المقالات و التقارير > هل اختلط الحابل بالنابل؟

هل اختلط الحابل بالنابل؟

أتساءل وليس عندى إجابة، لأنني لم أطلع على كل الملفات المتعلقة بكثير من الموضوعات على الساحة، وليتها كانت عندي، أو ليتها تعقد من اجل ذلك عدة مؤتمرات وندوات فاصلة، حتى تطمئن الشعوب على مستقبلها وإدارتها وحكوماتها التي تحكمها وتتحكم في مستقبلها. أحيانا يسود العنف بكل الجهل والتخلف، والشعب يتساءل كيف يصف الآخر، وهل يختار في الوصف بين العمالة والنفاق والخيانة، أم الغباء؟..الخ
أبدأ بكلام واضح جدا للشيخ العلامة القرضاوي عن الحرب الأمريكية البريطانية على العراق، بعد أن غزا صدام حسين الكويت في اب/ أغسطس سنة 1990. وقد ذكرت ذلك مرارا وتكرارا من قبل لعلنا نفهم .
يقول الشيخ في صفحة 733 من فقه الجهاد – الجزء الأول، ‘اختلف العلماء في مسألة مدى مشروعية الاستعانة بالاجانب في عملية تحرير الكويت. عقد مؤتمر في مكة المكرمة لدراسة موضوع الاستعانة المطروح، نظرا لعجز القوات العربية الاسلامية للتصدي لصدام حسين. وقرر المؤتمر وقد حضره عدد كبير من العلماء رأوا ضرورة الاستعانة مع خطورتها. واذا كان العرب والمسلمون عاجزين عن مواجهة قوات صدام، واجبارها على التخلي عن الكويت، فليس أمامنا إلا الاستعانة بقوة أكبر من صدام، وهي قوة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. والاستعانة بهذه القوة الأجنبية (الكافرة) أمر فرضته الضرورة، وللضرورة أحكامها، وما يباح للضرورة يقدر بقدرها’. ثم يضيف العلامة القرضاوي ‘وكنت ممن وافق عليها (أي الاستعانة) بشرط، أن تأتي هذه القوات لمهمة محددة، هي إخراج صدام من الكويت، ثم تعود من حيث جاءت، حتى قلت: إنني سأكون أول من يقاتل هذه القوات إذا بقيت في المنطقة بعد التحرير يوما واحدا’.
هذا عن مؤتمر مكة المكرمة سنة 1990 وقد بقيت القوات الأجنبية، بل وأقامت قواعد عسكرية في الخليج، أما العلامة القرضاوي نفسه فيدعو بعد 23 سنة من الاستعانة في الخليج – يدعو في شأن القضية السورية: لـ’الجهاد’ في سورية، ردا على التدخل العسكري لجماعة حزب الله الشيعية اللبنانية في الحرب الأهلية هناك .
ونقرأ في بيان في موقعه الإلكتروني، إن القرضاوي يدعو ‘كل قادر على الجهاد والقتال للتوجه إلى سورية، للوقوف إلى جانب الشعب السوري المظلوم الذي يُقتل منذ سنتين على أيدى النظام.. ويُقتل حاليا على يد ميليشيات ما أطلق عليه حزب الشيطان’.
وفي التطور الذي يعكس احتمالية تحول الحرب الاهلية في سورية إلى نزاع طائفي على مستوى اقليمي، حث الشيخ يوسف القرضاوي المسلمين السنة إلى ‘الجهاد’ في سورية ردا على تدخل حزب الله في الصراع الدائر هناك، متهما في الوقت ذاته الحزب وايران بمحاولة ابادة السنة، بل يؤكد العلامة القرضاوي نفسه في سنة 2013 بشأن الأوضاع في مصر ‘في حلقة له مؤخراً من برنامج ‘الشريعة والحياة’: أن ‘الخوارج هم من خرجوا على مرسي’. ووصف مفتي مصر السابق علي جمعة بأنه ‘عبد السلطة وعميل الشرطة’، وقال إنه ليس مفتيا.
ووصف القرضاوي ما حدث في الثالث من تموز/يوليو في مصر بأنه ‘انقلاب عسكري’ على الحاكم الشرعي المنتخب بإرادة الأمة، واعتبر أن إلغاء الدستور الذي انتخبته الأمة أمر غير جائز.
وأضاف أن من خرج على الحاكم الذي انتخبه الشعب هو الذي يعتبر من الخوارج الذين يجب أن يقاوموا ولا يقبلهم الشعب، وانتقد القرضاوي بشدة فتاوى علي جمعة، وقال إنه ليس عالما أصيلا ولا ينبغي أن يستدل به الناس، وإنه صوفي يشتم ويسب العلماء. وهذا في ظني أمر عجيب، العلماء يسب بعضهم بعضا .
وشدد القرضاوي على أن مرسي أتاح لشعبه الحرية، وترك الحرية للجميع، وأتاح للمصريين الحرية المطلقة، وخرجوا ضده، ولم يفعل بهم مثل ما فعل الفريق السيسي وزير الدفاع قائد الانقلاب الذي يقمع الحريات ويكمم الأفواه، لافتا إلى أن الحرية لا تعطي الحق في الخروج على الشرعية. وللأسف الشديد لا يرى القرضاوي الأخطاء البشعة التي وقع فيها الرئيس مرسي والاخوان وحزب الحرية والعدالة، وقد تجاهل إرادة الشعب أو قطاع عريض من الشعب خرج يوم 30 يونيو، وكان الاخوان يرونها مجرد زوبعة في فنجان .
ودعا القرضاوي المسؤولين في العالم، مصريين وعربا وإقليميين، إلى التدخل في مصر لوقف جرائم العسكر. كما دعا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي المصريين جميعا مجددا إلى الخروج للتظاهر لنصرة إخوانهم الذين تعرضوا للمجازر، ودعا هيئات العالم للتدخل لوقف ما يحدث في مصر.
كما دعا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي المصريين جميعا مجددا إلى الخروج للتظاهر لنصرة إخوانهم الذين تعرضوا للمجازر، ودعا هيئات العالم للتدخل لوقف ما يحدث في مصر. وقال القرضاوي إن على ‘جميع المسلمين والمسيحيين وعلماء الأزهر أن يخرجوا من بيوتهم، وعدم البقاء، لأن أحدا من المصريين أو غيرهم لن يموت قبل أجله’. (لم نتعلم الدرس من مؤتمر مكة والتدخل الأجنبى في الخليج).
وأكد القرضاوي أن ‘المصريين الذين قتلوا ذلك اليوم على يد العسكر ليسوا صراصير تداس بالأقدام، تستباح دماؤهم كما حدث اليوم مع الشعب المصري على يد الانقلابي عبد الفتاح السيسي وأعوانه’، مشددا على أن ‘مجازر فض الاعتصام لم تحدث في تاريخ مصر، سواء في العهد المملوكي او الفارسي أو الفرعوني أو أي عصر مضى’. أين هنا الانصاف والموضوعية التي نعلمها للشعب؟
ودعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في بيان له، المنظمات الحقوقية إلى ‘رفع قضايا جنائية أمام المحاكم الدولية من أجل محاكمة الضالعين في قتل الأبرياء والاعتداء على الحريات والكرامة الإنسانية من الانقلابيين في مصر وحكومتهم غير الشرعية، والمحرضين لهم من الإعلاميين ودعاة الديمقراطية المزيفين’.
كما دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الافريقي، وهيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وغيرها من المنظمات الدولية وهيئات حقوق الإنسان، للتحرك السريع الجاد، من أجل وقف حمام الدم وانتهاك الحرمات والحريات الذي يقوم به الانقلابيون في مصر.
كما دعا الاتحاد جميع المصريين إلى الخروج من بيوتهم بأزواجهم وأولادهم البالغين والمميزين، لينضموا إلى المعتصمين، ليكثروا سوادهم، ويضاعفوا أعدادهم، ولا يتقاعسوا عن ذلك، إلا من كان له عذر يمنعه. (كان ذلك قبل فض الاعتصام).
هذا عن موقف الشيخ القرضاوي وعن موقف الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، يدعو بوضوح الى التدخل في سورية وفي مصر، رغم أنه يعلم مدى المعاناة من وجود القواعد العسكرية الامريكية في الخليج، ورغم أنه شخصيا كان على استعداد لمحاربة القوات الأجنبية إذا بقيت يوما واحداً في الخليج بعد صدام حسين. وها هي قد بقيت ورتبت أمورها على البقاء ولا يدري أحد الى متى .
هناك منظر آخر – على الساحة الأخرى – يقول فيه الدكتور أحمد كريمة وهو من كرام علماء الأزهر، عن الاخوان المسلمين: ‘ أعلن مجلس علماء الشريعة في مصر، خروج جماعة الإخوان المسلمين عن الملة والطريقة الحنفية، معتبراً أنها أصبحت جماعة مرتدة عن الإسلام’ . للأسف كل فريق يصف الفريق الآخر بالخروج عن الاسلام . وهى تهمة ليس لها ما يسندها .وأضاف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أحمد كريمة، في بيان أورده موقع ‘أخبار مصر’، التابع للتلفزيون الرسمي، إنه ‘يجب أن يؤخذ من أموال جماعة الإخوان المسلمين وأشياعهم، ما يكفل بإصلاح المتلفات التي أتلفوها.’
وفي ضوء التشدد الممقوت، والغلو المرفوض شرعاً، وفي ضوء التشدد المضاد، يقول ربنا سبحانه وتعالى ‘وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أخْرى’ ونقرأ في القرآن الكريم: ‘تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ’، وهذا ما يقتضيه العدل .
كان الرئيس السادات، رحمه الله تعالى، وهو يهاجم ممارسات الجماعات الاسلامية المتشددة والسمع والطاعة لأمرائها، ونظرية تفسير الحاكمية لدى سيد قطب يقول : إنه – أي السادات – تعاون مع الامام البنا ضد الإنكليز والاحتلال، ولكنه لم يعمل أبداً ضد مصر’. هكذا يجب ان يكون الموقف حتى مع الخصوم أو عند التقويم الموضوعي الصحيح .وقد استمعنا الى الرئيس المعزول مرسي في أول خطاب له أمام الشعب في ميدان التحرير، بعد الانتخابات مباشرة وهو يقول: أنتم مصدر السلطة والشرعية التي تعلو على الجميع. ثم يقول ‘لا سلطة فوق هذه السلطة’، أي الشعب، وهذا صحيح في الثورات، ولا ينبغى أن يكون ذلك الموقف عند العقلاء صحيحا مرة أو في ثورة، ويكون غير صحيح في مرة أخرى مماثلة أو في ثورة أخرى. وكان على مرسي واخوانه أن يقبلوا إرادة الشعب في 30 يونيو 2013 .
أما بعض خطب الشيخ محمد عبد المقصود، فيضيف فيها عن القوات المسلحة ‘بأنهم لا يرقبون في مسلم إلاً ولا ذمة’. ويصف الخطوات الثورية التي اتخذها قطاع عريض من الشعب بقيادة تمرد يوم 30 يونيو ‘بأنها ممارسات نازية’، ويندد بالمعاملة الرسمية لتفكيك اعتصام رابعة العدوية ويصف المعتصمين بأنهم ‘عوملوا كأنهم من سكان المستعمرات’، لا أدرى أين تعلم هؤلاء الاسلام .
هذا الخطاب من الأطراف كلها خطاب متشدد وغير منصف وغير موضوعي، خصوصا إذا جاء من علماء أو من اتحاد العلماء .

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article الحكومة المحظوظة التى تحكم مصر! ‘لا اخوان ولا مسلمون’ بل مصريون متدينون! Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع