلس العسكري، وحكم الاسلاميين بقيادة الاخوان المسلمين، ثم قامت ثورة 30 يونيو 2013، التي قادتها حركة ‘تمرد’ الشعبية، وأدت الى حكومة مؤقتة جديدة بداية لمرحلة ثالثة، تركت وراءها التنافس السياسي ممثلاً في خارطة الطريق، ولكن تلك المرحلة قام فيها من أعلى من شأن الصراع المدمر للأرواح والأنفس والعلاقات حتى بين أفراد الأسرة الواحدة .
كلا الثورتين نجحتا – 25 يناير 2011، 30 يونيو 2013 – في إسقاط النظام القائم آنئذ، نظام مبارك بفساده، ونظام الاسلاميين بقيادة الاخوان بانغلاقه، ومحاولات الاخونة والتمكين الفاشلة، والنهضة التي لم نرها ولم يشم الوطن لها حتى رائحة، ولم يشهد لها أثرا، حيث انقلبت الشعارات الجميلة الى كوارث من قبيل شعارات، ‘نحمل الخير الى مصر’، وليتها تحققت .
توقفت الثورة الاولى عن مسيرتها وتحقيق أهدافها إلا قليلا، نظرا لأنها انبهرت بأضواء النجاح في إسقاط رأس النظام الفاسد والطغمة الحاكمة الضعيفة، وانصرفت الثورة بدون قيادة موثوقة للثورة، حتى جرى وصف الثوار أحيانا بالبلطجة، كان ذلك خطأً جسيما .
أدار المجلس العسكري البلاد لفترة انتقالية لمدة سنة ونصف السنة تقريبا، بعد ثورة يناير، لم تهدأ ولم تستقر الاوضاع بالكامل، ووقعت جرائم عديدة استفزت المشاعر الوطنية، حتى نادى بعض الثوار في شعاراتهم، ‘يسقط يسقط حكم العسكر’، بعد أن تعبت الحناجر يوما ما برفع شعار: ‘الشعب والجيش إيد واحدة’، وشعار: ‘سلمية سلمية’ .
من تلك الجرائم البشعة، ماسبيرو والتحرير، وسحل المرأة وكشف العذرية، وجريمة محمد محمود ومجلس الوزراء، وتسميم المعتصمين والعباسية، ومجزرة بورسعيد وتهريب الأمريكان، وهذه جرائم كانت تحتاج الى تحقيقات دقيقة وربما ثورية، حتى يصل الحق الى أهله سريعا، ويعرف الشعب من أجرم حقاً في حق الوطن وأعاقه عن الشروع في التنمية والنهضة المنشودة . من الجرائم أيضا وإن بدت لبعضهم عملا إيجابيا، الانصراف عن العمل الثوري والتركيز على العمل السياسي ومنه الحزبي والبرلماني حتى بدت الثورة ومطالب الثورة نشازا وأحيانا بلطجة.
وجاء الاسلاميون الى الحكم، وتوقع أو تمنى أبناء هذا الشعب الصبور، أن يروا حكما رشيدا أو حتى علامات على الطريق نحو الحكم الرشيد، وفي قمة المطالب تحقيق أهداف الثورة الأربعة، العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية. يضاف الى ذلك المساواة في الحقوق بين أبناء الشعب الواحد، وهذا جزء من العدالة الانتقالية. وكل تلك الأهداف أهداف اسلامية وديمقراطية في نفس الوقت. انشغل الاسلاميون بقيادة الاخوان بالبرلمان حتى تشكل وفق انتخابات نزيهة في الغالب، ولكن تحت قانون باطل، ثم شاهدنا أداء ضعيفاً وتركيزا على الشكليات، حتى أبطلته المحكمة الادارية العليا، ثم شاهدنا صراعاً مع القضاء والمحكمة الدستورية العليا بشكل خاص، فضلا عن النائب العام ونادي القضاة، الى ان نادى الاسلاميون المعتصمون حول المحكمة الدستورية بشعار غريب، يحمل في طياته الاجرام نية أو عزما. ذلك الشعار هو: ‘يا مرسى إدينا إشارة نجيبهم لك في شيكارة’ .
لم يعبأ كثير من المسؤولين بهذا الشعار الاجرامي، فامتدت نفس الفكرة الى الاعلام ومحاصرة مدينة الانتاج الاعلامي، وارهاب الاعلاميين، في ظل فشل رسالة الاعلام الاسلامي وقنواته، وهم أيضا الذين فشلوا فشلا ذريعا في النطاق السياسي، أما التشدد والعنف فقد ازداد في تلك القنوات، ولم يستطع تهدئة الاعلام العلماني أو الليبرالي، بل حقق الانقسام، حتى شاهدنا بذاءات في الناحيتين، ولم يشهد الميدان الاعلامي حتى اليوم ميثاق شرف إعلاميا مناسبا يمكن الرجوع إليه عند الضرورة أو محاكمة المخطئ، أو حتى قفل قناة من القنوات من أي طرف.
أما الثورة الثانية، ثورة 30 يونيو 2013، فجاءت لتعلن بلا مواربة انقسام المجتمع، وانقسام الثوار أو بعضهم على الأقل بنسب متفاوتة. جاءت ثورة 30 يونيو، لتعارض نظام الاخوان الذي أساء الأداء طوال سنة كاملة وأساء حتى تقدير الواقع وفهم الارض التي يقف عليها، حتى قال بعض القياديين في الاخوان وفي حزب الحرية والعدالة وأعضاء مجلس الشورى وبعض المسؤولين في الدولة من الوزراء وغيرهم – إنها زوبعة في فنجان – وعندما نجحت الثورة ونجح الثوار بدون الاسلاميين قالوا عنها إنها ‘فوتوشوب’ .
كانت القوات المسلحة تقف قريبا من الاحداث والواقع، وكانت تنظر الى مسؤوليتها في حفظ أمن الوطن ووحدته. وقفت مع الشعب في ثورته يوم 25 يناير 2011، ثم وقفت مع الشعب في ثورته يوم 30 يونيو 2013، وبدت في هذه المرة أنها ضد نظام الاخوان، الذي قتل نفسه بانغلاقه وسوء أدائه، وضعف تقديره للواقع أو لفهم الواقع . يقول الاسلاميون إنهم لم يفشلوا بل أُفشلوا، ولم يفكروا يوما ما، لماذا وصل بهم الأمر الى معاداة الجيش والشرطة والقضاء والاعلام وقطاع كبير من الشارع المصري. لم يستطع الاخوان ترويض المعارضين، ولم يستطيعوا تهيئة المناخ المناسب لوحدة الوطن. أرادوا السيطرة بعيدا عن المحاسبة، يتضح ذلك من الاعلان الدستوري الفرعوني في تشرين الثاني/نوفمبر 2012.
لم يفهم الاخوان ولم تفهم الرئاسة الرسالة الشعبية فهما صحيحا، ولو فهموها لكانت هناك انتخابات رئاسية مبكرة، أو كان هناك تغيير حقيقي في الحكومة من قبل، بمن فيها رئيس الحكومة هشام قنديل، والتوقف عن مسيرة الأخونة والسعي للاستفادة من خبرات الشعب الواسعة واحترام إرادة الثوار، خصوصا لأن الثورة الثانية الناجحة كانت بدون الاسلاميين، بل كانت ضدهم أو كان الاسلاميون ضدها .
لم يفهم الاخوان ولا الاسلاميون الواقع حينما تحالفوا في إطار التحالف من أجل الشرعية، اعتقادا منهم أن حماية الجيش للثورة كانت انقلابا ضد شرعية انتخابات الصندوق، ونسوا أنهم بأدائهم السيئ القاسم للوطن، أفسدوا تلك الشرعية تماما، إذ أن شرعية الصناديق يجب أن تقود الى تحقيق محتوى العقد الاجتماعي والسياسي بين الحاكم والمحكوم، وإلا فان تلك الشرعية تكون ناقصة. كثير من الاسلاميين لا يدرك حتى اليوم أن شرعية مرسي بدأت في التناقص بعد المئة يوم الأولى من حكمه، وعدم قدرته على الوفاء بالوعود وانجاز الملفات الخمسة التي وعد بها .
لم يفهم الاسلاميون للأسف الشديد الرسالة الشعبية والرسمية الجديدة، فأقاموا إمارة رابعة العدوية والنهضة التي زعموا أنها سلمية، ونسوا أنهم من خلال كلمات المنصة والاسوار الخرسانية والسواتر والشكائر الرملية وكميات الطوب التي جمعوها، بدت وكأنها في ساحة قتال ضد عدو خارجي، وليس في ساحة اعتصام سلمي أو مظاهرة سلمية لمعارضة النظام أو الحكومة أو حتى تدخل الجيش في السياسة. جلب ميدانا رابعة العدوية والنهضة كوارث عديدة، كان في مقدمة تلك الكوارث كثرة القتلى والجرحى .
هل يشهد الاسلاميون اليوم، هروب جميع قيادة التحالف من أجل الشرعية، وماذا بعد إلقاء القبض على بعضهم، خصوصا المرشد العام الدكتور بديع، والقيادي الذي شغل حيزاً أكـــــبر بكـــــثير من حجمه الحقيقي، أعني صفوت حجازي. إن محاولة هروب صفوت حجازي لقطة محزنة من فيلم السقوط أو ما يسميه بعضهم، الصعود الى الهاوية. محاولة تغيير الشكل والهيئة دون العقل وطريقة التفكير هو الفشل بعينه. أين القوة الوهمية أو حتى الوطنية الصادقة، التي زعمتها قيادة رابعة؟ أين قـــوة: سنسحقهم أو: اللى يرش مرسي بالمية هنرشه بالدم.
هل لا يزال العقل الاسلامي في مصر يرى أن: قتلانا في الجنة وقتلاتهم في النار، كما قال عاصم عبد الماجد. ما هي الرؤوس التي أينعت وحان قطافها كما قال عاصم. ومن يتحمل تصريحات البلتاجي، عن سيناء والارهاب، وتوقفه في ثانية واحدة، إذا عاد مرسي الى الحكم .
يتابع المصريون اليوم ما يحدث داخل دوائر الاخوان في مصر بدقة شديدة، وكذلك في التنظيم العالمي للأخوان، وأثر رؤية الغرب الخاطئة للأحداث، وتدخل ذلك الغرب في الشؤون الداخلية للوطن بما يتنافى تماما مع أهداف الثورتين. وللحديث صلة .

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article مبارك والعادلي وبديع والشاطر أمام الجنايات بتهمة قتل المتظاهرين عن معنى عودة مبارك Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع