المقالات و التقارير > متفائل بلجنة الدستور

متفائل بلجنة الدستور

أعتقد أن شأنى شأن ملايين المصريين الذين يتابعون أعمال لجنة الدستور سواء على القنوات الفضائية أو فى الصحافة بجميع اتجاهاتها.

ولست فى حاجة إلى أن أخفى إعجابى بطريقة الصديق العزيز/ عمرو موسى فى إدارة أعمال اللجنة كذلك بما يجرى من مناقشات عامة، خاصة لجنة الحوار المجتمعى التى تستمع إلى رأى الآلاف من أبناء هذا الشعب.

وقد كتبت فى «المصرى اليوم» منذ عدة أسابيع أنه بعد ثورة 30 يونيو الماضى فإن دولة جديدة بشرعية جديدة قد وُلدت فى مصر، وأن الأمر يقتضى وضع دستور جديد، وأن عملية «ترقيع» الدستور «غير الدستورى»- كما أطلقت عليه فى أعقاب صدوره- هى عملية غير علمية ولا عملية، وأن الأولى هو وضع دستور جديد كامل.

ولا أتصور أن هذا الدستور الجديد سيكون مبتوت الصلة بميراثنا الدستورى العريق. لقد عرفت مصر فكرة الدستور قبل أن يعرفها كثير من دول أوروبا منذ قرابة قرنين من الزمان.

وقد أسعدنى أن بعض أصدقائى وتلاميذى فى لجنة العشرة- التى تعتبر بمثابة اللجنة الفنية للجنة الخمسين- قد اتصلوا بى وتكرموا متفضلين بزيارتى فى منزلى لأخذ رأيى فى الموضوع بصفة عامة، وقد أكدت لهم ضرورة وضع دستور جديد، كما أكدت لهم أيضاً ضرورة أن ينص الدستور الجديد على أن «يُمنع منعاً باتاً إنشاء أحزاب على أساس دينى أو بمرجعية دينية»، ذلك أن الخلط بين الدين الذى يقوم على اليقين المطلق والسياسة التى تقوم على المصالح المتغيرة هو خلط يؤدى إلى تشويه الأمرين جميعاً.

كل تجارب الإسلام السياسى فى الحكم انتهت إلى نوع من الديكتاتورية الدينية، وهى أسوأ أنواع الديكتاتورية، لأن أصحابها يستندون إلى الادعاء بأنهم يقولون أو يدعون لما أمر الله به. والله من ادعائهم برىء سبحانه عما يرجفون.

وأسعدنى ما سمعته من الأخ عمرو موسى، رئيس لجنة وضع الدستور، بأن اللجنة تتجه إلى أن يقيم الدستور دولة مدنية ديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة الذى لا يفرق بين مصرى ومصرى بسبب الجنس أو الدين أو أى سبب آخر. والذى، مع ذلك، قد يأخذ بفكرة التمييز الإيجابى فى بعض الحالات التى لا تخل بمبدأ المساواة بين المواطنين بل وتؤكده، إذ تنحاز إلى جانب الضعفاء لتجبر ضعفهم. وإن كان مثل هذا الانحياز يجب أن تكون له صفة مؤقتة. من ذلك مثلاً نسبة الخمسين فى المائة للعمال والفلاحين. لقد كانت هذه النسبة معقولة ومطلوبة عندما قامت ثورة 1952 لكى تنصف من طال حرمانهم من حق المشاركة فى أمور بلدهم. لكنى أسمح لنفسى بأن أتساءل الآن: مَنْ منّا لا ينتمى فى أصوله إلى عامل أو فلاح أو موظف بسيط؟ ولذلك فإننى رغم جذورى الريفية ورغم صداقتى بالمرحوم نقيب الفلاحين- بل مساعدتى له فى إقامة النقابة- لم أعد أرى مبرراً لبقاء هذا النص على هذا النحو الموجود به الآن.

وأخيراً أرجو من الصديق العزيز عمرو موسى، ومن أعضاء لجنة الدستور عامة، أن ألفت نظرهم إلى تجربة قامت عقب ثورة 25 يناير 2011 التى أكملتها ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013.

فى أعقاب ثورة 25 يناير صدر قرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإنشاء ما سمى «لجنة الوفاق القومى»، وهى غير «لجنة الحوار الوطنى» التى كان يقودها أستاذنا الدكتور/ عبدالعزيز حجازى.

لجنة الوفاق القومى تشكلت على نحو فريد. لم يعيَّن فيها أحد، وإنما خوطبت الأحزاب التى كانت قائمة آنذاك، وخوطبت النوادى الكبرى- الجزيرة والأهلى والصيد- لتختار ممثلاً لها فى لجنة الوفاق، واستجاب الجميع وأرسلوا من يمثلهم، وأذكر أن السيدة الدكتورة/ درية شرف الدين، وزيرة الإعلام الحالية، وأن الصديق منير فخرى عبدالنور، وزير التجارة والصناعة فى الوزارة الحالية، كانا عضوين فى تلك اللجنة. ولم يمتنع من الاشتراك فى هذه اللجنة من الأحزاب التى كانت قائمة آنذاك إلا حزب جماعة الإخوان المسلمين التى خاطبنى أحد قياداتها قائلاً: لا تظن أن هذه اللجنة- يعنى لجنة الوفاق القومى- هى التى ستضع مشروع الدستور. مشروع الدستور سنضعه نحن بحكم أننا سنحصل على أغلبية مجلس الشعب القادم.

وذلك هو ما حدث وأنتج ذلك الدستور المعيب- أو غير الدستورى كما سميته- الذى تبحث اللجنة فى إزاحته.

والذى أريد أن ألفت نظر الأخ عمرو موسى وأعضاء لجنة الدستور إليه أن لجنة الوفاق القومى بذلت جهداً ضخماً فى دراسة الميراث الدستورى المصرى من بدايته وحتى وقت تكوينها، وأنها أعدت ما يوشك أن يكون مشروع دستور جديد لا أدعى له أنه الأفضل أو الأحسن ولكن أعمال تلك اللجنة مازالت محفوظة فى سكرتارية مجلس الشعب- الذى كان- وأتصور أن الاستعانة بها ستكون أمراً مجدياً. ليتنا لا نبدأ دائماً من الصفر وليتنا نحاول الاستفادة من تجاربنا السابقة التى أعتقد أن تجربة «الوفاق القومى» كانت من أغناها.

أرجو من الأخ الصديق عمرو موسى، رئيس لجنة الدستور، أن يطلب أعمال هذه اللجنة، وأن يعرضها على لجنة الخمسين علّ فيها بعض الفائدة.

وعلى الله قصد السبيل.

المصري اليوم
 


Navigate through the articles
Previous article بين السياسة والحضارة البحث عن الوطن المفقود «ثقافيا» Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع