تثير قضية خطف ‘وحدة أمريكية
خاصة’ نزيه الرقيعي (ابو انس الليبي) من داخل ليبيا الكثير من الأسئلة والمفارقات.
أول هذه الأسئلة يتعلق بما سمّاه وزير الخارجية الاميركي جون كيري ‘قانونية’ هذه
العملية وكونها ‘عملاً مناسباً’، والأمر الأكيد، أن لا قانونية ولا شرعيّة لهذه
العمليات تحت مظلة القانون الدولي ففيها انتهاك واضح لسيادة الدول وحدودها
وقوانينها.
وثاني هذه الأسئلة هو: هل أعطت السلطات الأمنية الأمريكية علماً بعمليتها للحكومة
الليبية، واذا كان الأمر كذلك فهل ستستطيع الحكومة الليبية مواجهة استتباعات
موافقتها على انتقاص سيادتها وتسليمها مسؤوليتها القانونية والشرعية عن حماية
مواطنيها لبلد آخر.
تمتد جغرافية عمليات الخطف والاغتيال التي تقوم بها الوحدات التابعة للاستخبارات
الأمريكية من باكستان مروراً باليمن ووصولاً الى ليبيا، خالقة من الفضاء الكبير
الذي تسكنه الشعوب الاسلامية مجالاً هائلاً للأزمات الأمنية والسياسية.
ولعل المفارقة الأهم التي تثيرها هذه العمليات أنها تفتح المجال لزعزعة أركان
حكومات حليفة لها في الوقت الذي تلتزم فيه بحرفية القانون الدولي حين يتعلق الأمر
بحكومات ‘معادية’ لها.
ففي العملية العسكرية الأمريكية ‘المحدودة جداً’ ضد النظام السوري على حد تعبير جون
كيري التزمت امريكا بكل إشارات المرور الحرفيّة في مجلسي الشيوخ والنواب ومجلس
الأمن الدولي وصولاً الى تبخّرها النهائي في صفقة دبلوماسية مع روسيا أعادت انعاش
النظام السوري وأعادت رئيسه الفصيح الى شاشات التلفزة ومانشيتات الصحف.
الأمر نفسه يمكن ملاحظته على الدفاع الروسي الدائم عن الالتزام بالقانون الدولي
عندما يتعلّق الأمر ببشار الأسد ونظامه والذي يقابله سكوت بالغ الدلالة حين يتعلّق
الأمر بعمليات الخطف والاغتيال الأمريكية في العالم الاسلامي، او بحقوق الفلسطينيين
المنتهكة يومياً على يد اسرائيل وراعيتها الأمريكية.
أثارت هذه العملية الاستفزازية مجموعة من التداعيات المنذرة بالخطر في ليبيا، بحيث
صبّت الزيت على نار الوضع السياسي والأمني غير المستقر في ليبيا، وأعطت دفعة جديدة
لضعضعة الحكومة الليبية التي وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه.
مجموعة تطلق على نفسها ‘غرفة ثوار ليبيا’ (وهي في اعتقادنا تعبّر عن اتجاهات
اسلامية غير مرتبطة بالقاعدة) دعت الى حالة استنفار قصوى في كافة المدن الليبية
لمواجهة ما سمته ‘حالة التردي الأمني الذي تعيشه البلاد والانتهاكات التي تقوم بها
اجهزة الاستخبارات الاجنبية بالتعدي على سيادة الدولة’ كما دعت جماعة أخرى الى خطف
مواطنين امريكيين وشن هجمات على خطوط الغاز وعلى السفن والطائرات.
ومن الممكن ان تؤدي تداعيات هذه العملية الى شن هجمات على مواقع غربية وحكومية، كما
ستؤدي بالتأكيد الى تأثر العلاقات الامريكية الليبية، رغم نفي رئيس الحكومة الليبية
لذلك.
أحد وجوه الغرابة في عملية خطف نزيه الرقيعي (ابو انس الليبي)، ان أبا انس الليبي
كان مقيماً لسنوات في بريطانيا حتى عام 1999 وكان يعمل في مطعم بيتزا بمدينة
مانشستر، وهذا قد يعني أن الاستخبارات الأمريكية تأخرت 14 عاما على اكتشاف خطورته
الأمنية الكبيرة (أو أنه ليس شخصاً خطراً أمنياً البتة).
ورغم أننا نتحدث عن روح بشرية مخطوفة ومعتقلة في مكان ما من العالم فاننا لا نستطيع
تجنّب ملاحظة جانب امريكي مثير للسخرية في الموضوع، فالعملية جرت السبت الماضي
وخلال فترة ‘اغلاق’ الحكومة الأمريكية وامتناعها عن دفع رواتب موظفيها، فهل كانت
‘الوحدة الخاصة’ تعمل متطوّعة اثناء إجازتها الاجبارية من دون راتب بدافع الاخلاق
الحميدة فحسب؟
والأمر نفسه ينطبق على الـ200 عنصر مارينز الذين حضرهم الجيش الأمريكي لمواجهة أي
استتباعات أمنية لعملية الخطف في ليبيا.
نجل المخطوف صرح ان المسلحين الذين اعتقلوه كانوا ليبيين وكانوا في سيارات لا تحمل
أرقاما، وهو أمر، أيضاً يثير التساؤل، فهل تملك الاستخبارات الأمريكية جيشاً صغيراً
من الليبيين، أم أن هناك تواطؤاً مع أجهزة أمنية او ميليشيات داخلية؟
القدس العربي
Navigate through the articles | |
مشاركة المعلومات الاستخبارية بين دول شرق أفريقيا أساسي في الحرب على الارهاب | انطلاقة خجولة لمبادرة "غو تو سكول" في الصومال |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|