السياسات تتغير والمواقف
السياسية تتقلب إلى حد الانتقال من النقيض إلى النقيض، وهذه طبيعة السياسة التى
تحركها المصالح الآنية، أى فى الحاضر والمستقبل القريب، ولكن الدور الحضارى لأى بلد
يجب أن يستمر أياً كانت المواقف السياسية المتغيرة، فوق السياسة، وليس بمعزل عنها
بالطبع، وهى مسألة دقيقة، مثل التفكير العقلانى وسط الصخب والضجيج.
المواقف السياسية لحكومة قطر ضد ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو، والتى تعبر عنها
قرارات متعددة، وليس فقط شبكة «الجزيرة» التليفزيونية - لا يجب أن تصل إلى محاولة
منع بث قنواتها ومحاكمة العاملين فى مكتبها بالقاهرة لمجرد أنهم يعملون بها، وذلك
لسبب واحد، وهو صعوبة، وربما استحالة منع البث فى زمن الثورة الثالثة فى تاريخ
الإنسانية وهى الثورة التكنولوجية بعد الثورتين الزراعية والصناعية.
الدور الحضارى لمصر يتعارض مع نقل الطلبة القطريين الذين يدرسون فيها إلى جامعات
الأردن، وحتى لو كان الإجراء بناء على قرار من قطر، وقد كان من الضرورى محاولة منع
تنفيذه بكل الأساليب والوسائل، ولايزال من الضرورى محاولة منع الاستمرار فى تنفيذه
إذا كان قد نفذ بالفعل، حتى يستمر الدور الحضارى لمصر.
الرئيس التونسى المنصف المرزوقى طالب فى الجمعية العامة للأمم المتحدة (أكبر منبر
دولى سنوى فى العالم) بالإفراج عن الرئيس المصرى السابق محمد مرسى وكل المعتقلين
السياسيين فى مصر، وهو فى هذا يتسق مع تاريخه الطويل فى الدفاع عن حقوق الإنسان،
ولكن المشكلة هنا أنه يعتبر مرسى وأعوانه من الإخوان وأنصار الإسلام السياسى
معتقلين سياسياً، ولو كان الأمر كذلك لوافقناه، ولكنهم ليسوا معتقلين سياسياً،
وإنما يحاكمون عن جرائم جنائية، ولا يحاكمون لأنهم أصحاب «رأى».
لقد خلط «المرزوقى» بين دورى «الناشط الحقوقى» ورئيس جمهورية تونس، تماماً كما خلط
البرادعى بين هذا الدور ودوره كنائب لرئيس الجمهورية بعد ثورة 30 يونيو التى ساهم
بقوة فى نجاحها.
ومن الضرورى الرد على خطاب المرزوقى فى الأمم المتحدة، ولتكن هناك أزمة سياسية بين
مصر وتونس، ولكنها لا يجب أن تمتد إلى الدور الحضارى للبلدين، والأمر نفسه مع تركيا
وإن اختلفت الأسباب. وأثق تماماً بقدرة وزير الخارجية نبيل فهمى، وهو من هو، على
إدراك الفرق بين الدورين السياسى والحضارى، فالسياسات تتغير، ولكن الشعوب لا تتغير،
والعلاقات بينها لا تتغير. والفنون والآداب لها دور أساسى إن لم يكن الدور الأساسى
بـ«أل» التعريف فى التعبير عن الدور الحضارى، من خلال الكتب والأفلام والمعارض
والمسرحيات وحفلات الموسيقى، والتى يجب أن تستمر مهما كانت الخلافات السياسية، فهى
عابرة بالضرورة، بل إن دورها مطلوب فى وقت الأزمات أكثر من أى أوقات أخرى.
المصري اليوم
Navigate through the articles | |
دليل المواطن المصرى للدستور العصرى | متفائل بلجنة الدستور |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|